
لا بد أن يزدان المغرب بعطر الاعتدال والتسامح، وأن يُبنى على حوارٍ دائم بين الدولة والمواطن، يُرسّخ الثقة، ويُعيد تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم. هذا الاعتدال لن يكون وليد اللحظة، بل هو ثمرة قرون من التراكم الحضاري، تراكم يُضيء دروب التوافق، ويُزيل ألغام التفرقة، ويُعيد بناء الجسور بين المختلفين

حيَّ على تاريخٍ يفوح بعطر المهابة، حيث إمارة المؤمنين ليست مجرد شعار يُرفع، بل تاجٌ على رؤوس الموحدين، وشعلةٌ تضيء دروب الاستقرار. تستظل بها الأمة من شرّ الفتن، وتتدثر بحماها في عواصف السياسة وتقلباتها. وكيف لا، فأمير المؤمنين هو رمز الوحدة الراسخة، ومخزون الشرعية التي لا تتزعزع، حتى في زمن التجاذبات والأزمات التي تلفّ الدنيا بحلقات من عدم التوازن وتنازع المصالح.
في حضرة هذه الصياغة الشرعية، تجلس الأقدار على عرشها، وتُنسج من خيوطها عباءة الوطن، فتجمع أطياف الأمة بكل تعددها، وتستدعي خيرة العقول من رؤساء حكومة الماضي والحاضر وربما المستقبل، ووزراء الداخل والخارج، والمستشارين المقربين لأمير المؤمنين. يجتمعون لا ليُديروا فقط، بل ليُبدعوا، ليضعوا الخطط بعين الحكمة، ويستشعروا نبض الأمة بزمام العقل. يفرزون الأفكار كما يفرز الشاعر حروفه، حتى تتناغم مع أصالة القيم، وتترنم بهوية لا تُستعار.
هذه ليست إدارةً أو حكومةً أو أحزاباً، إنها مدرسة سلطانية تصوغ المصير، وتُحيي الأمل في النفوس، وتغزل من خيوط الحكم نسيجاً ثابتاً لا تهزه الريح. الإصلاح فيه فنٌّ وجودي، يُستنبط من نبض الناس، ومن حكمة التاريخ، ومن خصوصية الجغرافيا. إنه إصلاح يُراكم ولا يُقصي، يُركّب ولا يُجزّئ، يُبدع ولا يُقلّد، يُصغي لنداء الروح قبل أن يستجيب لمتطلبات الواقع.
في هذا الإصلاح، تتلألأ فكرة الحكم الذاتي، لا كحلٍّ سياسي فحسب، بل كرؤية حضارية تؤصّل مبدأ حق تقرير المصير. إنها ثورة في المفاهيم، تُشرق كالشمس في العالم لتمنح الشعوب حقها في الحرية ضمن وحدة وطنية راسخة، وتُشيّد قصراً من الحرية المنظمة، حيث تحافظ فيه الدولة على ركائز الحكم، وتُمنح الأقاليم صلاحيات واسعة للنهوض والتنمية. إنها تجربة مغربية رائدة، إن نجحت، ستُفكك رموز النزاعات في شمال إفريقيا وفي العالم أجمع.
ولكي يتحقق هذا النموذج، لا بد أن يزدان المغرب بعطر الاعتدال والتسامح، وأن يُبنى على حوارٍ دائم بين الدولة والمواطن، يُرسّخ الثقة، ويُعيد تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم. هذا الاعتدال لن يكون وليد اللحظة، بل هو ثمرة قرون من التراكم الحضاري، تراكم يُضيء دروب التوافق، ويُزيل ألغام التفرقة، ويُعيد بناء الجسور بين المختلفين.
لكن، هل تمتلك النخب الجرأة لرفع الصوت فوق السطحية والركود ؟وهل استوعبت اللحظة التاريخية؟ إنها دعوة حارة لتجديد المفاهيم، واستنهاض الهمم، واستنبات أرواح تلمُّ شتات الواقع، لتُصبح مثلاً أعلى في الجدية والابتكار والمواطنة.
هنا، تبرز الحاجة إلى ترسيخ صوت المعتدلين، المجتهدين في دروب الحلول الوسط، ذوي البصيرة الواسعة، الذين يُزيلون ما تتعثر به الدروب من ألغام التطرف والتمزق. إنها لحظة نهضة عقلانية، تُعيد الاعتبار للفكر، وتُعيد بناء النخب على أساس الكفاءة لا الولاء، وعلى أساس المواطنة لا الفئوية.
كل هذا ليكون المغرب ليس مجرد دولة، بل هو محرابٌ للعبقرية، يُبدع في الحلول، ويُراعي الخصوصيات، ويُصغي للروح قبل أن يُجيب على متطلبات السياسة. ولتتجلى العبقرية المغربية، لا في تقليد الآخرين، بل في ابتكار الذات، وفي تحويل التحديات إلى فرص، وفي بناء نموذجٍ يُلهم العالم، لا يُقلده. إنها عبقرية ستُضيء دروب المستقبل إن نجحت، وتُعيد تعريف معنى الدولة، ومعنى الإصلاح، ومعنى الحرية.
العالم كله ينتظر المغرب… فهل سينجح؟



