دراساتslider

الثقافة الإسلامية في إفريقيا

إن مالي وموريتانيـا والسنغال وغينيا وبـوركنا ـ فاسو والنيجر ونيجريـا هي المناطق التي تمت فيهـا الثقافـة الإسلامية في جميع مظاهرهـا، وتأصلت ثم امتـزجت إلى المناطق الأخرى في غرب إفريقيا ووسطهـا، كما أنها هي المواطـن التي امتزجت فيهـا الدماء العربية والبربريـة والزنجيـة أكثر من أيـة منطقة أخرى في إفريقيـا جنوب الصحراء.

علي كلطغ ديالو، رئيس مجلس إدارة معهد الشيخ أحمد الإسلامي بمالي


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنـا محمد وعلى آله الأطهار.
إن البلد الـذي أنتمي إليه يعتز بالتراث الإسلامي: بتعاليمه وقيمـه، الروحية، لأنه قد وضـع لبنته الخاصة في بناء الحضارة الإسلامية التي ازدهـرت خلال فترات متعاقبـة من القرن التاسع الميلادي إلى عصرنـا هذا.
إن مالي وموريتانيـا والسنغال وغينيا وبـوركنا ـ فاسو والنيجر ونيجريـا هي المناطق التي تمت فيهـا الثقافـة الإسلامية في جميع مظاهرهـا، وتأصلت ثم امتـزجت إلى المناطق الأخرى في غرب إفريقيا ووسطهـا، كما أنها هي المواطـن التي امتزجت فيهـا الدماء العربية والبربريـة والزنجيـة أكثر من أيـة منطقة أخرى في إفريقيـا جنوب الصحراء.
إنني لن أتحـدث هنا بالتفصيل عن الثقافـة الإفريقيـة، لأن إفريقيـا تضم شعوبا وقبائـل، لكل شعب ثقافته ، ولكـل قبيلـة ثقافتهـا، فالثقافـة هي أسلوب للحياة يتطـور ويتحدد حسب تصور المجتمع الإسلامـي ، اتجه من خـلال صراعه المستمر مـع محيطـه وهي تشمـل كل مظاهـر النشاط الإنساني في فترة من فترات تاريخه ، فاللغـة في تصورهـا والآداب شفهية أو مكتوبة ، والعلم والمعرفة والفنـون الجميلة والموسيقى والرقص المهذب، كـل ذلك يمثل عناصر للثقافـة، لأنها الروح التي يتجلـى من خلالهـا الدقة في التعبير ووضوح الفكر وصفـاء الروح وجمال التصوير.
إن وحـدة الثقافة الإفريقية هـدف يعمل على تحقيقـه في المـدى البعيد أبناء إفريقيا المخلصون كمـا أن وحدة الثقافـة العربية في الظروف التاريخية، والأوضـاع الاجتماعيـة والسياسية التي تسود البلدان العربيـة في الوقت الحاضر أمل تتطلـع إلى تحقيقها الدول العربية.
ولا ينكـر أحد بأن كل شعب في إفريقيـا قد اقتبس من جيرانه بعض مظاهـر الثقافـة وتأثر بها وأدمجهـا في ثقافته حسب أسلوبه وتصوره، وكذلك الشأن بالنسبـة لكل قبيلـة، ولذلك نسبت إلى الشعـوب والقبائل أساليب معينة من الثقافـة لأن النخبة من المفكريـن والشعراء والفنانيـن من تكل الشعوب والقبائل هـم الذين أنتجوهـا من خـلال ممارستهم اليومية لأوجه النشاط الاجتماعي، وعبروا فيهـا عن تقاليـد شعوبهم وآمالهـا وطموحها ،ى فالثقافـة التي حاول المستعمرون فرضهـا على الشعوب الإفريقيــة ليست بثقافـة لأنها تمثل المهانـة والذل والعبوديـة بالنسبة للشعوب المستعمرة تُدس القيم الثقافيـة وتميت التقاليـد النبيلة.
وتخنق القلب وتطفئ الذكـاء وتحط من قيمة الإنسان المستعمر، وتجعله مخلوقا بلا روح، فلا غرابـة إذن من أن نرى الشعوب الإفريقيـة ذات التراث الإسلامي ترفض هـذه الثقافة ، وتعتبـر المتأثريـن بالجوانب السلبية منها، المتحلين بمظاهرها: غرباء وأعضاء اجتثـت من جسم المجتمعات الإفريقية، وكانت هـذه الشعوب لا تبعث حتى فـي حالة الضرورة إلى المدارس التي أنشأهـا المستعمرون إلا أبناء الطبقات التي ليس لها اعتبار في المجتمع.
فالزنجيـة التي يتغنى بها المثقفـون السود فـي أوربا وأمريكا لم تكن يوما ما ثقافـة إفريقية، لأنهم لم يطالبوا بأكثـر من المساواة في الحقوق مع المستعمر والاعتراف بقدرتهم على هضم الثقافـة اللاتينيـة، ويمكـن أن نقارن القومية العربية بهـذه الزنجيـة التي لم تكن في حقيقتها إلا رد فعل ، حدث نتيجـة السيطرة الأجنبيـة التي فرضت على العالم العربي، ومحاكـاة للقوميات الأوربية التي نشأت معاصـرة للنهضة الفكرية والصناعيـة في أوربا.
إن القومية العربية في بعض اتجاهاتها تذكرنـا بالنزعة الشعوبية التي نشأت في الدولة العباسية، وهي عنصر معطل يشـل حركة الثقافة الإسلاميـة الأصلية ويحـد من انطلاقهـا، كما أ، الزنجية عنصر غريب لم تعبـر في أي مظهر من مظاهرها عن الروح الخلاقة للشعوب الإفريقية، وكلاهمـا ف يخط مضاد للإسلام والثقافة الإسلامية الأصلية.
إن جـل من صاغ النظريتين « الزنجيـة والقومية الغربية » لم يكونوا فقط من الذيـن درسوا اللغات والآداب العربية وتأثروا بها، بل هـم من الذيـن ربتهم الكنيسة وساندت خطاهم في كل تحركاتهم.
إن الثقافة الإسلامية الأصليـة التي نعتز بها، والتي يجب على المسلمين جميعا أن يكيفوا حياتهم بها، لم تكـن رد فعل من ضغط خارجي، أو مـن سيطرة بشرية فـرضت علينا، إنما هي من الإسلام، والإسلام رسالة إلهيـة موجهة إلى كافة النـاسي في كل الأزمنة، وهي فطرة سليمة فطر الله سبحانه النـاس عليها.
‘ن كل المحاولات التبريرية لمواقف الإسلام لكي يكون مقبولا إرضاء لأعداء الإسـلام خضوع لهجمات التبشير الصليبي ومسايرة للاعتداءات الصهيونية ومساهمـة لا واعية للتشكيك في قيـم الإسلام وتفويض لرسالته الإلهية .
فالثقافة الإسلامية الأصلية ثقافـة إنسانية عالمية بتقبلهـا الناس من جميع الأجناس في أية مرحلة من مراحـل تطورهم الحضاري، ويستسيغونها ويهضمونهـا، لأنها من وحي رسالة الإسلام الخـالدة، ، إنها ليست إنتاج جنس معيـن ولا إنتاج مرحلـة معينة وهي صالحة لكل النـاس ولكل الأزمان، وكما يؤمكن الإنسان ذو الفطرة السليمة طواعيـة بالدعوة الإسلامية، كذلك يتقبـل الإنسان ذو الروح الصافية والتفكير السليم الثقافـة الإسلامية الصميمة عن اقتنـاع ويستلهمها في إنتاجـه الأدبي والفني وفي نشاطه الفكري والمادي، ويستوحي منهـا الطـاقة الخلاقة والجمال والإبداع .
إن الإنسان المؤمن الـذي وهب استعـدادا فطريا، حين يهضم الثقافة الإسلاميـة الأصيلة ليرتفع بالفن الـذي يزاوله إلى درجة مـن السمو بقدر استلهامـه من تلك الثقافة وبقدر مقدرته على الإبداع« إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عمـلا أن يتقنه».
وقبل أن أنتقل بالحديث إلى مظاهر الثقافـة الإسلامية في غرب إفريقيا، أريـد أن تحدث إجمالا عن ثقافـة شعب إفريقي قدر له أن يلعب دورا خاصا خـلال ما يقرب من قرنين من الزمــــــــــن(1725ـ 1893م) في نشر الإسلام والثقافـة الإسلامية واللغـة العربية في غرب إفريقيا ، ألا وهو الشعب الفلانـي.
بعض مظاهـر الثقافـة الفلانيـة قبل الإسلام:
إذا كانت الثقافة أسلوبا للحياة، وطريقـة للصيرورة ينتهجها الشعب لإجراء تغييرات تفترضهـا بيئته الطبيعية والاجتماعية، فإن الشعوب الإفريقية قـد عرفت مظاهـر مختلفة ومتميزة للثقافة’، فالمثقف عند الشعب الفلاني مثـلا هو المطلع على جميع المعارف والتقاليـد المـوروثة ، ولا بـد أن يكون ذا نسب معروف، وأن يتحلى بالمروءة بما فيها مـن الشجاعـة والكرم والنجدة، وإنكار الذات، ويتصف بالفضائل بمـا فيها مـن الاستقامـة والقناعة والعدالة، وأن يكـون عارفا بتاريخ وأنساب شعبـه والشعوب المجاورة، ومطلعا على لغة الشعب وآدابه، وملمـا بمبادئ علم الفلك والجغـرافيا وحاذقا لعلم النبات، والطب الإنساني والبيطري، وأن يكون مرجعا لدلالـة الأصوات والألوان والعلامـات المميزة في الإنسان والحيوان، وقادرا على تفسيرهـا والاستدلال بها للتنبؤ عن الأحداث التي قـد تقع مباشرة أو في المستقبل، وأن يكـون راويا للطقـوس والظلمات والترانيم والأدعية التي تتلى في المناسبات لجلب المنافع ودفع المضار، ويكون ملجأ لشعبه في الملمـات، وقطب رحى في الأفراح والأتراح، هـذا هو الذي يسمى عند الشعب الفلاني بـأرْطُ أوسِلتغُ ماوُط أوْأغْ ( Arto Siltigui-Mawdo et Aggà) حسب علمه واختصاصـه، وحسب السلطات الروحية أو الماديـة التي أسدت إليه، فهو القائـد والرائد والعارف الكامل عنـد أهل الشعب الذي يصفه بهذه العبارة الجامعـة المانعة بالفلانية، « م سُمالـد جُوب لوند طيي» أي هو قرية للراحليـن وقدر للمقيمين ، فإلى جانب هذه الثقافة الرفيعة، توجد ثقافة شعبية جماهيريـة تحملها فئات اجتماعيـة معينة تلقت نوعـا محددا من الثقافـة، وتخصصت فيه وجعلته وراثيـا هي طبقـة وامِبابـي (Wambaabe) التي مـن اختصاصهـا حفظ الأنساب وتسجيل الحوادث البطوليـة والفضائل أو المكرمـات الخاصة بالأبطال أو بالعشب كله وسردهـا في المناسبات، أمـا الثقافة العربية التي أشرنـا غليها آنفا فه للنخبة من النبـلاء ذوي النبوغ والعبقريـة، وقد كـان داب سامب ( Daabo Sambo) من بُـوط – باي (Boodi-Baye) في محافظـة موبتــــــــــــــي ( Mopti) في مالي، خير من يمثل هـذه الثقافـة الفلانية الأصيلة، وقد توفـي عام 1913 عن عمر بلـغ 85 سنة، وقد كتبت حياتـه كما رواها لي حفيده والمشايـخ الذين عاصره أجدادهم وتتلمذوا عليه وروا عنه كثيرا من معرفته الواسعة في الناس والحيوان ومظاهر الكون، كمـا أن أرطُ دمُب (Ardo Dembo) من جينجلب (Djenjelb) في منطقة جيري (Djeeri)، في السنغال الـذي تتلمذ عليه الشيخ أحمد همفات» يمثل هـذه الثقافة، ويذكر الشيخ أخمد همفات بن أنه مكث شهرا، يخرج معه كل يوم إلى السهول الممتدة في المنطقة وتعلم منـه إسم كل شجرة رآهـا، وكل شجرة وكل حشيش، وخاصيـة كل منها وعلاقتها بنجم من النجـوم( الدراري والمنازل) وبالإنسان والبقر، كمـا كتب عنه كثيرا من الترانيم والمزامير والأساطير ذات المغزى التاريخي للشعب الفلاني.
الثقافة الإسلاميـة في غرب إفريقيا( النموذج الفيلاني):
عندما استتب الإسلام في غرب إفريقيـا، وقد اعتنقته وعاشه خيرة الرجال يومئـذ في المنطقة، وتملك مشاعرهـم، وأطلق مواهبهـم الكاملة، وأظهر كفاءاتهم في كل مياديـن الحياة (الناس معـادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسـلام)، انتشرت الثقافـة الإسلامية في أوساطهم، وازدهرت اللغة العربية ، وأصبحت لغ’ الدواوين والآداب، وتسربت مفرداتهـا وأساليبها في التعبير إلى لغات الشعـوب التي أسلمت وإلى لغـات الشعوب التي تجاور هذه وتتعامـل معهـا، وهي لم تسلم بعد.
إن أهم ميـدان تأثر بالثقافة الإسلامية، والذي ظهر فيه هـذا التأثير واضحا جليا هو ميدان التربيـة والتعليم، فالمناهج الدراسية وطرق التدريس والكتب المقـررة وطريقة إعطـاء الإجازات العلمية في مـدارس غرب إفريقيا ومراكزهـا العلمية لا تكاد تختلف في شيء عن التقاليـد التي كانت سائدة في فـزان وغدامس وغـات ومصر والقيروان، وتلمسان وتوات وسجلماسـة وأغمات ومراكش وفاس أو قرطبة.
يسلم الطفـل إلى الكتاب في سن السابعة عادة، فيلقن الحروف الهجائيـة حرفا حرفا بدون شكل، فإذا عرف كل حرف في صوره المختلفة في الكلمة، تعلم الحـروف كلها مشكولة أولا في الترتيب الهجائي، ثـم راجعها في السور الأخيرة مـن جزء «سبح» التي تحتوي على جميع الأحرف العربية مـع أشكالهـا من فتحة وكسرة وضمة وسكون وإمالـة وتنويـن. وتبدأ هـذه السورة مـن سـورة الناس إلى همـزة، أو منها إلى سـورة الزلزلـة مـع سورة الفاتحـة دائمـا، ولا يبدأ الطفل مرحلة القراءة إلا إذا أتقن التهجي وميز الأحرف وعرف الأشكال بدقـة، وقد يستعيـن الشيخ المؤدب بعدد من التركيبات والآيات مثل الآيـة الأخيرة من سورة الفتح التي تضم جميع أحرف المعجم وهي (محمـد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم…) إلى آخر السورة.
والجدير بالملاحظـة هنا هو أن هؤلاء المؤدييـن قد اخترعوا أسمـاء في لغاتهـم لأكثر أحرف التهجي العربية وأشكالهـا، لأنهم اعتبروا رسم الحروف في صورهـا وأوضاعها في الكلمة محاكـاة لأجزاء من جسم الإنسان أو الحيـوان أو لأشياء مشاهـدة من صنع الإنسان، فالطفـل الذي نشأ في بيئة معينة واكتسب مفردات من لغته، وأدرك صـور الأشيـاء الملموسة وأسمائها بالاختبار والتعلم، يستطيـع أن يثبت في ذهنـه بسهولة أسماء هـذه الأحرف وأشكالها التي لقن إياهـا بلغته عن طريق المقارنة والمقابلة.
ويختار الطفـل هذه المرحلة في فترة تتراوح بين ثلاثـة أشهر وستة أشهر في الحالة العادية، ثم يبدأ مرحلة القراءة؛ تكتب له آيـة أو آيتان أو سورة في لوحـة ابتداء من سورة الفاتحـة ثم الناس ثم الفلق ولا يغسل درسه إذا استظهر، ويمـرّن على الكتابة بأن تكتب الأحرف في لوح، وتسطر له خطوط مستقيمة في لوحه، ويمرن على إمساك القلم ومحاكاة الأحـرف أو الكلمات حين يتقدم، ثم تسلم إليه ورقة من المصحف يحتوي على درسه، توضـع عن يساره والدواة عن يمنه، واللوح على فخديـه وينقل درسه في لوحه. وهكذا يوميـا إلى أن يستقر خطه في صيغة معينة، ويستمر الطفل هكذا حتى يختم القرآن في فترة تتراوح بيـن سنتين وسبع سنوات حسب ذكـاء الطفل واستعداده وحسب اعتنـاء المعلم ومقدرته التربوية، ثم يعيـد الطفل قراءة القرن في اللـوح قصد استظهاره إن لم يكـن قد استظهره في دورة القراءة الأولى وإتقان حفظه، وذلك ابتداء من الفاتحـة ثم البقرة إلى سورة الناس، والطفل الذكـي يحفظ القرآن مع انتهاء هذه الختمة الثانية.
وتقـام للطفل وليمة عند الختمة الأولى، وتقدم إليـه هدايا من الملابس والحيوانـات، كما تقدم إلى شيخه هدية تتكون عنـد الفلان من ثنيـة مع ملابس بيضاء للزينة أو عجل تبيـع أو فرس، ويدعى إلى هـذه الوليمة زملاء الطفل في الدراسة مع تلاميـذ المدارس في القرية المجـاورة مع شيوخهم مع كل من استطاع أن يحضر من الأقارب وأصدقاء الأسرة، وتذبح الثيران والضـأن ويهيأ الطعام، ويوزع على كل بيت في القريـة، وبعد أن يطعم المدعون، يختم القرآن وتقرأ الأدعية المأثورة ويدعو الشيخ للطفل بالبركة والسعادة وحسـن الخاتمة.
ثم يمضي الطفل فترة في دراسة مبادئ الفقـه المالكي، والتوحيد في العقيدة الأشعرية ومبادئ اللغة العربيـة في المتون الصغرى وفي كتب التصوف والأخلاق، ثم ينتقل إما إلى دراسة القرآن والتخصص في حفظه وتجويـده ومعرفة رسمه في حملة المسومـى ورسم طالب عبد الله، وفي المقنع مورد الظمآن، وإتقان مخارج حروفه في مقدمة ابن جزري، ومعرفـة أوجه قراءاته في منظومـة ابن بري، ومعرفـة عدد كل كلمة وردت فيـه رواية أو في مخطوطات في هـذا الفن ألفها حفاظ المنطقة، ثم يتعلم أحكام الوقف والابتداء الأشمونـي وغيره وتاريخ القرآن والناسخ والمنسوخ وأسباب النـزول وأوجه القراءات وعللها في إتقان السيوطي وبرهان الزركشي والباقلاني، ويتخصـص في القراءات السبع أو العشر في منظومـة الشاطبي وغيث النفع للصفاقـي والنثر لابن الجزري، والتلميـذ الذي وصل إلى هذه المرحلة في معرفة القرآن الكريم هو الحافظ المتقن الذي يقصده من يريـد التخصص في تدريس القرآن، وقد ستوقف بعض الطلبـة إذا أتقنوا قراءة نافـع، وبعضهم يكتفون بالحفـظ والتجويد ومعرفة رسم القرآن، والإجـازة تعطى في ثلاث مراحـل:
المرحلة الأولى، عندما يتقن التلميذ صنعة القرآن، ويحذق قراءة نافـع بروايتي ورش وقالون، بعد التجويد ومعرفـة كل تفاصيـل رسم القرآن حسب هـذه القراءة.
المرحلة الثانية، عندمـا يتقن فن الرمز أي أن يعرف عـدد كل كلمة وردت في القرآن، وأن يستطيع عدهـا والإشـارة التي وردت فيهـا الكلمة المعدودة. وأن يكون لته لكل كلمة يعرف عددهـا تقييدا واضحا من بيت أو من ضبط الأحرف الأولى من الكلمة التي تعقب أو تسبق الكلمة المعدودة أو ذكر السورة أو الجزء من القرآن، إن كـان ذلك لا يؤدي إلى التباس، فمثل التقييد بالبيت .

فـإبَّـأي بالفــاء يـا اللــــه * ولا تُجـادلوا وقـــال اللـــهُ

أي إن كلمة فإيـاي بالفاء، لا وإياي بالواو، لم ترد في القرآن الكريم إلا في موضعين:
الأولى وردت بالثمن الأول من الحزب والواحـد والأربعين الذي يبدأ بـ ( ولا تجادلوا أهل الكتـاب إلا بالتي هي أحسن) في سورة العنكبوت، وهي (فإيـاي فاعبدون).
والثانية وردت في الثمـن الأول من الحزب الثامن والعشرين الذي يبدأ بـ (وقال الله لا تتخذوا إليـهن اثنين إنمـا هو إله واحد فإيّـاي فارهبون) في سورة النحـل.
ومثل الضبط بالأحرف: فيـت، فأمـا اليتيم، يدع اليتيم، تكرمـون اليتيم، أي أن كلمة اليتيـم بفتح الميم لم ترد في القرآن إلا في هذه المواضـع الثلاثة في الانشراح والماعون والفجـر.
ولا يتخصص في هـذا النوع من علوم القرآن إلا من أتقن حفظه وتجويـده ورسمه.
والمرحلة الثانية، في نيل الإجـازة هي عندما ينتهي الطالب من إحـدى المرحلتين، ويدرس القراءات السبع أو العشـر فقط أو مع القراءات الشواذ ويعرف الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ويعرف أحكـام الوقف والابتداء والمحكوم والمتشابه من القرآن. والطالب الـذي يصل إلى هـذا المستوى يعتبر من الحفاظ المتخصصين في معرفة كتاب الله العزيز حفظا ورسما وتجويدا وقراءة. وإمـا أن يتجه الطفل إلى دراسـة علوم اللغة العربيـة وعلوم الديـن فيدرس الفقـه في منظـومة القرطبـي ومختصر الأخضـري وفي ابن عاشر والعشماويـة وإرشاد السالك وفي رسالـة ابن أبي زيد القيرواني وتحفة ابن عاصم ومختصـر خليل وفي اختصار الباجي للمدونـة وفي المدونة نفسها ومعيار الونشريسي ، ويدرس أصول الفقـه في ورقات إمام الحرميـن وفي جمع الجوامع وألفية العراقي وموافقـات الشاطبي، ويدرس مفردات اللغـة العربية والأدب العربي في ابن دريـد وفي المعلقات الست ومقامـات الحريري مع الاستعانـة بالقاموس وبعض المتون المتوفرة لدى الشيـخ، ويدرس النحو في الأجروميـة وملحة الإعراب وقطر الندى وألفية ابن مالك في شرحيه : البهجـة المرضية للسيوطي، وابن عقيل، ويدرس الصرف في لامية الأفعال، ويدرس العروض والقوافـي في الخزرجيـة والكافية، ويدرس التوحيد في البرهان وأم البراهين للسنوسي والسلاليجي وغيرهمـا، ويدرس علم الكلام في منظومة الجزائري وفي مقالات الأشعري، والسيرة في ابن هشام وفي الشفا لعياض، والمدح في ابن الموهـب والبوصيري والبدماصي، ويدرس الحديث والمصطلـح في موطأ الإمـام مالك وفي البخاري ومسلم وغيرهما،ـ ويدرس البلاغـة في المفتاح وفي تلخيص القزويني وفي أسـاس الزمخشري الـذي اقر تدريسه في نعمـة وتمبكتو، والمنطق في سلم الأخضـري، والتصوف والأخلاق في الحكم لابن عطاء الله وفي ألإحيـاء للغزالي، فإذا وصل الطالب إلى هـذا المستوى، يؤذن لـه بأخـذ تفسير القرآن الكريم عن شيخ ثقـة أخذ التفسير وأجيـز فيه، ويطلق عليه حسب المناطق لقب الفا أوفودي (Alfaa ou Foodiya) أي العالم الفقيه، ويتسلـم الإجـازة ويعمم عمامـة العلماء، ويسلم بعض المشايخ إجـازة عند الانتهاء من دراسة كل فـن من الفنون (الموارد الدراسية)، وهـذه الإجـازة تذكر سلسلة من الشيخ إلى المؤلف في أغلب الأحيان.
وهكذا كانت تضـم التعليم والتربيـة في غرب إفريقيا أيام ازدهـار الثقافة الإسلامية في فوتا ـ نـورو (السنغال وموريتانيا) وفوتا ـ جالون (غينيا) وماسنه (مالي) وبلاد الهوسـا (النيجر ونيجريا) ، وبلاد شنقيط (موريتانيا) وأرِوان وتادمكت (مالي) وفي أهير (النيجر) وكانم ـ بورنو (نيجيريا).
أمـا اليوم فقد تغير الوضع تماما عند البيضان والفلان، وأصبح من الصعب العثور على الحافظ المتقـن أو العالم المدقق فضلا عن العالـم الحافظ أي من يجمع معرفة القرآن واللغة العربية والعلوم الإسلاميـة في آن واحـد معرفة دراية وفهم.
وإلى جانب هذه العلوم الإسلاميـة، كثيرا ما يتلقى الطالب مبادئ الحساب الأولية قبل أن يبـدأ في دراسة علم الفرائض في الفقه، وقبـل أن يأذن الشيخ لتلميذه بالالتحـاق بأهله ليبدأ في التدريس، يعلمه مبادئ علم الهيأة (الفلك)، النجـوم والتوقيت، ويدربه على اسعتمـال الأوفاق والطلمسات، ويلقنه علم العـدد والحروف وطريقة استعمال أسمـاء الله واستخدام الأرواح الخفية، ويأخـذ عليه العهد بألاّ يسيـئ استعمال تلك الأسرار وألا يلجأ إليهـا في حالة الضرورة القصوى.
ومن المعـروف أن أكثر هذا النوع من الأسرار يدخل في باب السحـر، وقد أدخله بعض العلماء ضمن العلوم التي ينبغي على طلبة العلم أن يتعلموهـا ليتقوا بهـا مكـايد السحرة والكهان، وليستولوا بها إلى إثبات تفوق الإسـلام على الوثنيـة.
فقد كانت ولاته وتيشيت وشنقيـط وبوتلميت ونعمه ف يديـار البيبضان (موريتانيـا) وتيلون، وانفجلون وغيـد في فوتا ـ تورو، وتمبو ولابي ومومبي في فوتـا ـ جالون ومنطقة ميم وتندرمـا وأروان وتادمكت وتامبكتو وجاك وجـن وسوكولو وسانساندنع ومدينـة حمد الله ـ في القرن التاسع عشر فقـط (مالي) وتكدا في أهير، وكاتسنـا وسكت وكانو، وهي المراكـز العلمية التي ازدهرت فيها الثقافة الإسلامية ونشرت الثقافـة الإسلامي في المنطقة على تفاوت من أدوراهـا في حمل مشاعل النور إلى المناطق الجنوبية التي لم تلتحق بالركـب الإسلامي إلا مؤخرا، وقـد وصلت هذه الثقافـة إلى القمة في القرنين الثامن والتاسـع عشر الميلاديين، فكتاب الوسيـط وفتح الشكور ومنح الغفور فيمـا أهمله فتح الشكور، إن هذه الكتب الثلاثـة تعطينا فكرة عن مدى مساهمـة شعوب إفريقيا الغربيـة لإثراء الثقافـة الإسلامية وتأثير هـذه الثقافة على اللغات الإفريقية والثقافـة الإفريقية.
تأثير الثقافـة الإسلامية على الثقافات الإفريقية (النموذج الفلاني)
إن التلميذ يتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي والعالـي بلغته، لأن جميع الكتب المقررة في مـدارس تجويد القرآن في المجالس العلمية، الفت باللغة العربية وتفسـر له كلمة كلمة إلى لغته، ونرى كثيرا من كبار العلمـاء في المنطقة يعرفون اللغة الفصحى ويفهمون كل كتـاب ألف باللغة العربية ، ولكنهم عاجزون على إجـراء حديث باللغة العربية لأنهم كانوا في الحقيقـة أثناء تلمذتهم يدرسون لغاتهـم أكثر مما يدرسون اللغة العربيـة التي ألفت فيهـا الكتب المقررة.
ومن خـلال هذه الدراسة، تسربت المفردات العربية إلى لغات الشعوب التي حذقت الثقافة الإسلامية، كما تسربت إليهـا الأساليب العربية في التعبيـر، وازدادت تلك اللغات عنـى وثروة في المفردات ودقة وتهذيبـا في التعبير، وانتشر في أوساطهـا الأساطير والقصص العربية، وتأثـر الإنتاج الأدبي لهـذه الشعوب من شعر ونثر بالأدب العربي الجاهلي والأدب الإسلامي من صدر الإسلام حتى نهاية العصر العباسي تقريبا .
فقد بدأ الأفارقـة في جنوب الصحراء يؤلفون في اللغة العربيـة منذ استقرار الإسلام في المنطقة، وبدأت حركـة التدوين ابتداء من القرن الثالث عشر، وازدهرت في القرنين الخامـس والسادس عشر، وأفتوا في الفقه وأفتوا فيه وفي النحو والصرف وفي التصوف الإسلامي والأخلاق وفي التاريخ والسِّيـر، ونظموا قصائـد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الغزل والمفاخـرة والهجاء وفي موضوعات شتى، وفي هـذه الفترة ظهر « درر الحسان» في تاريخ ملوك السودان و« نيل الابتهاج» وعشرات من الكتب الأخرى لأحمد بابا السوداني، وفيها ألف تاريخ السودان للسعـدي، وفيها بدأ ألفا محمـود كعت تأليفـه الفتاش، وشرح ألفا عمر السنوسي لاميـة الأفعال في الصرف، كما ألفوا عـدة كتب أخرى لم تزل مخطوطـة في أيدي الناس حتى الآن وقد عثر في الفترة الأخيرة على مركز أحمد في تومبكتو على مخطوط هام في تراجم علماء بلاد السودان يعتبر تكملة لفتح الشكور ونيل الابتهاج، وهو كتاب« منَحُ الغفور فيما أهمله فتح الشكور»، وق شرع الدكتور محمود عبد الزبير في تحقيقه معي، كما أننا نرى ضرورة إعـادة تحقيق فتح الشكور.
ولعل أظهر مساهمة قام بها المثقفون في غرب إفريقيا أكثر من غيرهم في إثراء الثقافة الإسلامية هي تطويرها لذلك الفرع الهام من علوم القرآن الذي اصطلح علماؤهم على تسميته بالّرمِـز أي إحصاء كلمات القرآن ومعرفة عدد كل كلمة وردت فيه، وعدد الكلمات التشابهة في الرسم وفي النطق، وعدد الكلمات المتجانسة في الأحرف والأشكال، وقد قام حفاظ الفلان بتأليف عشرات من الكتـب في هذا الفن بالإضافة إلى الكتب التي ألفها علماء البيضان، ويعتبر هـذا الفرع هـذا الفرع من علوم القرآن علما أنتجه وطوره علماء بـلاد السودان، والكتب التي ألفت في هــذا الفن لم يطبع منها كتـاب واحد على ما أعلم، حتى يومنا هذا، وأنـا على يقين بأن طبع بعض هـذه المؤلفات ونشرها في الأوساط العلمية في العالم الإسلامي سيضـع حدا لهذه التضحية التي أثيرتا في الفترة الأخيرة حلول الإعجاز العدد للقرآن وستـدلنا على أن هـذا الاكتشاف المزعـوم الذي يروج لـه المتطفلون على علوم القرآن ، ودعـاة البهائية ليس له أي أسـاس علمي ، لأن أكثر الأعـداد التي استخرجوهـا لكلمات القرآن، وبنـوا عليها نظريتهم خاطئة.
ولم يتوقف الإنتاج الأدبي للأفارقة في غرب القارة في اللغة العربيـة فقط، بل أرادوا أن يجعلوا من الثقافـة الإسلامية ثقافـة جماهيرية، وترجموا الكتب الأدبية إلى اللغات الوطنية، واستعملوا الأحرف العربية لكتابة لغاتهـم وألفوا في هذه اللغات كثيرا من الكتب والقصائـد التي تُعـد بحق مساهمة فعالة في نشر الثقافـة الإسلامية في أوساط الجماهير المسلمة في المنطقة.
في سنـة 1828، ظهـر كتاب معدن السعـادة (أوغرد مللُ) باللغة الفلانية، وقـد ألفه نظمـاً ألفا محمد شامب ديالوا من قريـة مومبيي في فوتا ـ جالون (غينيا) وعلل كما يأتي سبب تأليفه لكتاب بلغته : « إن كثيرا من الفلان لا يفهمـون مـا يتعلمونه باللغة العربية، وسيظلون في شك( من دينهم)، والاعتماد على الشك في الفرائض والواجبـات غير مجد لا في القول ولا في العمل، ومن يطلـب اليقيـن والتخلص من الشك والارتياب، فليقرأ إذن باللغـة الفلانيـة هذا الكتاب مـن نظم هـذا الإنسان الضعيف، فكل ما يشمل معرفـة الأمور الشرعيـة حائز سواء كتب باللغـة الفـلانية أو باللغات الأخرى، فالمهم أن يتوصل به إلى معرفـة مقاصد الشرع».
وقد ضمـن ألفا محمد صامب كتـابه كل ما يحتاج المسلم إليه من العبادات والأحوال الشخصيـة والمعاملات والحدود.
ثم وضع تلميـذه محمد هلا في سنـة 1837 كتابـا في العقائد سماه بكبِ، و هو في الحقيقـة ترجمة للبرهـان وأم البراهين.
وفي سنة 1870 لخص محمد خير الدين مرورو سسمبا قرب مدينـة جيبـو ( بوركنا ـ فاسو) 13 كتابا ومنظومـة في التوحيد، منها البرهـان وأم البراهين ورتب كل ذلك حسب أوباب التتوحيتد، وترجمه إلى اللغـة الفلانيـة، وسما سرد بـرد، وهو يضم النص (جيالْ) والشرح ( يُرى) والهوامـش (سَلتْ)، وقد قمت بكتابـة هذا الكتاب بمساعـدة الأخوين جاجـي سسدبه وبُوبكـر اسنكورو، وصححنـا النسخة بمعاونـة أحد الحـذاق من حفظتـه، وبلغت صفحاته (727) مـن الحجم المتوسط.
وفي سنة 1813م دعـا الشيخ عثمان فودي من وورنـو ـ سكت ((Wurno Sokkoto في نيجيريـا أخـاه عبد الله وابنه محمـد بالو وقال لهمـا: أرأيتمـا أنكمـا تنتميان إلى أسـرة يرأسهـا ويدير شؤونها عـمّ لكما، وللأسرة مزرعة يشترك جميع أفرادها القادرين في حرثها وسقيهـا، هل تخرجـان معهم للمساهمة في هذا العمل الجماعي الذي يقومون به؟ فقـالا: نعـم إننا نخرج ونساهـم حسب مقدرتنا، فقال هل يمنعكما من أداء ما عليكمـا من واجب نحـو الأسرة المشتركة عن القيـام بعمل جماعي لتتمكنـا من تلبيـة بعض الحاجـات الضروريـة في أسرتيكمـا الخاصتين؟ كإعـداد مزرعـة صغيرة تعتنيـان بها في أيـام الراحة وأوقات الفراغ، وقالا، لا، فسألاه أن يفصح ويريدهمـا بيانا، فقال: إنه، أي الشيخ نفسه، وهما: عبد الله فودي ومحمـد بللو ينتمـون إلى الأمة الإسلامية، واللغـة العربية هي لغـة الأمة بأسرهــا، هي لسان العرب خاصة ، وأنهم قـد تعلموهـا وأتقنوهـا وألفوا بمجموعهـم عشرات الكتب فيها، وهـذه اللغة إذن بمثابة المزرعـة المشتركـة للأسرة جميعا، فقد أدوا واجبهـم إزاءهـا ولكنهم أهملوا اللغـة الفلانيـة التي هي لغتهم ولغـة آبائهم وأجدادهـم، وهي بمثابة المزرعـة الخاصة التي يجب عليهم العنايـة بها إلى جانب عنايتهم باللغـة العربية، فعليهم أن يدرسوهـا ويؤلفوا فيها كتبا، كمـا فعلوا بالنسبـة للغة العربية، فقـام الشيخ عثمان فودي بترجمـة مختصر الأخضـري في العبادات إلى اللغـة الفلانية، ونظم ق”صائـد كثيرة في الفقه والتصوف والسيرة والأخـلاق في هـذه اللغة، وقـام أخوه عبد الله بعمل مماثـل، وترجم عـدة مقامات من مقامـات الحريري إلى اللغـة الفلانية كما ترجـم من كتابه ضيـاء التأويل عـدة أجزاء في السير إلى هـذه اللغة.
وقبل هـؤلاء ، قـام ألفـا سعيد مـن ما سنيـه بتأليف كتاب في الفقه سمــــــــــــــاه : دوكُـل ذوكـُو (Dokkal Dkko) أي منحة المعطي، وجمـع فيه المسائل الفقهيـة الواردة في مختصر خليل والمدونة، وهـو يقع في أكثر من خمسمائـة صفحة، وتوجـد منه نسختان في قريـة توكــــــــــــو « Tooko» بالقرب من تينتع ( Tenegon) في مالي.
وقد قـام شعبـا السوننكـه والهوِسـا في هـذا الميدان بأعمال مماثلة لما قام به الشعب الفلانـي.
وفي أواخـر القرن التاسع عشر، نظم الشيخ محمـد علي شـام قصيدته الرائعـة في حياة الحاج عمر الفوتـي باللغـة الفلانيـة، وقد ترجمها وعلق عليهـا ونشرها حاكم السنغال الفرنسي فـادن ، وتعتبر هـذه القصيدة أحسن مرجـع يعتمد عليه في معرفـة حياة الحاج عمر الفوتي.
ولا أنسـى بالذكر العلامـة الفا سامب من قريـة ماسنيه الواقعـة في منطقـة بَـاغرْمـي ، وقد التقى به الرحالة بـَارْت وتحدث معه طويلا أمــام كوخه ووصفه بأنه يعـرف كل العلـوم التي كانت تـدرس في القرون الوسطـى، وكان مطلعـا على جميع أعمال سقراط زوأفلاطـون وأرسطوطاليس، وقـد عثر أحـد المشايخ عام 1962 م على جـزء من مكتبته فـي منطقة برنـو، وهي تضم جـزءا هامـا من مؤلفاته التي ما زالت مخطوطة.
إننــي لأتمنى من كل قلبي ، أن تنبثق خطة عملية لجمـع هذه المخطوطات المتناثرة في غرب إفريقيـا وتصنيفهـا لتناولها بالدرس والتحقيق الباحثون.
إن تحقيق هذا الأمل ليُعـدُّ مساهمة فعالـة فيمـا نصبوا إليه من التفاهـم المتبادل بين العرب والأفارقـة في إطـار وحدة الأمة الإسلامية المسنودة.

المصدر: مجلة دعوة الحق، العدد 266 محرم 1408/ غشت 1987

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى