دراساتslider

أصداء ثورة الملك والشعب في الشعر المغربي المعاصر- بقلم محمد الحجوي

إن الشعوب العظيمة هي التي تجعل التاريخ يسير على نهج ما تحططه وترسمه من معالم ومفاخر وعظائم. والأمجاد تكتسب بالجهاد والنضال والمواقف النبيلة، والفضائل الإنسانية، وما تخلده الأمة منازدهار في العلوم والبناء والإعمار يجسد عبقريتها وتاريخها المشرق، والشعب المغربي منذ أوجده الله على هذه الأرض الطيبة لم يقف لحظة واحدة عن السعي نحو الأمجاد والمفاخر التي أصبحت معلمة بارزة في تاريخ المغرب البعيد والقريب، والمؤرخ والباحث والدارس لهذا التاريخ يقدر كل التقدير ما تحقق على يد هذا الشعب الأبي من إنجازات ومفاخر أصبحت تذكر في المحافل والمنتديات ويضرب بها المثل بين الأمم والشعوب، وتحتذى من طرف كل أمة تريد أ يكتب لها مجد في التاريخ.
ولعل ثورة الملك والشعب من هذه الملاحم الخالدة، والأمجاد الباهرة التي خلدها العرش والشعب في تاريخ المغرب الحديث. إنها ملحمة ستظل شعلة متوهجة في تاريخ هذه الأمة النضالي والبطولي، ورمزا للتضحية بالروح والجاه والملك من أجل الحرية والكرامة.
إن المغرب مثل شعوب كثيرة ابتلى بالاستعمار في بداية القرن العشرين، وقد أراد هذا الاستعمار طمس كل المعالم الروحية والتاريخية والحضارية والفكرية التي ظل المغاربة متشبثين بها طيلة قرون عديدة، لكنه وجد أمامه إرادة قوية، وعزيمة ثابتة لا تقهر من العرش والشعب. هذا الصمود والالتحام بين الملك وشعبه جعل شوكة المستعمر تتكسر، ويجني من آماله وتطلعاته العدوانية الفشل الذريع، والخسران المبين. وقد كان للعلماء والمجاهدين والأحرار دور كبير في تحقيق ذلك، فقم الذين نوروا أذهان الشعب، وحاربوا الجهل والخرافات والأباطيل التي كان المستعمر يعمقها في المدن والقرى! ويحاول تثبيتها بكل السبل.

فما من إنجاز تاريخي عظيم حققه المغرب في الدفاع عن وحدته، أو حفظ بيضته، أو التصدي لهجمة مغير، أو الضرب على يد باغ أو داع للفتنة مبير، أو نشر لأولية الأمن والاستقرار، أو تحقيق التقدم، والازدهار، إلا كان العرش المغربي يجسد إرادة الأمة، ويجمع كلمتها في هذا الاتجاه، فيستنهض همم أفرادها، ويعبئ طاقاتها، فيتحقق بفضل هذا الالتحام بين العرش والشعب ما كان يتحقق دائما من أسنى المطالب وأنبل المقاصد.

من أقوال الحسن الثاني، رحمه الله، في خطاب عيد العرش لسنة 1997


إن دروس العالم الجليل الشيخ «محمد بن العربي العلوي» التي كانت تلقى في «جامعة القرويين» ومساجد المدينة كانت تذكي روح الوطنية،وتحيي القلوب من غفلتها ،وتبعث روح المقاومة والنضال في الطلبة وعامة الشعب، وهذه الدروس أنبتت نباتا طيبا، فكان من ثمارها الطلبة الأحرار مثل المرحوم«علال الفاسي»، والمرحوم«المختار السوسي» اللذين كان لهما دور بارز في تكوين خلية وطنية لوضع خطة سياسية وفكرية تقود للنضال، وبعث الحمية في نفوس الشعب من أجل الالتحام مع العرش لصد الغازي وتحرير البلاد. وقد وجدت هذه النخبة من الطلبة الأحرار تأييدا ونصرة من الملك المجاهد محمد الخامس، (رحمه الله)، فبدأ الحماس يدب في نفوس الشعب، وتقوت العزائم، ونما الشعور بالعزة، وامتلأت النفوس بالغبطة والارتياح، فكانت الشرارة التي جعلت المواقف البطولية تسير جنبا إلى جنب بين الملك والشعب، ولم يعد الشعب يهاب طغيان المستعمر ما دام رمز السيادة ملتحما معه. وقد تجلى هذا الالتحام في 11 يناير 1944م حينما قدم الوطنيون وثيقة المطالبة بالاستقلال التي رعاها رائد الوطنية محمد الخامس رحمه الله.
وفي أبريل 1947م ألقى، رحمه الله، خطابه الشهير في مدينة طنجة، وقد حدد فيه المطالب التي لن يتنازل عنها المغرب مهما كانت الظروف والأحوال، وهي وحدة ترابه والاستقلال الكامل، هذه الرغبة أصبحت مطلبا ملكيا وشعبيا، ولذلك كان لخطابه تأثيره القوي في الشعب، وقد عبر عن هذا الأثر الشاعر«علال بن الهاشمي الفيلالي» بقوله:
سكت الشعب مصغيا لنداء
ملكي يدني الرجاء البعيدا
أخرس الجاحدين بانتظم الشعـ
ـب وأجرىخطو الزمان الوتيدا
ورأت وحدة العروبة فيه
شعلة الوحي والإباء العتيدا
وهذا ما جعل المستعمر يجن ويقدم على نفي محمد الخامس وأسرته، والزج بالوطنيين في السجون، وقتل الأبرياء. –ورب ضارة نافعة- لأن هذا الفعل الشنيع جعل شرارة النضال يشتد أوارها، وينتفض المغاربة في المدن والقرى، مما جعل الشرفاء والنبلاء في العالم يتعاطفون مع قضية المغرب الشرعية، ولكل بداية نهاية، ولكل ليل صباح، وإذا بفجر الحرية يشرق ويعود رمز السيادة حاملا لشعبه بشرة الاستقلال، ونهاية عهد الحجر والحماية. وقد ألقى، (رحمه الله)، خطابه التاريخي الذي نوه فيه بوفاء الشعب، وما قدم من تضحيات في سبيل العرش والوطن، وحث الشعب على الاستعداد للجهاد الأكبر، جهاد ضد الفقر والجهل والتخلف. وطالب الشعب بتكتيل الجهود من أجل الوقوف ضد الأخطار التي تهدد المغرب الفتي، قال (رحمه الله):
«إن في أعناقنا لهؤلاء الشهداء الأبرار أمانة يجب علينا تأديتها تأدية تنال رضاهم. تلك هي تكتيل قوانا جميعا للوقوف في وجه كل خطر عدواني، ولحماية استقلالنا الفي، وذلك بالاتحاد والتعاون والامتثال وتطهير النفوس من أدران الضغائن والأحقاد، وعدم التراخي في القيام بالواجب».(1)
وتظل هذه الذكرى العطرة رمزا لإعلاء الهمم، وشحذ العزائم وتقوية النفوس لمواصلة العمل فداء لأرواح الشهداء، وصيانة البلاد من كل خطر يهددها؛ لذلك كان جلالة الملك الحسن الثاني، (رحمه الله)، يلقي في كل سنة بمناسبة هذه الذكرى خطابا ساميا يذكر فيه المغاربة بأمجاد آبائهم، وتضحياتهم لصيانة العرش والوطن، ولتكون هذه الذكرى أيضا عبرة للجميع لموصلة الجهاد الأكبر الذي نادى به محرر الأمة. قال جلالة الملك الحسن الثاني، (رحمه الله)، في الذكرى الخامسة والأربعين لثورة الملك والشعب: «فاستمرت تلك الثورة ما يقرب من ثلاثة سنواتـ أظهر فيها الشعب المغربي من أقصاه إلى أقصاه التحامه ووحدته وتظافره، سواء في البادية أو المدن، في الشرق أو الغرب، في الجنوب أو الشمال، ليظهر للغاصب أولا، وللعالم ثانيا، أنه شعب لا يقبل التحديات فقط بل يقبلها ويعمل لينتصر عليها».(2)
وتبقى هذه الذكرى العظيمة، والملحمة الخالدة، شعلة مضيئة، وعنوان الوفاء والإخلاص؛ ومن هنا وجدنا جلالة الملك محمد السادس،نصره الله، يسير على سنن جده وأبيه في استحضار دلالات هذه الذكرى كلما حلت مناسبتها الجليلة، ليعيد للأمة صورة من تاريخها المجيد وبطولتها الخالدة. قال، حفظه الله، في 20غشت سنة 200م، وهي مناسبة جليلة تجمع بين ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد ميلاد جلالته: «وعلى الرغم من أنه مر على أحداث هذه الثورة نحو نصف قرن، فإن وقائعها ما تزال متمثلة في أذهان المغاربة المطبوعين على الوفاء والإخلاص، ومرتسمة في قلوبهم، يستحضرونها كل عام، وسيظلون مستذكرين لما مهما امتدت السنون والأعوام، ومن خلالها يسترجعون صحائف رائعة من التاريخ المجيد الذي كتبه أبناء هذا الوطن بدمائهم الزكية الطاهرة بأحرف نورانية باهرة».
هذه الذكرى العظيمة فجرت القرائح وألهبت المشاعر، وتغنى بها الشعراء، فكان لها صدى كبير في الشعر الحديث والمعاصر، عبر فيه الشعراء عن شعورهم وشعور الأمة ببطولة ونضال ووفاء ملك وشعب قل نظيرهما في التاريخ. فهذا الشاعر «محمد الحلوي» يستحضر هذه الذكرى في كل قصائده الوطنية، معتبرا رائد التحرير محمد الخامس، رحمه الله رجل الشدائد والصمود والتضحية، والعزيمة القوية، والثبات على المبدأ السامي، قال في قصيدة «ليلة السلام».
ثورة قادها أبوكم فشبت
ودم الشعب في لظاها الوقود
زمجرت كالرعد في كل أفق
ورواسي الجالسين فوق عروش
علم الجالسين فوق العروش
أن يضحوا بعزها ويجودوا
علم الحاكمين كيف يصير الـ
ـحكام صبا، وكيف رعى العهود
يوم عاد العظيم فكت عن الشعـ
ـب المعنى سلاسل وقيود
رفع الرأس عاليا بعدما كا
ن يعاني كما يعاني العبيد
وإذا الشعب بعد عهد من الحجـ
ـر طليق وسيد لا مسود.(3)
هذه المعاني سكنت في وجدان الشاعر فظل يستحضرها بأشكال وألوان من الصياغة والتعبير
للدلالة على سمو الموقف وجلاله، كقوله في قصيدة «هذا الجلال»:
وعلى أبيك المرتضى من ربه
رحماته كالوابل المغداق
من زلزل الطغيان من جبروته
وأزاح عهد الحجر والإرقاق (4)
وهو في هذا التعبير يمثل شعور كل المغاربة الذين امتزجت في تفكيرهم، أصبحت الذكرى عندهم عيدا وطنيا خالدا، يعيدون فيه صور هذه الملحمة باعتزاز؛ لذلك وجدنا الشاعر يعيد صورها في كل مناسبة وطنية أو دينية، وكأنها حدثت بالأمي القريب. قال في قصيدة «الليلة»:
ويوم أصاب المس غاصب أرضنا
وجن لنا لا يشتكي منه أحمق
رأينا دماء الأمجاد كالليث للحمى
وعانقه شعب من القيد مطلق
ملاحم شعب توج العرش نصرها
تصدى لها المستعمرون فأخفقوا
يدوي صداها في الشعوب فتنحني
وتنساب في سمع الزمان فيطرق
وللحق جولات على كل باطل
إن صال في غلوائه سوف يزهق(5)
وكل من تغنى بأمجاد المغرب ألهمته هذه الذكرى مشاعر وأحاسيس وطنية صادقة، تعبر عن التضحية من أجل أن يعيش المغرب حرا عزيزا كريما، عالي الهامة مثل أسلافه، وبذلك تكون الروابط متينة بين الماضي والحاضر، والآمال واعدة بمستقبل مشرق؛ وما حقق المغرب من أمجاد وما يتطلع إليه من ازدهار إلا بفضل الالتحام المتين، والعروة الوثقى التي تجمع بين العرش والشعب على الدوام، قال الشاعر عبد الواحد أخريف:
عرش وشعب أراد الله صوغهما
من الوداد صفاء دونما إحن
وقال:
قوم على هامة الجوزاء قد صنعوا
مفاخر الدهر لا للزهو والفتن
وإنما ليعيدوا العلا صورا
كالضوء يهدي إلى العلياء والسنن(6)
وتطل هذه الذكرى الخالدة نابضة بالحياة والشعور الصادق، تغذي المواهي، وتفجر الأحاسيس الوطنية كلما حل ذكرى عيد الاستقلال الذي نعم فيه المغاربة بنسائم فجر جديد، هبت تداعب كل بيت بعدما عانى المغاربة طيلة سنوات الحجر قهرا وظلما واستغلالا واستعبادا مثلما يعاني العبيد. فهذا الشاعر «عبد الواحد السلمي» في قصيدة «وافرحتاه بعيد الاستقلال» يعبر عن جلال الموقف، وشهامة محمد الخامس في إقدامه الصادق، وثورته المباركة التي جلت غياهب الظلام، وجعلت فجر الاستقلال يقينا بعدما دب اليأس والقنوط في النفوس:
صدق الذي سماه ثورة عاهل
ضحى، وشعب كان خير مثال
إن ابن يوسف آية الحق التي
أحيت عهود السعد والإقبال
إن ابن يوسف طلعة طويت بها
لما تجلت صفحة الأهوال
وقوله:
فإذا استمعت إلى اسمه، وإذا نظر
ت لرسمه حيي الكفاح الغالي(7)
والحديث عن هذه الذكرى يجرنا للحديث عن دور الشباب المغربي في البطولة والنضال. هذا الشباب الذي استرخص حياته وخاض غمرات القتال وهو في عمر الزهور فداء لوطنه وعرشه لقد هب للمقاومة بكل طرق النضال السياسي والفكري والقتالي، ولم يكن له في مواجهة جيش مسلح ومنظم سوى إرادته وإيمانه وحبه للوطن. وكان خير شباب المغرب في هذه الفترة المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني أول من خاض المعركة بجانب والده، وكان خير معين له في الشدائد والمحن، ولذلك تجد الشعراء في عيد الشباب وفي كل الأعياد الوطنية يستحضرون هذه الذكرى بافتخار واعتزاز لما قدم هذا الشباب من تضحيات. قال الشاعر «محمد الحلوي» في قصيدة «عيد الأعياد»:
جن هذا الشباب يوم نفيتم
وارتدى بعدكم ثياب الحداد
وسقى الأرض ثائرا بدماه
كالقرابين ضرجت كل واد
أشعلوها حمراء تقتلع البغيـ
ـي، وكانت من قبل تحت الرماد
فجروها انتفاضة تشبه السيـ
ـل، وتحكي الرياح في قوم عاد
وتحدوا بالتضحيات عدوا
يتباهى بما له من عتاد
ظن أن الشباب يرهبه القمـ
ـع، ويخشى مقامع الجلاد
راعه انهم لم يهابوه
وأن الأحفاد كالأجداد
نسب من دماء عقبة يجري
في دماهم أو طارق بن زياد
تتلقى نعيهم كل أم
بالزغاريد والهتاف المعاد
وتباهي لداتها بشهيد
قدمته ضحية للبلاد(8)
وهذه المعاني، معاني الفخر بنضال شباب المغرب ترددت في قصائد كثيرة. قال الشاعر «عبد الواحد السلمي» في قصيدة «وافرحاه بعيد الاستقلال»:
أشبال هذا المغرب الأقصى الألى
وهبوا حياتهم ليوم نضال
حتى استردوا مجدهم ومليكهم
للعرش عرش الأسد والأبطال(9)
