قصة عيد العرش
ارتبطت ذاكرة المغاربة، منذ 25 سنة، بتاريخ 30 يوليوز كذكرى عيد العرش، لكن أول احتفال شعبي غير رسمي بهذه المناسبة يرجع إلى يوم 18 نونبر 1933، وذلك بعد ثلاث سنوات من فرض الاستعمار الفرنسي “الظهير البربري” يوم 6 ماي 1930 .
ونقدم لقراء مجلة Oulemag مقالة للعلامة “أحمد معنينو” رحمة الله عليه بعنوان “الاستعدادات الأولى للاحتفال بعيد العرش في 18 نوفمبر 1933” والتي نشرت بمجلة دعوة الحق عام 1977، حيث يعود بنا الراحل إلى البدايات الأولى لمعركة التحرير، ويروي لنا كيف فكر ” ثلة من الأوفياء في طريقة مثلى تشد الطريق في وجه هذه المكيدة الجهنمية، وتقوي الالتحام بين العرش والشعب ضد العدو المشترك، عرض المرض، وبحث عن الدواء. وظهر في الصفوف الأولى لهذه المنقبة الخالدة شاب وطني، رفع صوته عاليا بالحق والصدق مناديا ذلكم هو محمد حصار رحمة الله حيث نشر ندائين اثنين بالعربي وبالفرنسي. الأول نشرته مجلة « المغرب » التي كانت تصدر باللغة العربية لمؤسسها ومديرها الأستاذ محمد ميسا. والثاني نشرته جريدة « عمل الشعب» الغراء اللسان المعبر عن الحركة الوطنية، في أوجها وشبابها لمديرها الأستاذ محمد حسن الوزاني، التي كانت تصدر بفاس.”
الاستعدادات الأولى للاحتفال بعيد العرش في 18 نوفمبر 1933 بقلم الحاج أحمد معنينو
معجزة التضامن بين العرش والشعب في 18 نونبر 1933، رغم أنف المستعمر الاحتفال بذكرى عيد العرش المجيد لأول مرة صدر تلقائيا من الشعب الكريم « حبا وهياما وتمجيدا وتقديرا» كل محالات السلطات الاستعمارية الغاشمة ذهبت أدراج الرياح أمام صمود أبناء الشعب المغربي الحر الأبي، حيث نفذت الفكرة في أبهى الحلل السندسية، والاحتفالات البهيجة الخالدة:
كل رجال الفكر والسياسة يربطون الرتبة الأولى للحركة الوطنية المغربية بالقضية البربرية 16 مايو 1930 .
منذ هذا التاريخ استيقظ الشعب المغربي من الغفلة وأصبح شبابه وشيوخه يتتبعون حركات وسكنات المستعمر ويتعرفون على تدليسه وشعوذته وما يروجه في الأوساط بواسطة أذنابه وأعوانه من الافتراءات والزيغ والضلال، استيقظ الشعب وأصبح يعرف الحق من الباطل، وفي هذه السنوات الثلاث ازداد الموقف وضوحا، وانبلج ضياء حقيقة مواقف الجالس على العرش، من جراء ما أظهره من وفاء لامته، وحب وهيام بمصالحها، ودفاع عن شرفها وكرمتها:
ظهرت محالات تلاعب الحماة بكيان الأمة وراج في الأوساط ما تحاوله الأيدي الأثيمة من القضاء على شخصية دولتنا، وما تبقى في يد سلطاننا من حق استصدار« الظهائر الملكية» تشريعا وتقنينا.
وشاعت موجة من التذمر والسخط، عندما ذاع خبر محاولة الحماة في استصدار ظهير ملكي، يسمح بموجه لرؤساء الأقاليم المغربية من الفرنسيين المستعمرين أن يصدروا قراراتهم، بدل الظهائر الملكية سند عرش البلاد والحياة الكريمة لشعب المغرب وشخصيته.
ساد القلق، وظهر جليا ما يبيت للعرش المغربي من مكايد، والأمة المغربية من هوان بالتدابير المنكرة، قرونا وقرونا، ورد كيد أعدائه مرات ومرات، بواسطة عرشه المكين، وقدسيه ملوكه الأشاوس، حينئذ تعلقت همة الطبقة الواعية من الأمة، وحصلت الاتصالات وتبادل الرأي والمشورة. ودراسة الأوضاع، وما ستؤول إليه أن نفذ رأي المستعمر لا قدر الله.
وفي هذا الجو الصافي فكر ثلة من الأوفياء في طريقة مثلى تشد الطريق في وجه هذه المكيدة الجهنمية، وتقوي الالتحام بين العرش والشعب ضد العدو المشترك، عرض المرض، وبحث عن الدواء. وظهر في الصفوف الأولى لهذه المنقبة الخالدة شاب وطني، رفع صوته عاليا بالحق والصدق مناديا ذلكم هو محمد حصار رحمة الله حيث نشر ندائين اثنين بالعربي وبالفرنسي.
الأول نشرته مجلة « المغرب » التي كانت تصدر باللغة العربية لمؤسسها ومديرها الأستاذ محمد ميسا. والثاني نشرته جريدة « عمل الشعب» الغراء اللسان المعبر عن الحركة الوطنية، في أوجها وشبابها لمديرها الأستاذ محمد حسن الوزاني، التي كانت تصدر بفاس.
وما كاد التاريخ المحدد يصل حتى اختمرت الفكرة بكل الأوساط، وأصبحت النخبة الواعية من المغاربة جميعا، تعمل على أبراز الفكرة أحيز الوجود، رغم الحواجز والعراقيل التي بدت المستعمر وأذنابه الحقراء !
قامت عدة مدن مغربية بالتفكير لتنفيذ المشروع والظهور به للميدان إعلانا بتمسكها بوحدتها الوطنية وكيانها القومي، تحت ظل العرش العلوي المجيد، الذي قدر في الازل أن تصدر هذه الهزة النفسية، في عهد جلالة السلطان محمد الخامس البطل الوفي أسكنه الله رحاب جناته.
فكانت لمدينة سلا الفيحاء الأسبقية في إظهار معالم الزينة والأفراح. والتجمعات والمظاهر بالأناشيد والأغاريد، تكوين لجنة هامة من خيرة أبنائها شبابا وشيوخا، للقيام بالاتصال بالدوائر المسؤولة الرسمية والشعبية، ونجحت في مسعاها، وسجلت هذه المكرمة وهنا أسجل للتاريخ ما نشرته جريدة السعادة بعددها 4051 السنة الثلاثون، الخميس 4 شعبان 1352 الموافق 23 نونبر 1933 تحت عنوان “احتفال سلا بعيد العرش المجيد”.
عبر الشعب عن إخلاصه العظيم لصاحب الجلالة أبي المعارف والمآثر والمفاخر. مولانا محمد بن أمير المؤمنين المقدس أبي المحاسن مولانا يوسف أيد الله ملكه، وأدام نصره مع تعلق كبير بجلالته الشريفة، نظرا لما لها من الأيادي البيضاء على شعبها النبيل، فمنذ جلوس جنابه الشريف على عرش أسلافه الكرام وهو ينظر بعين الاهتمام في مصالح أمته، وفيما يعود عليها بالرقى ماديا وأدبيا، ولا سيما من الوجهة العلمية التي لا يخفى على أحد ما للمعالم من الفضل في ترقية الأمة، وتهذيبها، وإنقاذها من وهذه الجهل والخمول ونظرا لما لجلالته من المحبة العظيمة في القلوب، رأى سكان سلا أن يبرهنوا له على المحبة والإخلاص.
والطاعة بإقامة احتفالات تذكار ليوم جلوس جلالته على عرش المملكة المغربية.
وتألفت لهذه الغاية الحسنة، والفكرة المستحسنة لجنة من أعيان المدينة وسراتها.
وبمجرد المذكرة مع سعادة باشا المدينة العلامة حليف الفضل الحاج محمد الصبيحي الذي أدى سرورا عظيما للجنة بهذه المشاركة، وشكرهم على عواطفهم نحو جلالة الملك جاءت صبيحة يوم الجمعة فاستدعى اللجنة المشار إليها لمنزله للمفاوضة في كيفية الاحتفال».
وهنا أتورع أن أنقل كلمات مزورة من الإدارة الماكرة.
وما بزغت شمس يوم السبت 18 نونبر، حتى بدت المدينة في أبهى منظر، وأجمل مظهر، احتفالا بهذا اليوم الزاهر، وقد زينت فيها سائر الإدارات الرسمية، والمحلات العمومية بالرايات المغربية، وعلقت شارة الأفراح على دكاكين التجار وأرباب الحرف والصنائع وغيرهم.
وفي الساعة الثالثة كان موعد الاحتفال السائق الذي أقامه الباشا بمنزله الفخم، فما دقت الساعة المذكورة حتى قصد سائر الأهالي على اختلاف طبقاتهم منزل الباشا الذي كان مفتوحا للواردين عليه، لأداء التهاني بهذا العيد الملوكي.
وكان سعادة الباشا وخليفته، وأعضاء اللجنة يستقبلون الواردين بمزيد من الترحاب، وكانت آلة الطرب تتسلق الإسماع بنغماتها الأندلسية، وكؤوس الشاي والحلويات تدار على الوافدين: ولكلما خرج فوج من دار الباشا، قصد منزل فضيلة القاضي العلامة الشريف سيدي محمد إدريس العلوي، الذي احتفل أيضا احتفالا عظيما بهذا العيد السعيد لا يقل أبهة على احتفال فضيلة الباشا.
وقد كان تلامذة المدارس يترتمون بالنشيد المغربي المذكر بنغمة لطيفة في منزلي سعادة الباشا وفضيلة القاضي.
كما وفد من الرباط لمشاركة سلا في أفراحها طائفة من الوجهاء والأعيان وزمرة من الشباب الناهض.
كما أن يهود سلا أوفدا بعثة من أعيان اليهود لدار الباشا لرفع مراسيم تهانيهم بعيد العرش، من جهة أخرى: فإن تجار القيسارية أقاموا مهرجانا عظيما وحفلة فاخرة، كانت نغمات الموسيقى تتردد خلاله، وأكواب الشاي والحلويات تدار على الحضور، المنغمسين في حلة المسرات والانبساط.
ولا يسعنا هنا إلا أن نسجل أسماء بعض الشخصيات التي أبرقت للجنان الشريف بهذه المناسبة السعيدة، فلقد أبرق سعادة الباشا، ورئيس البلدية، وفضيلة القاضي، وعميد آل عواد، والنادي الأدبي الإسلامي والجمعية الرياضية، والنجاح، الشفاء العلويون، وجمعية المحافظين على القرآن من المدرسة القادرية وشرفاء البيت الوزاني« والجالية الإسرائيلية»
أبرقوا جميعا لجلالة السلطان حيث كان بمراكش الحمراء يهنئون فيها جنابه الكريم بعيد جلوسه على العرش، ويؤكدون لجلالته الولاء الصادق والإخلاص في المحبة فتقبل جلالته كامل التلغرافات المرفوعة لجلالته من مدينة سلا وعددها يفوق العشرين. وللتاريخ أسجل مفخرة الشباب البطل المقدام السيد « محمد حصار» رحمه الله. فهو الذي حرر جميع هذه التلغرافات وأوجدها وهيأها بأسماء أصحابها، وحيثياتهم. ثم عرضها عليهم، واحدا واحدا فاستحسنوها، وقاموا بتوجيهها شاكرين جهوده، وهكذا يسجل التاريخ البطولة الأدبية، والحمية الوطنية لأخينا شهيد الوطنية« محمد حصار».
وكتبت مجلة « المغرب» في الرباط لمديرها الأستاذ محمد ميسا تحت عنوان: عيد العرش بسلا، في عددها 14 الصادر بتاريخ نونبر 1933 :
« كان العيد بمدينة سلا فوق كل ما كانت اللجنة تظنه قد يكون! فنودي بالعيد في الأسواق، وزينت المدينة بكل ما في وسعها الإعلام المغربية مرفوعة بكل جهة لم تطلع شمس يوم السبت 18 نونبر 1933 حتى كانت المدينة لابسة حلة العيد ، المدارس المعطلة والدكاكين والمخازين كلها محلاة بالألوان المغربية: الأحمر والأخضر على عادة المغاربة القديمة، والناس يريدون الجديد من ملابسهم، يهنيء بعضهم البعض وقد أقامت الحرف نزهات فاخرة بالشوارع، والأسواق وفي الدكاكين، وكان أفخرها نزهة أقامها كبار تجار القيسارية في سوقهم بتكريم الشبيبة الوطنية بين الحرير والوشي والرايات المغربية، والجميع يترنم بنشيد الأستاذ القرى في ذكرى عيد الجلوس السلطاني. وكان المنظر جميلا للغاية، وأجمل ما فيه الشيوخ ينشدون مع الشباب بحماسة قوية:
إنما الملك منا إنما الشعب الشباب »
وكتبت جريدة « عمل الشعب» الغراء التي كانت تصدر بالفرنسية بفاس لمديرها الأستاذ محمد حسن الوزاني:
« فلقد استدعى الشبيبة الوطنية بفاس للتجمع في بستان أبي الجنون، قهوة« جنان السبيل»، ورغم تهاطل الأمطار، وعصف الرياح، امتلأت رحاب جنان السبيل بالشباب المطربش والمعمم، واستعيرت المقاعد بكثير من المقاهي أخرى، لكثرة الواردين، وبقي عدد عديد وقوفا، وكان الخدام يسقون الحاضرين، الشاي والقهوة، على حساب صندوق« عمل الشعب» الفيحاء والكل يحمل الوية صغيرة «راية المغرب » يلوحون بها وينشدون النشيد الرسمي الملكي لذلك اليوم الخالد، لمنشئه الأستاذ محمد القرى».
كما احتفلت مدينة مراكش بهذا العيد بشكل بديع حيث جمع جمهور عظيم من تجارها ووطنييها مالا لايستهان به، اشتروا به كساوي وأطعمة وزعت على أبناء الجمعية الخيرية الإسلامية والضعاف والمحتاجين، وأقامت على شرفهم حفلة زاهية. أطعمت فيها وكست جمعوا عظيما، وظهرت من المحبة والغبطة والطاعة والولاء إلى صاحب العرش ما خلده التاريخ بمداد الإعجاب والتقدير والتكريم.
كما نشرت مجلة السلام الغراء التي تصدر بتطوان لمديرها الأستاذ محمد داوود تحت عنوان” حفظا للتاريخ” ما يلي:
« وصلتنا الصورة متأخرة، فلم نتمكن من نشرها في الجزء السابق وقد سرنا بنوع خاص ما قامت به اللجنة المراكشية ، من أطعام ألاف الضعفاء والمساكين، واكساء المئات منهم، وهي مكرمة تستحق الثناء عليها، وسنة حسنة جدا لو انسج على منوالها في الأعياد المقبلة بحول الله وإقامة حفلات عيد العرش لم تعرف في هذا القطر قبل هذه السنة إلا أنها عادة ينبغي أن تتبع في كل سنة لما فيها من البرهان القاطع على إخلاص الأمة والتفاف سائر طبقاتها حول سلطانها الذي هو رمز سيادتها ووحدتها، وعلى تعلقها بعرش مملكتها وحافظ كيانها خصوصا إذا انضم ذلك إلى نعيم التوسعة على المحتاجين وإطعام المساكين الضعفاء».
هذه نظرة مبسطة عما حصل في نشوة هذا العيد الوطني الذي قامت به طوائف المؤمنين بعظمة العرش المغربي ووحدة الأمة، والتماسك المتين بين العرش والشعب توضح بجلاء الداعين لإقامته، والمساهمين في إبرازه من قريب أو بعيد، وهو كما جاء عفويا، وبإرادة الشعب المؤمن بقدسية عرشه وسلطانه. والملتف حول قائده وملكه، والمتفاني في حبه وتقديره، من أجل جهوده العظيمة، ومواقفه الشريفة الخالدة التي برهن فيها جلالته على الوفاء لشعب ارتضاه واصطفاه، وقدم في سبيله كل عزيز وغال.
وأمام هذا الموقف الايجابي الشجاع، والبرهان القاطع والحجة القوية، التي برهن بها الشعب المغربي عن حيويته وعبقريته ويقظته. وسمو اعتباره، ووصوله لهدفه« الشعب بالعرش والعرش بالشعب» أرعم الحماة وأذنابهم، على الخضوع والاعتراف رسميا بعيد العرش فأصدر الوزير الصدر، إذ ذاك قراره الوزيري باتخاذ اليوم الثامن عشر من شهر نونبر الذي جلس فيه جلالة الملك محمد الخامس على عرش المغرب عيداً رسمياً.
مجلة دعوة الحق، العدد 174، مارس 1977، ص117.