ندوات ومحاضراتslider

رسالة الجمعة: العشر الأواخر من رمضان.. الفرصة التي لا تعوّض

الحمد لله الذي فتح لعباده أبواب الرحمة، ومد لهم في مواسم الخيرات، وجعل العشر الأواخر من رمضان خير أيام الدهر، فيها ليلة خير من ألف شهر، يفوز فيها الصادقون، ويخسر فيها الغافلون. نحمده سبحانه ونشكره، ونشهد أن لا إله إلا الله، شهادة نرجو بها النجاة، ونشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، سيدُ العابدين، وأفضل القائمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمابعد،

تحل العشر الأواخر من رمضان، وتبدأ معها أيام هي من أعظم الليالي في ميزان الزمن، حيث تتفتح أبواب الرحمة، ويتنزل الخير، وتُكتب فيها الأقدار. هذه الأيام لم تكن تمر مرورًا عاديًا في حياة النبي ﷺ، بل كانت نقطة التحول في شهر الصيام، إذ كان يزيد فيها من العبادة ويعتكف في المسجد، فلا يضيع لحظة من لحظاتها الثمينة.

لقد حملت هذه العشر معها فرصة لمن تأخر، ومن غفل، ومن لم يستثمر أيام رمضان كما ينبغي، إذ يبقى الأمل قائمًا في تعويض ما فات، وإدراك النفحات الإلهية التي تتنزل في لياليها، خاصة ليلة القدر التي وصفها الله بأنها “خير من ألف شهر”.

العشر الأواخر.. قلب رمضان وروحه

تعتبر هذه الأيام جوهر وروح رمضان، فمن دخلها دون أن يدرك حقيقتها فقد فوّت خيرًا كثيرًا. كان النبي ﷺ، وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يجتهد فيها كما لم يجتهد في غيرها، فيطيل الصلاة، ويكثر من الدعاء، ويحيي الليل بذكر الله وقراءة القرآن. لم تكن مجرد أيام أخرى تضاف إلى الصيام، بل كانت موسمًا إيمانيًا مكثفًا، وساعات لا تعوّض من الصفاء الروحي والسمو القلبي.

في هذه الأيام، ترفع الأقدار، وتوزع الأرزاق، ويكتب السعداء في صحائف العتق من النار، فمن كان عاقلاً، لم يضيع دقيقة من لياليها، ولم يسمح للانشغالات الدنيوية أن تسلب منه فرصة لن تتكرر إلا بعد عام، وربما لا تعود أبدًا.

ليلة القدر.. لحظة تُغير المصير

حين وصف الله ليلة القدر بأنها خير من ألف شهر، لم يكن ذلك مجرد تعبير بلاغي، بل حقيقة رقمية وروحية، تعني أن عبادة ليلة واحدة تعادل عبادة ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. في هذه الليلة، تتنزل الملائكة بأمر الله، ويحمل جبريل عليه السلام معها الرحمة والمغفرة لمن اجتهد وأخلص.

ومع ذلك، تمر هذه الليلة على الكثيرين كما لو كانت ليلة عادية، فينشغل بعضهم باللهو، أو ينامون عنها، غير مدركين أن هذه الساعات قد تكون الفرصة الأخيرة لتغيير مصير كامل، لمحو الذنوب، وفتح صفحة جديدة مع الله.

ماذا يمكن أن يُفعل في هذه الليالي؟

إن من أعظم ما يمكن القيام به في العشر الأواخر هو قيام الليل، والدعاء، والاعتكاف، والصدقة، والإكثار من الاستغفار. لا تتطلب هذه الأعمال طاقة خارقة، لكنها تحتاج إخلاصًا وصدق نية. فقد تكون ركعتان بخشوع، أو دعوة صادقة من قلب منكسر، أو دمعة في جوف الليل، هي السبب في كتابة اسم صاحبها في ديوان العتقاء من النار.

وفي هذه الأيام، تصفو القلوب، وتصبح العودة إلى الله أقرب، فالأبواب مفتوحة، والرحمة واسعة، والفرصة لا تزال قائمة. وما أعظم الخسارة إن مرّت هذه الأيام دون أن تُكتب فيها مغفرة ذنب أو إجابة دعاء!

نهاية رمضان.. ليست نهاية الطريق

مع اقتراب نهاية الشهر الفضيل، يبقى السؤال: هل ستكون العشر الأواخر نهاية مرحلة من العبادة، أم بداية لعهد جديد مع الله؟ من استفاد منها، وجد نفسه أقرب إلى الخير، وأكثر تعلقًا بالصلاة، وأكثر رغبة في الاستمرار في الطاعة حتى بعد رمضان.

العبرة ليست فقط في كثرة العبادة، ولكن في صدقها، وتأثيرها على القلب، وفي جعلها وسيلة للتغيير الحقيقي الذي يستمر لما بعد الشهر الفضيل.

في الختام.. هل من مستفيد؟

الفرص العظيمة لا تأتي كل يوم، وهذه العشر هي أعظم فرصة تمنح في العام، فمن اقتنصها، فقد فاز بنعمة لا تقدر بثمن، ومن غفل عنها، فلن يلوم إلا نفسه. فلعل سهرًا في عبادة، أو ركوعًا في خشوع، أو صدقة في خفاء، تكون سببًا في كتابة اسم صاحبها في قائمة الذين رضي الله عنهم، وكتب لهم الخير في الدنيا والآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى