نصاب في جبة معارض

المعارضة الحقيقية.. بين المبدأ والانحراف
في كل التجارب السياسية العريقة، شكلت المعارضة ركنًا أساسيًا في أي نظام ديمقراطي، تقوم على برامج واضحة، ورؤى فكرية مستندة إلى خلفيات إيديولوجية يسارية أو قومية أو قطرية… بأساليب تتراوح بين المعارضة المعتدلة والوسطية أو حتى الراديكالية. لكنها ظلت دائمًا ملتزمة بقواعد الاحترام السياسي والنقاش الفكري، مهما بلغت حدة الاختلافات.
لكن، في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة غريبة لا تمت بصلة لما تعنيه المعارضة الحقيقية، حيث تحولت بعض الأصوات التي تدّعي مناهضة الأنظمة إلى مجرد أدوات للتشهير والتلفيق وقذف الأشخاص وانتهاك حياتهم الخاصة، في أسلوب يتنافى مع أبسط المبادئ الأخلاقية والقانونية.
من المعارضة الفكرية إلى الابتزاز والتشهير
المعارضة الحقيقية لا تُبنى على الأكاذيب والافتراءات، بل على تقديم بدائل ومشاريع، ونقد عقلاني يستند إلى رؤية واضحة. لكن ما نشهده اليوم هو انحراف خطير، حيث تحولت بعض الأصوات إلى أدوات هدم بدل أن تكون أصوات بناء، تعتمد على مهاجمة الأشخاص بدل نقد السياسات، وعلى تزييف الحقائق بدل تقديم الرؤى البديلة.
لقد أصبحنا أمام نموذج جديد من “المعارضين”، لا يمتلك أي خلفية فكرية أو برنامج سياسي، بل يقوم فقط على توظيف الشعبوية ونشر الإشاعات واستغلال قضايا مفتعلة، لمهاجمة رموز الدولة والمؤسسات، وحتى الشخصيات العامة والمواطنين العاديين.
عندما تتحول “المعارضة” إلى جريمة
إن ملاحقة الأفراد في حياتهم الخاصة، ونشر الأكاذيب ضدهم، ليس “معارضة” بل هو جريمة تعاقب عليها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، لأنه يمسّ بكرامة الإنسان وينتهك حقوقه الأساسية. بل إن التشهير والافتراء أصبحا سلاحًا يستخدمه بعض “المرتزقة السياسيين” لتحقيق أجندات خفية، لا علاقة لها بمصلحة الشعوب أو الديمقراطية.
وهنا يأتي دور الدولة، فكما أن حرية التعبير حق مقدس، فإن حماية الأفراد والمجتمع من القذف والتضليل مسؤولية قانونية لا يمكن التساهل معها. ويصبح ولي الأمر ملزمًا بتطبيق القانون والضرب بيد من حديد على يد كل من يحترف تشويه الحقائق والإضرار بكرامة الناس باسم المعارضة.
المعارضة الحقيقية: نقد بناء لا هدم وتشهير
إن المجتمعات لا تتطور إلا بوجود معارضة مسؤولة، تراقب السياسات وتقدم بدائل وتدافع عن حقوق المواطنين بأسلوب محترم بناء. أما تلك الأصوات التي لا تعرف إلا الافتراء والمزايدات والتضليل، فهي لا تمثل إلا نفسها، ولا تخدم سوى أجندات فوضوية تهدف إلى نشر الكراهية والانقسام.
تبقى المعارضة الحقيقية شرفًا ورسالة، لا تجارةً قائمة على الإساءة والتشهير.
- أوليماغ Oulemag