في سابقة علمية تاريخية.. علماء ينجحون في “تجميد” الضوء وتحويله إلى مادة جديدة!

بقلم: نجيب مصطفى كمالي
في إنجاز غير مسبوق قد يغير فهمنا لفيزياء الكون، أعلن فريق من العلماء الإيطاليين عن تمكنهم، لأول مرة في التاريخ، من “تجميد” الضوء وتحويله إلى حالة مادية هجينة تُعرف باسم “السائل الصلب” أو المادة فائقة الصلابة (Supersolid)، وهي مادة تجمع بشكل نادر بين خصائص السوائل والمواد الصلبة.
تم الإعلان عن هذا الاكتشاف المذهل في بحث علمي نُشر يوم 5 مارس في مجلة Science، إحدى أهم المجلات العلمية في العالم. ويُتوقع أن تكون لهذا الاكتشاف تطبيقات واسعة في مجالات الفيزياء المتقدمة والحوسبة الكمية والطاقة.
ما هي المادة فائقة الصلابة؟
“السوبر سوليد” هي حالة نادرة وفريدة من المادة، تجمع بين الصلابة البنيوية للسلوك البلوري، والسيولة في الحركة دون أي مقاومة أو احتكاك. بخلاف السوائل التقليدية التي تملك لزوجة تؤثر على تدفقها، هذه المادة الجديدة يمكن أن تتحرك بحرية تامة، دون أن تترك أثراً خلفها، كما لو كانت تسير فوق سطح زجاجي بلا أدنى احتكاك.
يحدث هذا النوع من المادة عادة عند تبريدها إلى درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق (-273 درجة مئوية)، وهو ما يؤدي إلى تهدئة حركة الذرات لدرجة تسمح بتفعيل قوانين ميكانيكا الكم، لتتصرف المادة بطريقة غير مألوفة.
كيف تحوّل الضوء إلى مادة؟
التحدي الأكبر كان تحويل الضوء، وهو طاقة غير مادية في الأصل، إلى شيء يمكن أن يتصرف كمادة. ولتحقيق ذلك، استخدم العلماء شعاع ليزر مركزًا ووجهوه نحو مادة تُعرف باسم زرنيخيد الجاليوم. عند اصطدام الليزر بالمادة، تفاعلت الفوتونات مع الإلكترونات، مكونة جسيمات هجينة تُعرف باسم البولاريتونات، وهي أشباه جسيمات تمثل اتحادًا بين الضوء والمادة.
تُشبه البولاريتونات الكيانات الهجينة التي تجمع بين خصائص متناقضة، إذ تتصرف كوحدات مستقلة رغم أنها ناتجة عن تفاعلات داخلية. وتمكن الباحثون من التحكم في هذه الجسيمات بدقة حتى أصبح بإمكانها تقليد سلوك المادة فائقة الصلابة.
لماذا هذا الاكتشاف مهم؟
تكمن أهمية هذا الاكتشاف في أنه يمثل نقلة نوعية في فهمنا لطبيعة الضوء والمادة. لطالما اعتُبر الضوء طاقة لا تملك كتلة ولا يمكن أن توجد في حالة مادية، لكن هذا البحث أثبت أن بالإمكان تقييده وتوجيهه ليأخذ خصائص المواد، في تحدٍ مباشر للفهم التقليدي للفيزياء.
تطبيقات هذا الاكتشاف قد تمتد إلى:
- تطوير الحواسيب الكمية بسرعة وكفاءة أعلى بكثير من الحواسيب الحالية.
- تصميم موصلات فائقة جديدة تنقل الكهرباء دون أي فقد في الطاقة.
- إنتاج مواد تشحيم متقدمة لا تحتاج إلى احتكاك، مما قد يغير مستقبل الصناعة والآلات.
- مجالات أخرى لم تُكتشف بعد، إذ لا تزال هذه المادة الجديدة في بداياتها البحثية.
أين نحن من كل هذا؟
بينما يشق العلماء طريقهم نحو آفاق جديدة من المعرفة، يظل السؤال مطروحًا: ما هو موقعنا، كعرب، من هذه الإنجازات العلمية؟ هل نكتفي بموقع المستهلك والمندهش؟ أم نطمح إلى أن نكون شركاء حقيقيين في رحلة المعرفة والاكتشاف؟
ربما حان الوقت لإعادة التفكير في استراتيجياتنا التعليمية والبحثية، والتوجه الجاد نحو الاستثمار في البحث العلمي الحقيقي، لا سيما في مجالات المستقبل مثل الفيزياء النظرية، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الكمية.
هذا الاكتشاف ليس مجرد خبر علمي، بل رسالة واضحة بأن حدود المعرفة قابلة للتجاوز.. إذا وُجدت الإرادة والبيئة التي تحتضنها.
Oulemag