شدد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية على دور المرشدين والمرشدات في تبليغ وإرشاد الناس بأسلوب حكيم مستوحى من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، مركزًا على قضايا أساسية مثل التوحيد، التزكية، والعمل الصالح. وذكر الوزير في كلمته بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات يوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2024، بالأولويات الأخلاقية والاجتماعية التي يجب تعزيزها لتحقيق “الحياة الطيبة” التي وعد الله بها، مثل العدل، الإنفاق، وتجنب التبذير.
كما حث التوفيق المرشدين والمرشدات على الاجتهاد في التبليغ، مشيرًا إلى أن الإصلاح يجب أن يبدأ بمحاسبة النفس وتحقيق الالتزام بالتعاليم الدينية، مع التأكيد على أهمية المتابعة الميدانية والتواصل مع الناس لنشر هذا الالتزام في المجتمع بشكل عملي ومستدام.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية التي ألقاها بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات يوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2024 وتابعها عن بعد عامة الأئمة المرشدين والمرشدات وحضوريا طلبة الفوج 20 لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته الأكرمين.
أيها الأئمة لمرشدون، أيتها المرشدات
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
منذ ما يقرب من عام، أطلق المجلس العلمي الأعلى المقاربة أو المبادرة التي سماها “تسديد التبليغ”، وقد شرحت في البيان الذي قدمته أمام أمير المؤمنين، أعزه الله، بمناسبة الاحتفال بعيد المولد أن معنى “التسديد” هو القصد لبلوغ مراد الدين بتصحيح التدين، وسبيل هذا التصحيح هو التحلي بالإيمان المثمر للعمل الصالح. إنه مشروع لتقريب الشقة بين توجيهات الدين في الأخلاق وبين الواقع القائم لسلوك المتدينين.
إن المؤسسة العلمية في بيانها تؤكد على أن المشروع، في جملته وتفصيله، إنما هو رجوع إلى الأصل في المنهج النبوي في التبليغ، لأن النبي صلى عليه وسلم هو المبلغ الأسوة، ويتمثل هذا المنهج في البيان المصحوب بالمتابعة الميدانية من أجل التغيير الفردي والجماعي، تغييرا يدور على التوحيد، بمعنى التحرر من الأنانية بمرجعية الحقيقة الكبرى، وهذه الحقيقة الكبرى هي أن الله الواحد الذي له الخلق والأمر، قد بيّن للناس بالوحي معنى الحياة وكيف ينبغي أن تُعاش.
ويقتضي العمل بهذا المنهج النبوي في تصحيح التدين أمرين اثنين:
أولهما: جمع انتباه المبلَّغين من خلال كل أشكال التبليغ حول شرطي الحياة الطيبة، كما بينهما القرآن الكريم، وهما الإيمان والعمل الصالح؛
وثانيهما: الحرص الميداني، انطلاقا من المساجد، على أن تكون كل الالتزامات بالمقال مصحوبة بالحال المثمرة للعمل، فعندما نقول، مثلا: “الله أكبر”، واحدا وعشرين مرة في صلاة رباعية، فمعناه أن القائل يلتزم بألا يكون شريكا لله في كبره وكبريائه، التزاما بالمقال ينبغي أن يتمثل في حال يتبعها العمل. إن التذكير بهذا الالتزام والحرص على التحقق به، هي مهمة العلماء المستلهمة، كما قلنا، من سيرة النبي المبلغ في حرصه على الناس.
وبهذا الصدد، عملت المؤسسة العلمية على إشراك كل المعنيين بالتبليغ، وهم العلماء والعالمات والخطباء والأئمة والمرشدون والمرشدات والوعاظ والواعظات والمسهمون في الإعلام الديني السمعي البصري، وأعدت هذه المؤسسة الوثائق الأولية اللازمة للبيان والتوجيه، وبدأت تسديد التبليغ من خلال اقتراح خطب الجمعة في موضوع الإيمان، وستليها خطب حول بقية الأركان، ثم خطب حول العمل الصالح.
والمؤسسة العلمية مشتغلة بملاءمة مضمون بقية وجوه التبليغ مع مقاصد التسديد، ولاسيما مع مادة الوعظ في المساجد، ومع مادة التكوين المستمر للأئمة المعروفة ب “ميثاق العلماء”، ومع برنامج التكوين في معهد محمد السادس للأئمة المرشدين والمرشدات، مع إتاحة المتابعة عن بعد، ابتداء من العام المقبل إن شاء الله، للمتخرجين السابقين والمتخرجات السابقات.
أيها المرشدون، أيتها المرشدات،
القصد من تواصلي معكم اليوم هو تذكيركم بهذا الموضوع لأنه أصبح الموضوع الرئيس في الشأن الديني، وبالرغم من وضوحه فلا بد من الزيادة في شرحه وتدقيق مضمونه في أفق إسهامكم وإسهامكن فيه، مرشدين ومرشدات.
لمقاربة هذا التسديد تأصيلان: تأصيل في تشخيص الواقع، ويتمثل في مواجهة حقيقة طالما قل استحضارها من جهة المبلِّغين والمبلّغين على السواء، ألا وهي الشقة الكبرى بين قيم الدين وبين حياة المسلمين، أي سلوكهم، أي التفاوت بين الدين والتدين.
ليس هذا التشخيص الحاصل اليوم والذي يفرض نفسه حكما مرتجلا أو تقديرا ظنيا، بل هو واقع ثابت بعلم الإحصاء الذي لم يكن موجودا ولا ممكنا من قبل، فالإحصاء اليوم يظهر ما في كل بلد من الأمراض الراجعة للانحراف في سلوك الناس، ويبين الإحصاء بالأرقام ما في الناس من أنواع العلات السلوكية، وكلها مؤشرات حياة بعيدة عن الحياة الطيبة، ويبدو الأمر فادحا عندما تبين الإحصائيات في بلدان أخرى التزام الناس بقواعد سلوك من قبيل ما يناسب تصور هذه الحياة الطيبة في عدد من جوانب الحياة، بلدان قد يكون الوازع الدافع أو الرادع فيها صادرا عن اقتناعات أخرى، مدنية أو فلسفية أو دينية، غير إسلامية.
هذا هو التأصيل الأول ويتمثل كما قلنا في تشخيص واقع التدين.
أما التأصيل الثاني فهو استحضار ما جاء في القرآن الكريم من وعد الله بالحياة الطيبة لكل ذكر وأنثى بشرطي الإيمان والعمل الصالح.
إن المفهوم مما ذكر أن حياة الناس بعيدة في مجملها عن هذه الحياة الطيبة، فوجب التساؤل عن السبب.
في ضوء هذين التأصيلين اقتضى المنطق أن ينظر العلماء في مسألة “التبليغ”، لأنها إرث العلماء من النبوة ومسئوليتهم، أن ينظروا إليها كما يجري عبر خطب الجمعة والوعظ والإعلام فيجدوه في الحال الحاضرة قليل التأثير، وفي موضوع التأثير فإن القضية المطروحة هي قضية منهج التبليغ أو أسلوبه أو بيداغوجيته. فإذا كانت البيداغوجية مطلوبة من المعلم فإن الحكمة هي شرط المبلغ، ولها في القرآن تأصيل منه قوله تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” أي بما يناسب المقام والموضوع.
لا يتعلق الأمر بابتداع بيداغوجية من جهة العلماء وإنما يتعلق بالنظر في الأسلوب الذي بلّغ به الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام الدين، وهي منهجية واضحة داخلة في المحجة البيضاء، مبثوثة في القرآن الكريم وفي سنة خير المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومنها مما يجب اقتباسه من جهة ورثته العلماء في التبليغ قوله تعالى: “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”. ويتضمن هذا المنهج القرب من الناس المبلّغين والشفقة والحرص عليهم حتى يرشدوا، أي المتابعة حتى يتحقق التغيير. ولهذا التغيير اسم وارد في ذكر أماناته صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة”. فقوله ” يزكيهم ” يعنى يطهرهم من عبادة هواهم من دون الله، ويمكن تقريب معناه للناس اليوم بالقول “التزكية” هي التحرير أو التحرر من الأنانية.
فالعلماء اليوم لا يمكن أن يدعوا إلى الالتزام بأخلاق الدين دون أن ينبهوا الناس إلى القوة النفسانية التي تمنعهم فرادى وجماعات من هذا الالتزام، ألا وهي الأنانية في درجاتها التي قد تصل إلى العتو والطغيان، فهي مظهر الشح الذي يحول بين الإنسان وبين الفلاح، كما يفهم من قوله تعالى: ” قد أفلح من تزكى” وقوله تعالى: “ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون “.
ولو أن عملية التزكية مقتصرة على الرسول لتعذر التبليغ بعده على أساس ما جاء به، ولكن العلماء، وأنتم في حكمهم، إنما سُموا ورثة في التبليغ لأن في مقدورهم الهداية والإرشاد إلى هذا التغيير على النهج النبوي، لأن الله تعالى يقول: ” ولكم في رسول الله إسوة حسنة “، وهذا يحيل على المطلوب من العالم المبلغ من الحرص على درجات من المثالية، والتزكية بهذا المعنى هي التي عُرف بها في تاريخ الإسلام القوم الذين تسموا ب “الصوفية”، وأمرهم في التاريخ ليس سرا من الأسرارـ فقد دأبوا على تربية الناس بالإرشاد إلى المداومة على الذكر والإكثار منه مصداقا لقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا” وذلك لكي تتحلى بنور الذكر الجوارح، يربون على ذكر يدور على التوحيد، وهم أصحاب أحوال يتجلى فيها استحضار التوحيد، لذلك تجدهم يكثرون من ذكر “لا إله إلا الله” ويلهجون بالاسم “الله”. وهنالك عنصر فاعل في العلاقة بين شيخ التصوف والشخص الذي يتبعه، وهو التعظيم والوقار وحسن الظن والاعتقاد، ورعيا لفائدة ذلك السمت يتعين على كل المبلغين الاجتهاد لتحصيل القدر المطلوب منه، وطريقه بالنسبة للمرشد والمرشدة، ولو على صغر السن بالنسبة للشيوخ، التحلي بالإخلاص والتؤدة والحكمة في القول والعمل، وأقصر طريق إلى ذلك هو إظهار المحبة للناس و الشفقة والحرص على نفعهم، وهذا، كما ذكرنا، من أخلاق النبوة في التبليغ، وهو سمت مخالف تمام المخالفة لما يشاهد من الصراخ والعنف واللغط من فوق بعض المنابر، ولاسيما على وسائل التواصل.
وهكذا فأسلوب العلماء في التبليغ يعتمد التركيز على شرطي الحياة الطيبة، أي الإيمان والعمل الصالح، مع شرح الإيمان على أنه التوحيد المحرر من الهوى، أي من شهوات النفس ومن الأغيار البشرية والمادية، وذلك بالتحلي بالتقوى، أي قوة الالتزام مع استحضار الحقيقة، حقيقة الخلق وحقيقة المخلوق. ثم التركيز على أولويات العمل الصالح وأبرزها:
أولا: الحرص التام على الإنفاق عامة من الكثير ومن القليل، بدءا بالكلمة الطيبة وبذل جهد الإسعاف في الإحسان إلى الفقراء والمساكين؛
ثانيا: الحرص على العدل وعلى تجنب جميع أنواع الظلم، ظلم النفس وظلم الغير؛
ثالثا: أداء حقوق النفس لاسيما في ما يتعلق بالصحة العقلية والنفسية، ودواؤها الذكر والشكر، تشوفا إلى الطمأنينة التي يكفلها إخلاص الدين لله، وفي ما يتعلق بالصحة البدنية يتعين تجنب الإسراف والإرهاق والتهلكات؛
رابعا: أداء حقوق الغير، وأولاها حقوق الوالدين وحقوق الأزواج وحقوق الأولاد؛
خامسا: الحرص على أكل الحلال، ويكون ذلك بالإخلاص في الخدمات المأجورة وفي سائر أنواع المعاملات؛
سادسا: أداء الأمانات والوفاء بالعقود، فهذا الأداء مبعث السلم والمودة والثقة الطمأنينة في المجتمع، ودليل على الالتزام بشروط الإيمان؛
سابعا: تجنب التبذير، لأن الإنفاق في ما زاد عن الحاجة يؤدي إلى خراب النفس والعقل وخراب المجتمع؛
ثامنا: الحرص على المعاشرة بالمعروف بين الأزواج، فهي أساس قيم السلم والمودة والرحمة والفضل والحكمة والجمال والإنسانية في المجتمع؛
تاسعا: تربية الأولاد على المسئولية، فهذه التربية هي أغلى ما يمكن أن يقدمه الوالدان للأولاد، لأنها المدخل إلى معرفة سنن الحياة والتمرس بها؛
عاشرا: الحرص على تطبيق القوانين الجاري بها العمل باعتبارها من المعروف ومن التطبيقات التفصيلية للمقاصد الشرعية؛
حادي عشر: الحرص على المشاركة في الشأن العام وفي كل التدابير التي تعزز أمن الأمة وتدعم العدل فيها وتدخل في التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ومعظمها يدخل في سياسة الأمة؛
ثاني عشر: الحرص على إحياء الجماعة في المسجد على أساس المودة والرحمة والتعاون على الخير؛
ثالث عشر: مراعاة المصلحة العليا للوطن؛
رابع عشر: نصح كل من يظهرون المخالفة للثوابت وكل الجاهلين والغالين والمبطلين بالرجوع عن غيهم، لأن ذلك الغي يدخل في أسباب الفتنة.
أيها المرشدون، أيتها المرشدات،
الذي ينبغي للمبلغين، ومنهم المرشدون والمرشدات، هو إقناع الناس بالالتزام بهذه القيم ومحاسبة النفس على مدى هذا الالتزام، فهذه سبيل تسديد التدين، وما عدا ذلك فهو غفلة وتوهم ومخادعة للنفس بحسب تعبير القرآن الكريم، فهذا الالتزام هو الذي تصدق به صلاة المصلي حتى لا تكون كذبا على الله وعلى النفس وعلى الناس.
أيها المرشدون، أيتها المرشدات،
غايتي من هذا التواصل، كما قلت، هو أن أكرر عليكم شرح خطة التبليغ، والتكرار هنا ليس من نافلة القول، فالأمر مع وضوحه كالشمس في الكتاب والسنة يبدو مغمورا في خضم خطاب ديني يغلب عليه قال وقال، وعامة الناس بل وحتى خاصتهم بحاجة إلى معرفة سبيل النجاة وإن كان شاقا إذا لم تحل في القلوب الهداية، شاقا لأنه عمل مبني على المحاسبة والعطاء. إنها سبيل عظيمة للنفع والانتفاع، لهذا أكرر على المرشدين والمرشدات الدعوة لاغتنام فرصة الانخراط فيها فهما وتفهيما وتنزيلا، ضمن برامج المجالس العلمية، تنزيلا ميدانيا يبدأ من المساجد بالشرح ثم الإقناع ثم بكسب شخص أو شخصين أو عدة أشخاص في كل قرية أو حي، ثم نشر الدعوة معهم على أساس محاسبة النفس وطلب الحياة الطيبة الموعودة من الله بشرطي الإيمان والعمل الصالح، فالمطلوب هو أن يصبح هذا التحقق في الحياة بحال الإيمان والالتزام بالعمل الصالح همّا جماعيا، لا للعلماء والمرشدين والمرشدات وحدهم، بل لمجموع الأفراد من الرجال والنساء والجماعات في المساجد ثم في البيوت ثم في المجتمع كله.
ومن علامات إثماره أن يمر على القرية وعلى الحي عام وقد نقص فيه احتياج الفقراء والمساكين، ونقص فيه الطلاق والشقاق، ونقصت فيه الأمراض المرتبطة بسوء السلوك، وتراجعت فيه المخالفات الجنائية والإلقاء بالنفس إلى التهلكات، ألا يمر العام إلا وقد صار يدور على الألسن الكلام أن من أولويات التدين محاسبة النفس والتخلي عن مظاهر الأنانية.
وحبذا لو انطلق بين القرى والأحياء ما يشبه التنافس على هذا التحقق بسبيل الحياة الطيبة من خلال ثمرات الإيمان والعمل الصالح.
ومن ثمرات هذا الاقتناع من الناحية الفكرية الاستنتاج بأن ليس هناك حياة حرية إلا هذه، وليس هناك من سبيل للسعادة إلا هذه، وأنها سبيل لخير الدنيا قبل الآخرة. لأن الحرية إذا فهمت على أنها مجرد إتاحة اتباع الشهوات تفضي إلى التهلكات، ولأن السعادة إذا فهمت على أنها مجرد الحصول على اللذات تقضي إلى الشقاء لأن اتباع اللذات يفضي إلى نهم الاستهلاك عند من يجد أو إلى العيش بشعور الحرمان بالنسبة لمن لا يجد.
أيها المرشدون، أيتها المرشدات
إن غايتي هي أن تتيقنوا أن مهمتكم بينة ليس فيها تعقيد، ولكنكم ستستأنسون ولا شك بعدد من الوثائق وضعت أو ستوضع قريبا رهن إشارتكم، ومنها الوثيقة التي عنوانها “مذكرات الإرشاد”. على أنكم بالإخلاص ستكتسبون الحكمة في التعامل مع مختلف البيئات والمواقف في السياق الحاضر، وهذه الحكمة تدخل في قوله تعالى: “واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم”. ويمكن للمجلس العلمي الأعلى أن يقترح عليكم منهجا تتبادلون به الخبرة الميدانية وتصفون فيه ثمرات تبليغكم اليومي الذي يتعين أن يدور أساسا على ثلاثة أمور أكررها عن قصد هي:
أولا: التذكير بأن الله وعد بالحياة الطيبة بشرطي الإيمان والحياة الطيبة؛
ثانيا: توعية الناس بأن بُعد حياتهم عن الحياة الطيبة مرده نقص في تدينهم إما من جهة الإيمان أو من جهة العمل الصالح أو من جهتيهما معا؛
ثالثا: أن تغيير السلوك لاستدراك هذا النقص يبدأ باستحضار مراد الله من الناس وهو خيرهم وإحسانهم لأنفسهم، ومتى استيقنوا ذلك حاسبوا أنفسهم على الطاعة وعلى المخالفة، ومن أجل تجديد هذا الالتزام فرض الله تعالى الصلاة خمس مرات في اليوم.
أيها المرشدون، أيتها المرشدات
حيث إن كل مؤمن بالله هو مؤمن بصادق وعده بأن الحياة الطيبة محققة بالتأكيد لكل من آمن وعمل صالحا، وحيث إن بيان الإيمان وبيان العمل الصالح هو شأن المبلغين، وحيث إنكم وإنكن طرف نفيس في هذا التبليغ، وحيث إن الحياة الطيبة هي مطمح كل من على الأرض، وحيث إن الإسلام قد أوضح أن هذا المطمح رهين بأمرين أساسيين، الشكر المرادف للإيمان، والعطاء المرادف للعمل الصالح، فإنه بذلك وبذلك وحده تكون للإسلام أمة شاهدة على الناس، وهذا أمر محقق الإمكان في ضوء الوعد المذكور، فهو مشروع تسديد للإنسانية جمعاء، لأن كل ويلات الإنسانية متأصلة في الشح والطغيان، أي في ما يصادم الشكر والعطاء، والناس على ثلاثة أصناف، صنف يشعر فهو يجتهد، وصنف لا يشعر يجب على المبلغين أن يشخصوا له الداء ويصفوا له الدواء، وصنف لا يفيد فيه التذكير، ويدخل في من ورد فيهم “وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها”، والصواب هو حسن الظن بالله وبعباد الله، ولا يليق بمن أتيحت له فرصة الإسهام في هذا التبليغ والبيان أن يشك أو يرتكس أو يغش أهله، وبصدد ذكر الغش أريد أن أفتح قوسا قصيرا لأقول:
(إنكم دخلتم تكوين المرشدين والمرشدات على أساس معلومات اجتزتم بها الامتحان، ولا شيء من هذا يدل على الصلاح ولا على الاستعداد للإصلاح، فقد أحسنا بكم الظن لأن يكون الله حسيبنا وحسيبكم، ونحمد الله على أن الجل جاءوا وفق ظننا الحسن، وقد سبق لي أن قلت إن واجبنا أن نحمي هذا الجسم، جسم المرشدين والمرشدات من الأمراض وأنواع الزلل الناجمة عن استقطابات خارجية أو أهواء نفسية لا تناسب مهمة الإصلاح المرجوة من هذا الجسم، وسنظل نعهد للبعض بمهمات إضافية في الشأن الديني بمعايير موضوعية، وهو تكليف يفترض أن يكون مبعث اعتزاز لهذا الجسم . وعسى أن يكون في فرصة التعبئة في إطار ” تسديد التبليغ ” شفاء للمعتلين، وعددهم على كل حال أقل بكثير من عشر المجموع، ولكننا نكره أن يضل أو يضيع أحد من رجالكم أو نسائكم، فبيننا وبينكم ميثاق، ميثاق تسامته من جهتنا شفقة من أن يجري على أحد حكمه تعالى: . “إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون”.
أسد هذا القوس لأستأنف وأقول:
أيها لأئمة المرشدون، أيتها المرشدات،
هل تصدقون أنكم إذا نجحتم في هذا المسعى التبليغي وجاءت ثمرته ولو بخمسة بالمائة في العام سيتحدث عنكم الناس شرقا وغربا كما يتحدثون اليوم عن الوقائع الكبرى في العالم؟ سيتحدثون عنكم إذا نقصت بإرشادكم الحوادث والجرائم والتهلكات والأمراض وأنواع الشقاق والتبذير في المعيشة.
وفي ما عدا ذلك فإن الأمة ستظل على حالها من تباعد الشقة بين الدين والتدين، وحيث إنها تريد الخلاص ولا تفقه سبيله فهو معرضة للدعوات المغرضة أو الساذجة أو الجاهلة، وستظل تنتظر مبلغين ربانيين يحبهم الناس ويسمعون لهم، فكونوا منهم الآن وضعوا أمام أعينكم الحديث الذي رواه البخاري والذي جاء فيه ” فو الله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمْر النَّعَم “.
وكلما أصبح النهار على أحدكم أو إحداكن فالحري به أو بها أن يتمنى أن تتمنى أن يهدي الله به رجلا أو امرأة، وكلما جلس لموعظة تمنى أو تمنت أن يكون في المجلس من يستجيب ليبدأ معه طريق الهداية أي اليقظة من الغفلة ومحاسبة النفس والاجتهاد ليصير تدينه وفي مقدمته صلاته مثمرا للتقوى أي قوة الإرادة والتحكم في النفس حتى يقترب تدينه كل يوم من هدي الدين، اعملوا على هذا المنطلق ولا تتركوا اليأس يتسرب إلى نفوسكم بسبب ما عليه بعض الناس من الإعراض والركون إلى ظاهر بعض العبادات أو التصورات أو الانتماءات.
فالأمر الموكول إليكم هو سبيل الإصلاح في الدين والدنيا، ولا يفتن في عزمكم ما قد تلقونه من المستهزئين، واعذروا الناس إذا كانوا لا يعلمون، لاسيما إذا حسبوا أنهم يعلمون، واقرأوا القرآن لتروا قصة الدعوة كما باشرها المبلغ الأول، عليه الصلاة والسلام، وهو مؤيد من ربه، هذا ما أحببت أن أذكركم به، فأنتم في الميدان وعليكم مسئولية تذكير الناس، وابدأوا بأنفسكم في كل وصف خيِّر، فإذا فعلتم فمن عدل الله وفضله أن يستجيب لكم. وفقكم الله وسدد خطاكم.