المؤسسات الصوفية وتحصين الأمن الروحي بالصحراء المغربية
ألقيت هذه الكلمة خلال الندوة العلمية الدولية التي نظمها، بفاس، موقع الثوابت الدينية المغربية الإفريقية بالتعاون مع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع “قول العلماء في الثوابت الدينية المغربية الإفريقية”، يومي السبت والأحد 25 و26 ذي القعدة 1443هـ الموافق لـ 25 و26 يونيو 2022م.
الحمد الله الذي جعل الصفاء للإيمان عنوانا، وطهارة القلوب على سلوك طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم دليلا وبيانا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، ﴿رب اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي﴾.
بداية أود أن أشكر موقع الثوابت الدينية ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة على استدعائي لهذ الندوة المباركة الموسومة بــ « قول العلماء في الثوابت الدينية».
أما بعد، تأسست بالصحراء المغربية[1] شأنها في ذلك شأن بقية المناطق المغربية عدد من الرباطات والزوايا الصوفية التي تحمل أسماء الأولياء والصالحين، الذين نزحوا في القرون الماضية من شمال المغرب ووسطه واستقروا في الجنوب وفي بقاع الصحراء لممارسة الجهاد وتعليم الناس مبادئ العقيدة وهدايتهم إلى الصلاح والفلاح. هذه المؤسسات رغم كثرتها بالمنطقة، واختلاف طرقها الصوفية (الشاذلية، التيجانية، القادرية، الفاضلية …) تمثل الدعامة الأساسية للحفاظ على الأمن الروحي المرتكز أساسا على وحدة العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني، ويقول في هذا الصدد الإمام عبد الواحد بن عاشر (ت سنة 1080ﻫ) في منظومته:
في عقد الأشعري وفقه مالك ** وفي طريقة الجنيد السالك
وساهمت هذه المؤسسات أيضا -خاصة الزوايا- منذ ظهورها بالصحراء المغربية في الجهاد والدفاع عن التراب المغربي ووحدته الوطنية، من خلال إبراز مدى تعلق ساكنة المنطقة بمؤسسة إمارة المؤمنين التي تعد الضامن لاستمرار الأمة واستقرارها.
فهذه محاولة لمعرفة الرباطات والزوايا بأرض الصحراء المغربية، ودورها في تحصين الأمن الروحي. وقد قسمت هذا الموضوع إلى محورين: المحور الأول: مؤسسات الصوفية التي عرفتها الصحراء المغربية، والمحور الثاني: دور هذه المؤسسات في تحصين الأمن الروحي بالصحراء المغربية، لكن قبل مباشرة الموضوع والغوص فيه لابد لنا من التعريف بأهم المؤسسات الصوفية (الرباط، والزاوية…)، وبالأمن الروحي.
أولا: تعريف الرباط
شكلت الرباطات مظهرًا أساسيًا من مظاهر التطور الحضاري والعمراني التي اقترنت نشأتها في بلاد المسلمين بعصر الفتوحات، ثم تطورت باعتبار أن هذه البلاد كانت أرض جهاد ومرابطة ومثابرة[2].
أ. الرباط لغة: الرباط لغة كما ورد في لسان العرب مصطلح مشتق من فعل «ربط الشيء يربِطه ويربُطه ربطا فهو مربوط وربيط: شده، والرباط: ما رُبط به، والجمع رُبُطٌ، وربَط الدابة يربِطها ويربُطها ربطا وارتبطها، وفلان يرتبط كذا رأسا من الدواب، ودابة ربيط: مربوطة. والمربط والمربطة ما ربطها به، والمربط موضع ربطها، وهو من الظروف المخصوصة ولا يجري مجرى منزلة الولد»[3].
ب. الرباط اصطلاحا:
ويطلق في اصطلاح الفقهاء والصوفية على شيئين[4]:
– أولهما: البقعة التي يجتمع فيها المجاهدون لحراسة البلاد ورد هجوم العدو عنها.
– والثاني: عبارة عن المكان الذي يلتقي فيه المؤمنون الصالحون لعبادة الله وذكره والتفقه في أمور الدين.
ثانيا تعريف الزاوية
عرفت الزاوية بكونها عبارة عن «مدرسة دينية ودار مجانية للضيافة، وهي بهذين الوصفين تشبه كثيرا الدير في العصور الوسطى»[5]. ومن الباحثين من اعتبرها بمثابة «مكان للعبادة، وإيواء الواردين المحتاجين وإطعامهم»[6]، أو «عبارة عن موضع الجهاد والاجتماع أو مظنة لهما، دائما أو غالبا أو قليلا»[7]. أو تعني «المكان الذي يجتمع فيه شيخ مع أتباعه ومريديه وتلاميذه، ومكانا يتخذ للعبادة والتعليم، كما يتخذ للإطعام والإيواء، وقد يتخذ للتعبئة والجهاد حين يقتضي الأمر ذلك»[8]. ومنهم من عدها «مؤسسة اجتماعية اقتصادية ذات أساس ديني».