يُعد سوق الليدو للكتب المستعملة، المعروف أيضًا بـ”حفرة الليدو”، واحدًا من أعرق المعالم الثقافية في مدينة فاس، حيث شكّل لعقود طويلة قبلةً للمثقفين والطلاب والباحثين عن كنوز المعرفة. كان هذا السوق بمثابة مكتبة مفتوحة تجمع بين رفوفها كتبًا نادرة ومجلدات تاريخية وأعمالًا أدبية وفكرية متنوعة، مما جعله فضاءً فريدًا يعكس روح المدينة العريقة التي لطالما عُرفت بأنها مهد للعلم والمعرفة.
يعاني هذا السوق اليوم من الإهمال والتهديد بالاندثار، خاصة أنه يقع على ضفاف واد فاس، ما يجعله عرضة للفيضانات كما حدث سنة 1990، حيث جرفت المياه العديد من الكتب وأتلفتها. وعلى الرغم من صمود بعض الباعة واستمرارهم في تقديم الكتب لعشاق القراءة بأسعار زهيدة، فإن السوق يواجه تحديات كبيرة في ظل تراجع الإقبال وضعف الاهتمام الرسمي به.
ويتذكّر الكثيرون من روّاد السوق بفخر تلك الأيام التي كانت فيها “حفرة الليدو” تضج بالحياة، حيث كانت تشهد توافد الطلاب من مختلف المناطق، بل وحتى من دول أجنبية مثل يوغوسلافيا والصين واليابان وإفريقيا، الذين كانوا يدرسون في جامعة ظهر المهراز القريبة. كان السوق يوفّر بيئة تعليمية استثنائية، حيث يستطيع الزائر أن يقضي ساعات بين الكتب دون أن يُطلب منه الشراء، بل إن بعض الباعة كانوا يسمحون للطلاب بقراءة الكتب مجانًا، وهو ما جعل المكان ذاكرةً حية للثقافة الشعبية والتعليم الذاتي.
اليوم، يطالب الكثيرون بالحفاظ على هذا المعلم الثقافي وإعادة تأهيله ليصبح مركزًا ثقافيًا حضاريًا يليق بمكانته التاريخية، بدلًا من أن يكون مجرد فضاء عشوائي مهدد بالزوال. فالاهتمام بهذا السوق لا يعني فقط حماية تراث ثقافي مهم، بل هو أيضًا دعم مباشر للكتاب والقراءة في زمن أصبح فيه العالم الرقمي يطغى على الثقافة الورقية.
فهل ستلتفت الجهات المسؤولة إلى هذا الإرث الثقافي العريق قبل أن يُمحى من ذاكرة المدينة؟