والحسن الثاني، رحمه الله، كان رمز هذا الشباب المناضل، ووقفاته البطولية بشهامة وشموخ كانت متميزة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ المغرب الحديث. قال الشاعر «حسن بوشو»:
فهفا إلى فجر التحرر مغرب
حاقت به وبعزه الأزاء
ووقفت جنب أبيك شهما شامخا
فتضاءلت في عينيه البلواء(10)
وقال الشاعر«وجيه فهمي صلاح» في قصيدة «التاج نور والمغاني تشرق» يذكر جهاد بطل التحرير محمد الخامس وابنه البار الحسن الثاني (رحمهما الله):
لأبيك في ساح الجهاد شريعة
مثلى أضاءت في ذرى الأوطان
شربتها منذ الحداثة سمحة
تهدي إلى أعز مكان(11)
وحق للشعراء أن يهنئوا الملك والشعب في كل عيد وطني بهذه المفخرة العظيمة، والمكرمة الجليلة، داعين الشعب إلى الالتفاف حول العرش لصيانة هذه المكتسبات، والسعي لمزيد من المكرمات والمعالي، ليبقى المغرب بلد التحديات. قال الشاعر «محمد بن على العلوي» في قصيدة «وطني»:
بلاد المفاخر موطننا
وأبناؤه لن يهابوا الردى
فكم عرفوا البأس وقت الرضاع
وكم علموا الغير أن يصمدا
ويا وطن العز نلت المنى
ونلت المفاخر والسؤددا
فلم تستطع أن تراك النفوس
رهين القيود تلاقي الردى
فشمر شعبك خلف المليك
لفك القيود وطرد العدا
وأجليت جيش الضلال الذي
تنمر فوق الثرى واعتدى
هنيئا لك العيد يا وطني
وشكرا جزيلا من وحدا(12)
إن جلال هذه الذكرى، وما حقق المغاربة فيها من نصر عظيم جعل الطغاة يذعنون وهم صاغون لمطالب الشعب المشروعة، ويعود الملك الشهم مظفرا عزيزا يحمل لشعبه البشرى لهي بحق ذكرى تصان في القلوب ليعود أريجها يحيي النفوس كلما حلت على الشعب المغربي، ولذلك فإن كل من تغنى بأمجاد هذا الوطن ينبغي أن يذكرها بافتخار واعتزاز. وقد قلت في قصيدتي «مغرب الأمجاد» إن النصر الذي تحقق في هذه الثورة المباركة كان نتيجة التحام الشعب بالعرش الذي قاده دوما إلى الأمجاد:
فيا وطن الأحرار نلت المنى، فسر
على نهج أسلاف عظام بإحسان
دعوا للمعالي شعبهم، فاستجاب وهـ
ـو راض على الرشد القويم بإيمان
وثورة نصر قادها ملك رأى
كرامة شعب لا تنال بخذلان
فباركها شعب أبي رأى سلا
مة العرش والبلاد عزا لأوطان
فظل على منهج الهمام يسير ثا
بت الخطو يبني كل فضل بإتقان
وبقدر ما ألهمت هذه الذكرى الشعراء المغاربة للتغني بها طيلة هذه العقود، فإنها حركت مشاعر الشعراء غير المغاربة الذين رأوا في الذكرى مثالا للتضحية التي ينبغي أن تقتدي بها الشعوب التي ما زالت تكتوي بظلم المستعمر. ولا تتحرر الشعوب من قيود العبودية والاستغلال والظلم إلا بثورة عارمة تكسر شوكة الطغاة وها هو الشعب العربي الفلسطيني يعانيالقهر والظلم على يد الصهاينة العتاة، والانتفاضة التي أعلنها هذا الشعب الأبي المظلوم هي ثورة مباركة على العدو الصهيوني، ستقود حتما إلى تحرير الشعب من القيود،وتطهير المقدسات من أقدام الهمجية.
ومن الشعراء غير المغاربة الذين تغنوا بهذه الذكرى الشاعر «محمد شفيع» من «جمهورية النيجر»، فقد عدد مناقب ومفاخر المغرب القديمة والحديثة في قصيدة «أنشودة تاريخ المغرب العظيم»، وذكر فيها ثورة الملك والشعب بإجلال وإعظام، وموقف محمد الخامس، (رحمه الله)، البطولي، فقال:
محمدنا لا تنسه إن قدره
على مستوى الأبطال من أعظم القدر
أرادت فرنسا أن تلين قناته
فباءت بخسران تحقق في الفور(13)
وإذا كانت ثورة الملك والشعب قد حققت الأماني، وحطمت تطلعات المستعمر وكل الذين تآمروا معه:
وإذا رؤوس خيانة وتأمر
صرعى تخر كتائبا ووحيدا
وإذا بنصر الله يبسم لامعا
والفتح يشرق كالضحى ممدودا
وإذا بعودتك السعيدة تكتسي
عيدا يتيه على الزمان خلودا
والشعب نال بفضل عزمك حقه
حرية وتوحدا وصمودا(14)
فإن هذا التوحد والصمود ينبغي أن يستمر لمواجهة تحديات الألفية الثالثة. إن المغرب وهو يستحضر هذه الذكرى العظيمة ليس من أجل الفخر والزهو بماض ولى، وإن كان هذا الماضي جزءا من الذاكرة يحق لنا الافتخار به واتخاذه عبرة، وإنما القصد أعمق وأجل، فالذكرى ذات دلالة، والأمم لا قيمة لهاب دون تاريخ وذاكرة وأحداث تحيي العزائم. وشبابنا اليوم وغدا وعلى الدوام مطالب بتدبر دلالة هذه الذكرى العظيمة ليعلم أن الحرية التي ينعم بها الآن قد جلبت بدماء الشهداء، ومن هؤلاء الشهداء من قضى سنوات عديدة في السجون يعذب قبل أن يعدم. هذه التضحية أمانة في أعناق المغاربة – كما عبر عن ذلك المجاهد الأول محمد الخامس، قدس الله روحه- وإرضاء أرواح الشهداء لن يكون إلا بالجهاد الأكبر، جهاد ضد الفقر والجهل والتخلف. وهذا ما يدعو كل فئات الأمة إلى التفكير في تحضير مشروع للنهضة المغربية، مشروع يقوم على أساس المؤسسات والمراكز العلمية التي تعتمد في تخطيطها برامج دقيقة تحقق النهضة الشاملة في جميع المجالات، وأوضاعنا في الظروف الراهنة لم تعد تحتمل البطء والتأخير والتهاون كيفما كان شكله، لاسيما أن المغرب يمتلك الطاقات البشرية والطبيعية مع توفر الإرادة تمكنه من تجاوز كل المعوقات ثقافية أو إدارية؛ وهذه الميادين هي المرآة الصادقة للتعبير عن رقي الشعوب أو تخلفها.



1) دعوة الحق، عدد:330، غشت 1997.
2) دعوة الحق، عدد:338، أكتوبر 1998.
3) دعوة الحق، عدد:316، يناير 1996.
4) دعوة الحق، عدد:327، أبيرل 1997.
5) دعوة الحق، عدد:341، مارس 1999.
6) دعوة الحق، عدد:327، أبريل 1997.
7) دعوة الحق، عدد: 332، دجنبر 1997.
8) دعوة الحق، عدد: 345، يوليوز 1999.
9) دعوة الحق، عدد: 332، دجنبر 1999.
10) دعوة الحق، عدد:345 يوليوز 1991.
11) دعوة الحق، عدد:341 مارس 1999.
12) دعوة الحق، عدد:361 غشت 2001.
13) دعوة الحق، عدد:341 مارس 1999.
14) من قصيدة «ملحمة النضال» للشاعر عبد الواحد أخريف، دعوة الحق عدد:381 أبريل 1996.

المصدر: العدد 369 جمادى 2-رجب 1423/ غشت-شتنبر 2002

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى