تراثناslider

المتحف اليهودي المغربي: ذاكرة حية للتعايش والتعددية

يقع المتحف اليهودي المغربي في حي الوازيس بمدينة الدار البيضاء، وهو مؤسسة فريدة من نوعها على المستوى العربي والإسلامي، إذ يعد المتحف الوحيد الذي يقدم اليهودية كمكون أساسي في الحضارة المغربية. تأسس المتحف سنة 1997 من طرف مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، بدعم من مجلس الجماعات اليهودية في المغرب وعدد من الشخصيات البارزة مثل سيرج بيرديغو، الأمين العام لمجلس الجماعات اليهودية وجاك طوليدانو، مدير المتحف، بالإضافة إلى شمعون ليفي، المدير السابق للمتحف، وبوريس طوليدانو، الأمين العام السابق للمجلس.

كانت بناية المتحف في الأصل دارًا للأيتام اليهود، أسستها السيدة سيليا بنجيو سنة 1948 تخليدًا لذكرى زوجها مردوخ بنجيو، إلا أن هجرات اليهود خارج المغرب أدت إلى بقائها شاغرة. وفي منتصف التسعينيات، تم ترميمها وإعادة تهيئتها من قِبل المهندس إيمي كاكون، ثم تم تحويلها إلى متحف للحفاظ على التراث اليهودي المغربي والتعريف به. وتبلغ مساحة المتحف 700 متر مربع، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: ثقافي واجتماعي وديني.

يضم المتحف العديد من المقتنيات التي تعكس حياة اليهود المغاربة وعاداتهم وتقاليدهم. فالقسم الأول يحتوي على قاعة مركزية مخصصة للمعارض المؤقتة، تضم لوحات فنية وصور فوتوغرافية توثق الحياة اليهودية في المغرب. أما القسم الثاني، فهو مخصص لعرض مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية للطائفة اليهودية المغربية، حيث يمكن للزائر مشاهدة مجموعة من الملابس التقليدية، مثل القفطان المغربي الذي كان مشتركًا بين النساء اليهوديات والمسلمات، والجلباب الحاخامي، إلى جانب الحلي والمجوهرات القديمة، والقلائد والمباخر، والمشاعل وأثاث المضافات. كما تُعرض أدوات تقليدية كانت تُستخدم في الحياة اليومية مثل حقائب جلدية، كؤوس نحاسية، وساعات خشبية قديمة.

القسم الثالث من المتحف مخصص للشعائر الدينية، حيث يعرض أشكالًا مختلفة من المعابد اليهودية المغربية (البيعات)، والتي تتنوع بين الطراز الأمازيغي، الأوروبي، والمعمار المغربي التقليدي كما يظهر في معابد مدن فاس ومكناس والرباط. إضافة إلى ذلك، يمكن للزائر الاطلاع على مجموعة من أسفار التوراة المكتوبة في المغرب، وصور فوتوغرافية لمواقع أثرية يهودية، مثل الملاحات (الأحياء اليهودية)، والمقابر التي تتوزع في مختلف أنحاء البلاد وتضم أكثر من 625 ضريحًا، من بينها أضرحة الحاخامات الذين يعتبرهم اليهود “أولياء” مقدسين.

لا يقتصر دور المتحف على العرض فقط، بل يمتد إلى تنظيم أنشطة ثقافية تهدف إلى نشر الوعي بالتراث اليهودي المغربي. فالمتحف يستقبل زواره يوميًا لتقديم صورة متكاملة عن التعايش بين المسلمين واليهود في المغرب، كما ينظم لقاءات لمناقشة كتب وإصدارات تخص اليهود المغاربة، وعروض أفلام وثائقية حول تاريخ يهود المغرب. كما يحرص المتحف على إقامة معارض متنقلة في المدارس والجامعات المغربية لتعريف الأجيال الجديدة بجزء من تاريخهم المشترك.

وعلى الصعيد الدولي، ينظم المتحف أيامًا ثقافية في دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وألمانيا، مساهمًا بذلك في تعزيز الدبلوماسية الثقافية المغربية.

يشمل المتحف أيضًا معروضات سمعية تضم تسجيلات لموسيقيين يهود مغاربة أثروا الموسيقى المغربية بمساهماتهم، حيث تردد الأجواق المغربية أغاني يهودية باللهجة المغربية، ما يبرز التداخل الثقافي العميق بين المكونين الإسلامي واليهودي في المغرب. كما يحتفي المتحف بتقاليد مغربية مشتركة مثل الاحتفال بعيد “ميمونة“، الذي يحضره المسلمون واليهود على حد سواء.

ما يميز المتحف أيضًا أن إدارته عهدت إلى السيدة زهور رحيحل، الباحثة المسلمة المتخصصة في التراث اليهودي المغربي، والتي تشغل منصب محافظة المتحف منذ سنة 2002. ويعد هذا التعيين استثناءً في العالم العربي، حيث نادرًا ما يتولى غير اليهود إدارة متاحف يهودية. زهور رحيحل كرست حياتها لدراسة التاريخ المحلي لليهود المغاربة، وأعدت أبحاثًا أكاديمية في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى