ثورة علمية قادمة؟ كيف قلب الذكاء الاصطناعي موازين البحث العلمي!

غوغل تطلق “العالم المساعد”.. والنتيجة: اختصار عقد من الأبحاث إلى يومين!
في تطور علمي مذهل، تمكن الذكاء الاصطناعي من حل لغز علمي استغرق العلماء عقدًا كاملًا لفهمه خلال يومين فقط. فقد طورت شركة “غوغل” نظام ذكاء اصطناعي جديدًا أطلق عليه اسم “العالم المساعد” (Co-Scientist)، وهو نظام يعمل كمساعد رقمي للباحثين، قادر على اقتراح أفكار ونظريات وتحليل البيانات العلمية.
عمل فريق من الباحثين في إمبريال كوليدج لندن لأكثر من عشر سنوات لدراسة كيفية اكتساب بعض أنواع البكتيريا القدرة على مقاومة المضادات الحيوية، وهي مشكلة متزايدة تهدد الصحة العامة عالميًا، حيث يُتوقع أن تودي هذه “البكتيريا الخارقة” بحياة الملايين بحلول عام 2050. من خلال استخدام الأساليب البحثية التقليدية، تمكن العلماء من فهم الآلية التي تعتمدها البكتيريا لاكتساب حمض نووي جديد يجعلها أكثر شراسة. وكانت نتائج هذا البحث في طور النشر في المجلة العلمية المرموقة “سيل” (Cell). لكن بعد اكتمال الدراسة، قرر الفريق العلمي التعاون مع “غوغل” لاختبار قدرة الذكاء الاصطناعي على اقتراح فرضيات جديدة، فتم تزويده ببيانات قليلة فقط حول الدراسة، وطلب منه تقديم أفكار حول كيفية تطور مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.
ما حدث بعد ذلك كان صادمًا. اقترح الذكاء الاصطناعي الفرضية الصحيحة كأول إجابة له خلال 48 ساعة فقط، وهي نفس النظرية التي توصل إليها الباحثون بعد سنوات طويلة من العمل المضني. البروفيسور خوسيه بيناديس، أحد قادة البحث، عبّر عن دهشته البالغة بقوله: “لقد عملنا لسنوات لفهم هذه الظاهرة، ثم جاء الذكاء الاصطناعي وقدم لنا الإجابة الصحيحة مباشرة. كان الأمر صادمًا.” أما الدكتور تياغو دياز دا كوستا، أحد الباحثين المشاركين، فقال: “إنها عشر سنوات من الأبحاث تم تلخيصها خلال يومين فقط بفضل الذكاء الاصطناعي.”
وعلى الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على اقتراح الفرضيات الصحيحة، إلا أنه لا يزال غير قادر على تنفيذ التجارب المخبرية لإثبات صحتها، وهي العملية التي استغرقت سنوات من العمل البشري. غير أن توظيفه في المراحل المبكرة من البحث قد يُحدث ثورة في طريقة إجراء الدراسات العلمية، إذ إن نحو 90% من التجارب المخبرية عادةً ما تفشل، ولو توفرت الفرضية الصحيحة منذ البداية، لتم توفير سنوات من العمل وأموال ضخمة من تمويلات البحث العلمي التي تأتي غالبًا من أموال دافعي الضرائب.
لم تتوقف تجربة “العالم المساعد” عند إمبريال كوليدج، فقد تم اختبار التقنية أيضًا في جامعة ستانفورد ومركز هيوستن ميثوديست الطبي في الولايات المتحدة، حيث تمكن النظام من اقتراح علاج محتمل لتليف الكبد باستخدام دواء مخصص لعلاج السرطان، وهو اكتشاف قد يفتح الباب أمام علاجات جديدة للأمراض المستعصية. وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن الباحثين يرون أنها قد تُحدث تحولًا جذريًا في منهجية البحث العلمي، مما يسرّع الاكتشافات ويقلل من التكاليف والجهد.
حكومة المملكة المتحدة تسعى بدورها إلى تعزيز دور الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، إذ خصصت وزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا 4.8 مليون جنيه إسترليني لدعم 23 مشروعًا بحثيًا حول استخدام الذكاء الاصطناعي في العلوم، بما في ذلك مشاريع في جامعات باث وشيفيلد. وفي خطوة أخرى، ستتم تجربة دمج الذكاء الاصطناعي في عملية مراجعة الأبحاث العلمية، وهي إحدى أكثر المهام استهلاكًا للوقت في المجتمع العلمي، على أمل أن يسهم ذلك في تسريع الاكتشافات العلمية وزيادة الشفافية في الأبحاث. وإذا تمكن الباحثون من إثبات أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تعزيز المصداقية والشفافية في العلوم، فقد يكون ذلك خطوة كبيرة نحو تحريرهم من المهام الروتينية، مما يسمح لهم بالتركيز على جوهر البحث العلمي الحقيقي.