من تاريخناslider

جمهورية أبي رقراق

ولقد وصف قبطان انجليزي يدعى «جون سميث» في رحلة له عن المغرب، ما كانت تعانيه السفن الإنجليزية من قراصنة أبي رقراق، حتى لقد كان لكثير من العائلات الإنجليزية أقارب وأصدقاء في الأسر لدى هؤلاء. وكانت تقام صلوات عمومية من أجلهم، وتلقى الخطب استدرارا للعطف عليهم.

المؤرخ ابراهيم حركات


هجرة الموريسكيين

منذ دخلت إمارة غرناطة تحت الحكم الإسباني سنة 898 في أوائل عهد الوطاسيين، استمر المسلمون يؤدون طقوسهم الدينية في نفس المكان، مع شيء من الحرية. على أن عددًا منهم كانوا يعيشون في كنف الممالك الإسبانية منذ عهد المرابطين. وكان الإسبانيون يسمونهم يومئذ بالمدجنين الذين كانوا أرقى حضارة من المسيحيين. أما إمارة غرناطة، فقد أطلق الإسبانيون على مسلميها اسم المورسكيين ثم أصبحوا يطلقونه على كل مسلمي إسبانيا.

إلا أن الموريسكيين لم ينعموا طويلا بالحرية الدينية التي خولتها لهم شروط تسليم غرناطة. فقد عرف القرن السادس عشر الميلادي أفظع مظاهر الاضطهاد الديني، ليس فحسب في اسبانيا بل حتى في معظم البلاد المسيحية التي تطور التناحر فيها بين الكاثوليكية والبروتستانية إلى حد أن امتدت الحروب في بعها نحو أربعين سنة.

وأخيرا، كان التحمس للكاثوليكية يكتسي طابع التعصب المفرط في البلاد الاسبانية التي قرر ملكها فيليب الثاني أن يشهر الحرب ضد جميع الأمم التي لا تتمذهب الكاثوليكية، وأحرق من أجل ذلك في اسبانيا حوالي عشرة آلاف شخص في مدة ثمان عشر سنة، وأحدث محاكم التفتيش التي كان ضحيتها المسلمون أيضا، فقد اتهموا بالتآمر على الدولة، وألزموا بالدخول قهرا في المسيحية.

وفي غمرة هذا القمع، كان معظمهم يحتفظ بتقاليده ودينه الذي يضطر إلى ممارسة شعائره خفية، على الرغم من أنهم قد تركوا مكرهين اللغة العربية التي احتفظوا منها بالخط، وكانوا يكتبون به الاسبانية أو اللهجة العامية.

ففي سنة 1568م أمر أسقف غرناطة، أن يلزم أبناء المسلمين، ابتداء من الخامسة من عمرهم، إلى سن الخامسة عشرة، بتعلم اللغة الاسبانية، وتلقي تعاليم الديانة المسيحية. وظلوا مع هذا، متمسكين بحبهم لوطنهم بشكل غريب حتى أنهم حاولوا بعد أن أهينوا في أنفسهم ودينهم وأموالهم، أن يشهروا الحرب على النصارى فتكتلوا تحت زعامة محمد بن أمية الذي يحتمل أن يكون من سلالة أمويي الأندلس وكانت ثورتهم بضواحي غرناطة بجبل البوشرات،

ولكن حب الرئاسة أهمة أحدهم، وهو المدعو ابن عبو، الذي اغتال ابن أمية، ليتفرد بزعامة المسلمين. ومن ثم أصبحوا أكثر تعرضا للاضطهاد الديني والسياسي، خصوصا بعد أن استغاثوا بالأتراك قلم ينجدوهم، وكانوا هم أنفسهم في حرب مع الاسبان في حوض البحر المتوسط. وهكذا أرغموا على مغادرة الأندلس في هجرات متعاقبة فيما بين 1609 و1614، وكان معهم عدد كبير من اليهود.

وقد تقاطر الموريسكيون على عدد من الأقطار الإسلامية بما فيها مصر والشام وتركيا. ولكن إفريقيا الشمالية استقبلت أكبر عدد منهم، وخصوصا النواحي الشمالية من المغرب وتونس. وقد تعرض كثير منهم للنهب وسبي بناتهم من طرف الأعراب، قبل أن يتمكنوا من الاستقرار نهائيا بالمراكز التي اختاروها. وقد توجهت فئة منهم إلى تطوان التي كان بها جالية أندلسية قدمت في عهد الوطاسيين وباشرت نشاط القرصنة منذ مطلع القرن العاشر. وكانت تطوان توجه حملاتها في نفس الوقت إلى البرتغال المحاورين لها بسبتة وطنجة وأصيلا.

أما أهم مركز استقر به الموريسكيون، فهو الرباط وسلا، حيث قاموا بنشاط عظيم في غزو البواخر الأجنبية والاستيلاء عليها.

وكان المغارة يطلقون على جميع المسلمين واليهود القادمين من الأندلس، نسبة الأندلسيين. وعلى أي حال، فإن الموريسكيين كانوا على جانب عظيم من الحضارة، وكانوا متفوقين في الميدان العسكري والعمراني. وقد قدموا إلى المغرب وغيره من الأقطار الإسلامية يحملون شعورا مزدوجا بالحنين إلى وطنهم الأصلي، مع التمسك بدينهم وتقاليدهم وكان اختلاف الأوضاع الاجتماعية عما ألفوه في اسبانيا يحدو بهم إلى حب الانعزال والتكتل وكراهة الخضوع لغيرهم. وكانت لهم مهارة خاصة في الفلاحة والصناعة، وبفضلهم، نمت حاصلات اسبانيا الزراعية، ومنتجاتها الصناعية من ثياب وأوان وزجاج وزيت وغير ذلك مما كانت هذه البلاد تصدره إلى الخارج، حتى أن اسبانيا بعد طردها للموريسكيين قد تأخرت كثيرا في زراعتها وصناعتها، ولولا الذهب الذي درته عليه أمريكا لازدادت انحطاطا. ومهما يكن من شيء، فقد استمرت في تقهقر ملحوظ إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث لم تنهض من سباتها إلا بفضل الموارد التي جنتها من حركة الساحة كما هو معلوم.

وقد استخدم الملوك السعديون كثيرا من الموريسكيين في الجيوش المحاربة في السودان والمغرب، على الرغم من أنهم لم يقيموا على إخلاص دائم للدولة.

نشأة جمهورية أبي رقراق

كان القادمون من الموريسكيين إلى البلاد الإسلامية :
1) من بلنسية وهم أول من قرر في حقهم الطرد سنة 1609.
2) من قشتالة، واسترامادور. وكان من القادمين إلى المغرب من هذه الناحية الأخيرة موجة وردت من حرناشو Hornacho وهي مدينة صغيرة في الجنوب الشرقي لماردة. وكانوا يزورون العملة الاسبانية وغيرها. ولما خشوا من معاقبة محاكم مدريد، هاجروا طواعية إلى الرباط فاستقروا به أواخر سنة 1018 (1609م) – 3 من أرغون وجنوب الأندلس سنة 1019 (1610م) -4) من قطلونيا سنة 1020 (1611م) -5) من مرسية 1023 (1614م).

وقد استقر الحرناشيون بقصبة الأودارية، وانضموا بذلك إلى الجالية الأندلسية التي هاجرت إليها من قبل، ثم استقدموا موريسكيين آخرين من مختلف نواحي المغرب، وعمروا مدينة الرباط كما استقر عدد منهم بسلا.

وكان الحرناشيون ذوي ثروة ضخمة، ومهارة في استعمال الأسلحة النارية، مما جعل زيدان ابن المنصور، يجند منهم حوالي أربعمائة، لمحاربة أبي حسون في ناحية درعة. وبما أنه أبطأ في أداء رواتبهم، فقد فروا من الجيش عائدين إلى الرباط وسلا. وقد بدأوا يباشرون القرصنة في المحيط الأطلسي بمرد استقرارهم، ويقدمون عشر مواردهم إلى السلطان زيدان الذي اعترف لهم بهذه الطريقة، بمباشرة القرصنة، ولكن عدم مساعدتهم به عسكرياـ جعلته يلجأ إلى تسليك أبي عبد الله العياشي عليهم.

وفيما يخص طريقة الحكم بالرباط، فقد كان الأندلسيون قبل قدوم الحرناشيين يقبلون سلطة القائد الذي تعنيه الدولة، دون أن تكون له سلطة حقيقية عليهم، ثم طردوا القائد، واختلف الحرناشيون سكان القصبة مع سكان سلا. وكونوا في الأخير مجلسا للحكم، نصف أعضائه من الرباط والنصف الآخر من سلا، بعد أن كان الحرناشيون مستبدين وحدهم بالحكم. وهكذا تشكلت جمهورية حقيقية بحوض أبي رقراق، ابتداء من سنة 1614م (1023هـ).

على أن الحديث عن التطور السياسي لهذه الجمهورية غير ممكن، إلا بالحديث عن شخصية العياشي ودوره، بالإضافة إلى تدخل الدلائيين.

شخصية العياشي
محمد بن أحمد المالكي الزياني المعروف بالعياشي، ينتمي إلى بني مالك بن زغبة من قبائل بني هلال التي استوطنت الغرب. وهو تلميذ الولي عبد الله بن حسون أحد صلحاء سلا. وفي سنة 1013 بعيد وفاة المنصور السعدي، استقر بناحية آزمور، حيث شاع هناك فضله ورغبته في الجهاد حتى ولاه زيدان قيادة آزمور وناحيتها بناء على طلب السكان.

وهناك تصدى لحرب البرتغال الذين كانوا يقيمون بالجديدة فوفق في الحصول على غنائم كثيرة في حروبه معهم، كما كان يبعث بالأسرى منهم، إلى زيدان السعدي، ولكن حاشية السوء، أو عزت إلى السلطان بالقضاء عليه، حتى لا يتسع نفوذه، فبعث بأربعمائة فارس لمحاربته، بقيادة محمد السنوسي، ولكن القائد أشفق عليه، فأشار عليه بالإفلات، وحينئذ انسحب العياشي إلى سلا من جديد، فاجتمع عليه سكانها، وحثوه على أن يقود حركة الجهاد ضد البرتغال الذين كانوا يحتلون المعمورة، ويجراون على التحرك بناحية الغرب حتى وادي المخازن، كما كانوا ينبثون بالغابة المجاورة، يقتطعون خشبها ويستصلحونه لحاجياتهم كصناعة السفن وغير ذلك.

ووفق في حملته الأولى إلى أن يقتل منهم عددا كبيرا، فلم يجرأوا على مغادرة المعمورة، وحينئذ، أمر زيدان قائده الزعروري بالقبض على العياشي، ولكن الزعروري لم يجعل بذلك، بل أطلق عليه الجواسيس لتتبع حركاته ومعرفة نواياه. وأثناء ذلك جرى نزاع بين الجالية الأندلسية وقائد سلا، حيث رفض هؤلاء المشاركة في حملة جديدة وجهت إلى درعة، ونهبوا دار القائد، ثم قتلوا خلفه عجيبا. أما العياشي، فقد انسحب إلى داره ملازما للصمت، فتواردت عليه الشكايات من التجار والمسافرين الذي صاروا عرضة للنهب.

وكانت سلا قد أصبحت بدون وال، فطلب منهم العياشي ومن رؤساء القبائل الوافدين أن يوقعوا له ميثاقا يلتزمون بموجبه، بمساعدته وترشيحه عن كواعية لتدبير شؤونهم. وهكذا ضمن العياشي لنفسه وجودا قانونيا كحاكم سياسي وإداري يمتد نفوذه من تامسنا إلى تازا، ثم هاجم البرتغال بالمعمورة، كما هاجمهم بالعرائش والجديدة وطنجة.

العياشي يحارب القراصنة
ومعظم حملاته، كان يساعده فيها قبائل العرب. أما الموريسكيون فقد عملوا في أغلب الأحيان لحسابهم في عرض البحر، حتى تفاقم خطرهم على السفن الأجنبية، واضطر القبطان الإنجليزي ماين وأرين، إلى أن يفاوضهم في فداء كل أسرى المسيحيين. وكانوا يبلغون في تحركاتهم شواطئ اسبانيا ويحملون العلام الاسبانية فيخدعون السفن التي تصادفهم .

وكانوا يعطون عشر مواردهم وأسراهم إلى السلطان زيدان الذي كان معجبا بنشاطهم، حتى لقد فكر أن يعهد إلى أحدهم، وهو يوسف بسكاينو، بقيادة تافيلالت أو السودان، ثم رغب أن يستفيد من مواهبهم العسكرية، فجند منهم كما تقدم حوالي أربعمائة لمحاربة أبي حسون، ولكنهم رفضوا التجنيد في حملة ثانية، وعمدوا إلا قائد سلا فقتلوه سنة 1034 (1624م)، حتى إذا أصبحوا سادة البلد، طردوا سكانه الأصليين، وكونوا مجلسا سموه بالديوان، وعينوا حاكما ينتخب لمدة سنة. وكانت انجلترا أول من اعترف بالجمهورية الجديدة، مما جعلهم يحررون أزيد من 190 أسير انجليزي. وكان دور الحرناشيين كما سلف، بارزا في نشاط هذه الجمهورية. وقد رحب العياشي بثورتهم على السلطان زيدان، بينما ساعدوه من جهتهم، على مهاجمة الاسبان مدة، ثم ملوا مواصلة الحرب إلى جانبه، واختاروا البقاء مستقلين.

وفي سنة 1039 (1630م) توصل الحرناشيون والأندلسيون إلى اتفاق يقضي بأن يقطن القائد المنتخب القصبة، وأن ينتخب كل من الطريفين نصف أعضاء الديوان، على أن يجتمعوا كافة بالقصبة.

وأثناء مهاجمة العياشي للمعمورة، تأكد له أن الموريسكيين لم يكونوا متحمسين لمحاربة النصارى، وأنهم على العكس من ذلك، كانوا يبطلون خططه، ويقدمون إليهم المؤونة، حتى استصدر فتوى بجواز قتالهم، بعد أن لاحظ خيانتهم. وكان ممن أفتى بذلك، الشيخ العربي الفاسي والشيخ عبد الواحد بن عاشر، الذي لمس عن كثب موقفهم. وهكذا اضطر إلى أن يعلن عليهم الحرب خصوصا بعد أن رفضوا أن يمدوه ببعض المدافع، لمهاجمة المعمورة. وحينئذ، اقتحم سلا القديمة سنة 1040 (1613م)، وبقي يحرس الميناء، بينما استقر ولده بشالة، دون أن يكون لتدخله نتائج إيجابية. على أنهم فضلوا الخضوع لسلطة الوليد بن زيدان الذي كان هو نفسه من أم اسبانية، ولكن حصار العياشي للموريسكيين لم يزدهم إلا عنادا، وقد أمدهم الاسبان بالمؤن مما جعل العياشي يخفف من ضغطه عليهم شيئا فشيئا، بينما كان يعمل على استرجاع ثغور أخرى.

وفي سنة 1045 (1636) حدث نزاع بين الحرناشيين والأندلسيين الذين طردوا هؤلاء من القصبة، فالتجأوا عندئذ إلى العياشي، ولكنه كان مشغولا في جهات أخرى، مما جعل حاكم سلا الجديدة ينتهز الفرصة للاستيلاء على سلا القديمة. وأثناء ذلك قدمت بواخر انجليزية لحصار القراصنة، بعث بها ملك انجلترا شارل الأول، لفك عدد من أسرى بلاده، ثم زحف محمد الشيخ الصغير في نفس السنة المذكورة متجها نحو الرباط وسلا.

أما العياشي فقد اكتفى بتخريب نواحيهما، واعترض جيوش السلطان التي لم تتمكن من تجاوز فضالة. وفي سنة 1046 (1637) انقسم قراصنة أبي رقراق إلى ثلاث فرق، أحدهما مستقلة بزعامة القصري، والثانية تناصر السلطان، والثالثة تناصر العياشي. وأخيرا، اعترف القراصنة جميعا بسيادة السلطان الذي عفا عن القصري ورده إلى قيادته. أما العياشي فقد اشتبك في حروب مع نصارى الجديدة، وقتل حاكمهم في إحدى المعارك سنة 1640، ثم عاد إلى محاربة الموريسكيين الذين التجأوا إلى الاستنجاد بالدلائيين.

وبعد محاولات سليمة قام بها الدلائيون لإقناع العياشي بالعدول عن قتالهم، اشتبكوا معه في حروب متواصلة، إلى أن هزموه بأزغار، فالتجأ إلى الخلط الذين اغتالوه سنة 1051 (1641) واصبحت سلا والرباط تحت سلطة الدلائيين إلى أن خضعتا للدولة العلوية، ومع ذلك فقد استمر الموريسكيون يباشرون القرصنة إلى أواسط القرن التاسع عشر.

ولقد باشر الأندلسيون القرصنة في مراكز أخرى غير أبي رقراق، ولاسيما أهل تطوان الذين كانت لهم علاقات دبلوماسية وتجارية مع عدة دول أجنبية إلا أن القضاء على حكم أولاد المنظري ثم أولاد النقسيس لم يمكنهم من الاستمرار في نشاط القرصنة على غرار أندلسي أبي رقراق الذين كونوا رأس مال القرصنة، بفضل الثروات الطائلة التي قدموا بها من اسبانيا.

قوة القراصنة البحرية
لم تكن لدى قراصنة أبي رقراق فيما ترويه بعض الوثائق أكثر من أربع بواخر سنة 1026 (1617) ثم أصبحت في سنة 1036 (1626) تبلغ الستين. وقد اقترح قائد أسطول فرنسي على ريشيليو وزير فرنسا المشهور، أن يسمح بإغراق باخرة فرنسية في حوض ميناء أي رقراق، حتى يضطر السلطان إلى عقد اتفاق مع فرنسا، من شأنه أن يوقف القرصنة الموريسكية التي كانت حسب هذا القائد، تستولي على أكبر عدد من البواخر الفرنسية، بالقياس إلى مراكز القرصنة الأخرى. وهكذا يضطر القراصنة إلى تحرير الأسرى الفرنسيين. وعلى الرغم من أن الأسطول الفرنسي طبق هذه الخطة فعلا، فإنها لم تؤد إلى نتيجة.
ثم نزل عدد البواخر الأندلسية إلى 22 سنة 1044 (1635)، وإلى عشرين سنة 1058 (1647) وكانت بواخر تجلب في الغالب من أروبا، كما كانوا يصنعون عددا منها بمساعدة الهولنديين في عين المكان وكانوا يصلون في مغامراتهم إلى الشواطئ الانجليزية، ويهاجمون السفن الأجنبية على غرة لأنها تأمن جانبهم حيث كانوا يرفعون الأعلام الاسبانية أيهما.

علاقة القراصنة بالنصارى

كان للقراصنة علاقة دبلوماسية مع كل من هولندا وفرنسا وانجلترا، وقد كان لليهود دور في السمسرة التجارية بين القراصنة وهولندا، وكان القراصنة يضايقون أشد المضايقة، سائر المراكب التي تخرج للصيد في عرض المحيط الأطلسي، حتى أن فرنسا فكرت في عهد لويس الثالث عشر، أن تضمن سلامة صيدها بحراسة قوية كل سنة، لتمنع خروج القراصنة من سلا أيام الصيد، إلا أنها لم تستطع تحقيق هذه الخطة، إذ اضطرت إلى عقد اتفاق في عهد لويس الثالث عشر سنة 1038 (1629) و1039 (1630)، يقضي بإرجاع كل باخرة احتجزها أحد الطرفين من الآخر، وأن تفتح موانئ كل من الفريقين، لتجارة الطرف الآخر، وبسمح باستقرار قنصل فرسي بالرباط، ولا يباع الأسرى الفرنسيون بسلا.

وفي سنة 1626 قدم مبعوث عن البلاط الإنجليزي، واسمه جون هاريسن، بقصد الاتصال بقراصنة أبي رقراق حول القيام بهجوم مشترك ضد اسبانيا. وكان ملك انجلترا في ذلك الوقت، هو جاك الأول. وكان ضمن شروط الاتفاقية، تحرير الأسرى الانجليز، وتسليم أربعة عشر مدفعا مع ذخيرة إلى القراصنة، وقد عاد المبعوث في السنة الموالية، يقدم ستة مدافع مع كمية من الذخيرة، ولكن قضية الحلف ضد اسبانيا لم تقبلها الحكومة البريطانية التي لم ترتح إذ ذاك لمساعدة القراصنة، الذين كانوا قد قطعوا علاقتهم مع السلطان زيدان وحينئذ، تم تحرير أسرى الإنجليز، بعد أن توصلت جمهوري أبي رقراق في مقابل ذلك بالأسلحة المتفق عليها.

وفي عاشر ماي 1036 (1627) تم الاتفاق بين الجمهورية وجون هاريس على أن تفتح كل من موانئ الطرفين لترويج بضائع الطرف الآخر، مع عدم التعرض لسفن أي منهما والتزام انجلترا بتحرير جميع الأسارى الموريسكيين بمملكتها، وتعهد جمهورية أبي رقراق بمساعدة انجلترا حربيا على أعدائها. وكان الذي أمضى الاتفاق عن الجمهورية «إبراهيم بركاش»، ومحمد باركو. غير أن شارل الأول رفض توقيع الاتفاق، ولم يمض قليل حتى استولت السفن الإنجليزية على باهرة للقرصنة، ورد الموريسكيون، بالاستيلاء على عدد من البواخر الإنجليزية وعلى الرغم من أن «جون هاريسن» عاد إلى المغرب يؤكد باسم ملكه، أنه يثبرا من مسؤولية تصرفات السفن الإنجليزية التي استولت على الباخرة الجمهورية، فإن القراصنة قد اشتد غضبهم على المبعوث، حتى رفضوا أن يسمحوا له بالنزول من باخرته. وقد قضى «جون هاريسن» ست سنوات في التردد بين أبي رقراق وبلاده بين (1626-1631) حتى يعمل على تحسين العلاقات بين الجانبين ولكنه لم يوفق إلى ذاك كثيرا.

ولقد وصف قبطان انجليزي يدعى «جون سميث» في رحلة له عن المغرب، ما كانت تعانيه السفن الإنجليزية من قراصنة أبي رقراق، حتى لقد كان لكثير من العائلات الإنجليزية أقارب وأصدقاء في الأسر لدى هؤلاء. وكانت تقام صلوات عمومية من أجلهم، وتلقى الخطب استدرارا للعطف عليهم.

وقد كانت القرصنة في هذا العصر دولية، فكان القران لا يراعي مصلحة وطنه في أي بلد كان، فهو كما يقول دوكاستري، يعتز بانتمائه إلى أسرة القراصنة، أكثر مما يعد نفسه انجليزيا أو هولنديا أو فرنسا أو اسبانيا، بل حتى مسيحيا أو مسلما.

ومن المؤكد مع ذلك، أن القرصنة المغربية، قد حمت السواحل الشمالية والغربية من المغرب، بشكل غير مباشر، من أطماع دول أروبية أخرى غير البرتغال واسبانيا.

المصدر: دعوة الحق، العدد 75 ، يناير 1965

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى