
تم أمس الأربعاء، افتتاح متحف البطحاء للفنون الإسلامية بفاس، بعد انتهاء أشغال ترميمه التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2019، ضمن مشروع ترميم وتثمين المدينة العتيقة لفاس. ويشكل هذا المتحف، الذي يعد من أقدم وأكبر المتاحف المغربية، إضافة نوعية للمشهد الثقافي المغربي، إذ يعرض مجموعة من المقتنيات التاريخية التي تؤرخ لمختلف الحقب التي مر بها المغرب.
يعود تاريخ هذا المتحف إلى عهد السلطان مولاي الحسن الأول (1873-1894)، الذي شيد القصر ليكون مقرًا لإقامته الصيفية واستقبال الشخصيات البارزة، ثم أكمل السلطان مولاي عبد العزيز بناءه سنة 1897. وفي عهد السلطان مولاي عبد الحفيظ، تم تحويله إلى “دار السلاح” ليضم مجموعة من الأسلحة التاريخية، قبل أن يصدر قرار ملكي سنة 1915 بتحويله إلى متحف للفنون والتقاليد الشعبية. وفي سنة 1924، تم إدراجه ضمن قائمة التراث الوطني المادي، وأصبحت إدارته منذ 2014 تحت إشراف المؤسسة الوطنية للمتاحف.
بمناسبة إعادة افتتاحه، تم تدشين معرض تاريخي يضم مجموعة من القطع الأثرية والشواهد التي تسلط الضوء على تاريخ المغرب من القرن الثامن الميلادي إلى اليوم. ويستعرض المعرض المراحل التاريخية الكبرى التي شهدها المغرب، بدءًا من مرحلة ما قبل الإسلام، مرورًا بتأسيس الدولة الإسلامية بفاس، وتعاقب السلالات الحاكمة، وصولًا إلى الفترة العلوية.
كما يبرز المعرض الدور الذي لعبه المغرب في نقل العلوم والمعرفة خلال العصور الوسطى، حيث تعرض قطع نادرة مثل منبر عدوة الأندلس، وتطور الخط القرآني، وأدوات الكتابة القديمة.
في هذا الإطار أكد رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف، مهدي قطبي، أن هذا المتحف الجديد يعكس قيم التسامح والعيش المشترك التي لطالما ميزت الهوية المغربية، حيث تعايشت الديانات السماوية الثلاث في تناغم ووئام. كما شدد على أن هذا المتحف سيساهم في تعزيز العرض الثقافي والسياحي لمدينة فاس، التي تعد مهد الحضارة المغربية.
حضر افتتاح المتحف شخصيات بارزة، من بينها ألان أسبي وسيرج آروش، الحاصلان على جائزة نوبل للفيزياء، حيث أعربا عن إعجابهما بالمستوى الثقافي والتاريخي الذي يقدمه هذا المتحف. واعتبر سيرج آروش أن المغرب يشكل نموذجًا استثنائيًا في التعايش الثقافي والتسامح الديني، فيما أشاد ألان أسبي بالرؤية الثقافية للمملكة، التي تعكس اهتمامًا عميقًا بحفظ التراث وتقديمه للأجيال القادمة.
من جهته، أوضح رئيس قسم المتاحف، عبد العزيز الإدريسي، أن متحف البطحاء يمتد على مساحة 7500 متر مربع، ويقدم تجربة متحفية غنية، تعرض لأول مرة مقتنيات تاريخية تضاهي أكبر المجموعات المتحفية المتخصصة في الحضارة الإسلامية في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وأشار إلى أن المعرض يسلط الضوء على نمط العيش المغربي وتأثيراته الثقافية المتعددة، موضحًا أن هناك جناحًا مخصصًا لدور فاس في نشر الثقافة المغربية عبر العصور.
كما أكد محافظ المتحف، علاء فشتالي، أن عمليات الترميم تمت مع احترام الأصالة المعمارية لهذا الموروث الثقافي، مما يسمح للزوار بالتجول في فضاء تاريخي يعكس ثراء الحضارة المغربية.
يمثل متحف البطحاء للفنون الإسلامية إضافة نوعية للهوية الثقافية المغربية، إذ يوفر للزوار فرصة فريدة لاكتشاف إرث حضاري غني ومتنوع. ومن خلال مقتنياته الفريدة وتصميمه الأثري المرموق، يعكس المتحف تاريخ المغرب العريق ودوره في صياغة الحضارة الإسلامية، ليصبح بذلك وجهة ثقافية رئيسية لكل زوار مدينة فاس.