جامعة أمريكية تحتفي بالإرث اليهودي المغربي: تراث مشترك وحوار عابر للثقافات

في أجواء أكاديمية غنية بالطرح والنقاش، نظّمت جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية ندوةً خصصت لموضوع العلاقات التاريخية والثقافية بين المسلمين واليهود في شمال إفريقيا، وبشكل خاص في المغرب. تميز اللقاء بمشاركة باحثين وأكاديميين وفنانين مغاربة وأجانب، وتناول كيف شكّلت التجربة المغربية نموذجًا فريدًا في التعايش والحفاظ على التراث المشترك.
الندوة افتُتحت بعرض وثائقي مؤثر بعنوان “زيارة”، للمخرجة المغربية اليهودية سيمون بيتون، استعرضت فيه رحلتها إلى مزارات الأولياء اليهود المعروفين بـ”الصّدّيقين” في أنحاء متفرقة من المغرب. وقدّمت الفيلم الدكتورة زهور رحيحيل، الخبيرة الدولية في التراث اليهودي المغربي، التي رافقت بيتون في تلك الرحلة وساهمت بدورها في ترميم هذه المزارات.
زهور رحيحيل، التي تعد أول محافظة مسلمة لمتحف يهودي في العالم، تحدّثت عن متحف التراث الثقافي اليهودي المغربي بالدار البيضاء، الذي تأسس سنة 1997 بمبادرة من أربعة من قيادات الطائفة اليهودية المغربية: سيرج بيرديغو، شمعون ليفي، جاك طوليدانو، وبوريس طوليدانو. وأكدت أن هذا المتحف ليس مجرد فضاء لتوثيق الماضي، بل جسر يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويُعتبر استثناءً في العالم العربي الإسلامي.
وذكّرت رحيحيل بإنجازات مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي منذ تأسيسها سنة 1995، وعلى رأسها ترميم البِيَع (المعابد) والمقابر، وإطلاق متاحف محلية في مدن كمكناس، طنجة، الجديدة، مراكش وغيرها، إضافة إلى إدماج هذا الموروث في النسيج المدني من خلال الشراكات مع وزارات التعليم والسياحة والمتاحف العالمية.
وفي مداخلتها، شدّدت مها مروان، أستاذة الفنون الحرة بجامعة بنسلفانيا، على الدور التاريخي الذي لعبه المغرب في حماية يهوده خلال الحرب العالمية الثانية، عندما رفض الملك محمد الخامس تنفيذ الإملاءات النازية ضدهم. واعتبرت أن هذا الجزء من التاريخ المغربي “غالبًا ما يُهمل في الخطاب الغربي”، مشيدة بفرادة النموذج المغربي الذي يمنح المسلمين واليهود، وسلالاتهم، المواطنة الكاملة، وهو “ليس مجرد وضع قانوني بل ثقافة مجتمعية راسخة”.
كما شهدت الندوة مشاركة فنية لافتة، من خلال أداء الفنانين نيطع القائم وعميت حاي كوهن، وهما من عائلتين يهوديتين مغربيتين، قدّما مقطوعات مستوحاة من التراث الموسيقي المغربي المشترك، في مشهد يجسّد التلاقي الثقافي بين الديانات في المغرب.
الندوة نظّمت بمبادرة من الأستاذة مها مروان، وبتعاون مع جوناثان بروكوب، مدير الدراسات الدينية، ونينا سافران، مديرة دراسات الشرق الأوسط بالجامعة. وأجمع المشاركون، بمن فيهم أساتذة أميركيون، على أهمية تجربة المغرب في حماية الإرث العبري ضمن العالم العربي، معتبرين أنها تمثل جسرًا حقيقياً للحوار والتفاهم المستقبلي بين الثقافات والأديان.