قصة الجالية الأندلسية في المغرب – 1
تجاوز عددهم ثلاثة ملايين حسب بعض الروايات أو تجاوز (المليون) ولكنهم ظلوا يمثلون شعبًا عريقًا يستحيل تدميره. وانتشروا في العالم كله، فقد حملتهم السفن (بأسماء) إسبانية مسيحية إلى أمريكا الجنوبية، وإلى جزز الهند الشرقية، وإلى جنوب إفريقيا. وكانوا يعيشون (أمراء) البحر الإسباني بتقارير ضافية وخرائط بحرية علمية، فاكتشفت إسبانيا العالم الجديد، بفضل تقاريرهم ومغامراتهم. ونسبت تلك الكشوف إلى أمراء البحر المشهورين.
الأستاذ والمؤرخ الحسن السائح
كانوا يؤثرون أن يسموا بالأندلسيين، وكان المؤرخون العرب يسمونهم بالمهاجرين الأندلسيين، وأحيانا يُلقبون بالغرباء. أما المسيحيون فكانوا يُلقبونهم (بالموريسكوس) وأحيانا (بالمدجنين) وهم الذين كانوا موزعين في إسبانيا قبل سقوط غرناطة وضواحيها، والذين يعيشون في كنف الممالك الإسبانية منذ عهد المرابطين، وكانوا أرقى حضارة من المسيحيين.
وكلمة (الموريسكوس) — Mariscos تصغير لكلمة Maros وهو لقب يطلق على جميع المسلمين الذين كانوا يحكمون الأندلس ثم غُلبوا على أمرهم فصُغر اسمهم تهوينا لهم.
وأصل هذه الكلمة بربري من (أمور) وتعني المغرب، ودخلت اللغة اللاتينية فأصبحت كلمة Mauri – Maurus تعني سكان المغرب، حيث كان جنوب المغرب يسمى بموريطانيا، ومنذ القديم أطلق سكان (لبيريا) كلمة (موريطانيا – تنزانيا) على المغرب العربي ثم أصلح الوافدين عليهم من هؤلاء يسمون (بالمورس) مختصرا عن موريطانيا، أخيرا أطلقوا هذا الاسم على كل عربي ومسلم، لأن المغرب باب الوافدين على إسبانيا، ولهذا فتُترجم إلى عارب أو متعرب..
أما كلمة (الموريسكوس) فتعني المسلمين والعرب (والمدجنين) الذين ظلوا منتشرين في إسبانيا والبرتغال قبل سقوط غرناطة، وأصلها (مور) وهي بربرية الأصل من (أمور) وتعني المغرب.
لقد كان أجداد هؤلاء جميعا بناة الحضارة الإسلامية في أوروبا بصفة عامة… وفى الأندلس بصفة خاصة.. بعد حروب الاسترجاع المتعصبة أخذت تتداعى العواصم الإسلامية في الأندلس واحدة بعد أخرى.. وأخيرا فقد المسلمون غرناطة وضواحيها العظيمة، فسُلبوا من الاستقلال الذاتي والحرية السياسية، ونتج عن ذلك الهوان والاستسلام، والفقر والضعة، وتَحمُّل شتى أنواع العيش من يد الأعداء المنتصرين.
وإذا كان عالمنا المعاصر بما فيه من وسائل الإعلام المتعددة الاتجاهات، في كل بلاد، وبما يتوفر عن الإنسان وحقوق المواطنين.. إذا كان هذا العالم يرزح تحت نير الظلم والاضطهاد، ومآسي التهجير والنفي الجماعي، فما أحرى أن يكون أولئك المنهزمون من فلول الأندلسيين المسلمين الذين سقطوا تحت وطأة الدونية يد خصوم متعصبين من رجال الكنيسة وبالأخص من رهبانية (الجزويت) والفرق المتعصبة وبالأخص كذلك من الذين لم يكونوا رجال دين مسيحي بقدر ما كانوا حاقدين متعطشين إلى الدماء تحت ستار ديانة الرحمة والمحبة، والإيمان والزهد.. فما أحرى أن يلاقي هؤلاء المسلمون من صنوف القتل والتعذيب والضعة والهوان دون أن يتحرك أحد لنجدتهم والتشهير بأعمال أعدائهم، وكشف القناع عما يلاقون من عذاب.
لم يكتفِ المنتصرون من سلب المنهزمين المسلمين أموالهم وديارهم ومتاعهم وتوزيعهم في البلاد وحرق كتبهم ووثائقهم ومن أمر بتغيير زيّهم وعاداتهم، ومحو تراثهم وتعطيل أعرافهم.. بل أمروهم أن يتخلوا عن معتقداتهم التي كافحوا من أجلها قرونا بل لم يكتفوا بذلك، فأمروهم باعتناق المسيحية إذ بدت مصلحة في تعميدهم ثم اتهامهم بالصبوة إلى دينهم ليعملوا خدما في حقولهم.. أخيرا شق على هؤلاء المنتصرين أن ينظروا إلى هؤلاء الذين يحمل وجودهم تاريخا عظيما، فشردوهم في البلاد، وقطعوهم في الأرض أمما، وقدموا بهم إلى البحر ليلاقوا من قرصنتهم ما بقي عليهم أن يلاقوا من المحن بعد أن سلبوهم ما لهم من مال ومتاع، وقدرة صحة على مواجهة الخطوب.
وما تزال الحفريات الإسبانية تطالعنا من حين لآخر عن كشوف المقابر الجماعية لهؤلاء المعذبين في الأرض.. وقد نقلت إلينا Le Matin de Paris في شهر يوليو آخر هذه الكشوف.
لقد سلطت الكنيسة محاكم التفتيش أو ديوان التحقيق الذي أعطى صفة القداسة وتأييد العرش الكاثوليكي على هؤلاء، فعذبتهم سرا وعلانية بما أسبغه الخيال المسيحي على محترفي المسيحية.. فكانت أعظم مأساة عاشها (الإنسان المسلم) في بلاد لم يقدم لها إلا ثمرة حضارة إنسانية سامية.
وتبدأ مأساة الموريسكوس، عندما سقطت غرناطة في يد إيزابيلا وفرديناند، حيث شعر الشعب المسلم ببداية المأساة رغم الوعود الكاذبة باحترامهم، وأخذ كثير من المسلمين يغادرون بلادهم إلى المغرب كلما تنكر لهم الدهر، كما وقع يوم ثورة (الريض) على الحكم الأموي.. ووصف لنا مؤلف (أخبار العصر في انقضاء دولة بني نصر) المؤلف سنة 947 هـ – 1540 م هجرة الأندلسيين بعد سقوط غرناطة حيث كانوا يتركون ديارهم إلى بلاد المغرب في (جماعات) تستقر كل واحدة منها بمدينة من المدن المغربية، بعد أن يبيعوا ما خف من المتاع بأبخس الأثمان، فيؤثرون السكن في المغرب (بالمدن) الصغرى أو (القرى) وأحيانا المدن المهجورة حتى يستطيعوا أن يكونوا مجتمعا ملائما لحياتهم.. فسكان مالقة اختاروا مدينة (باديس)، وأهل مَرْية مدينة تلمسان، وأهل الجزيرة مدينة طنجة، وأهل بلش مدينة (سلا)، وأهل طريف مدينة (آسفي وأزمور).. واستأذن المنظري في تعمير مدينة (مرتيل) وبناء مدينة (تطوان).
إن هجرة هؤلاء جميعا بعد سقوط غرناطة دليل على شعورهم بما سيلقون على يد (الكنيسة) المتلهفة إلى السفك والتعذيب والوقيعة بالمسلمين وسلب ثروتهم، واستغلال مقدرتهم وعملهم ثم تشريدهم ونفيهم.
لقد كانت الفترة الأولى من سقوط (غرناطة)، فترة اعتدال سياسي أراد بها (فرديناند وإيزابيلا) أن يهضما إلى حين (الانتصار الكبير) لينقضا على الفريسة بكل قواهما.. كما كانت فترة اندماج بعض عناصر البرجوازية الغرناطية التي اختارت اعتناق المسيحية والتخلي عن المسلمين، وهي جماعة من الأمراء والوزراء والمترفين.. الذين تنكروا للشعب الغرناطي المسلم وأخلصوا بعد ذلك للمسيحية والعرش الإسباني..
وبعد هذه المرحلة أصبح من السهل أن تُدمر (معاهدة السلام) التي أعلناها (فرديناند) و (إيزابيلا) قبل تسليم غرناطة والتي يلتزمان فيها بتأمين المسلمين على أنفسهم وامتعتهم واحترام دينهم وشعائرهم.. فقد كانت مجرد عهود كاذبة.. وخداع ليستسلم المسلمون بعد أن عجزت السلطة المسيحية عن مقاومتهم وتفريق كلمتهم، حتى إذا اطمأن إلى ضعفهم سَلّط عليهم الكردينال خمنيس بتنظيم الإرهاب (العقائدي والديني) وقتل (النخبة)، وإحراق الكتب والخزائن، وتدمير الجماعة الإسلامية بالنفي والتهجير والتعذيب.. بعد استنزاف طاقاتها وقدراتها الفكرية والمالية والأدبية.
لقد أدان المؤرخون المسيحيون أنفسهم أعمال (خمنيس) الإجرامية.. ولكنها إدانة (لفظية) فقط، فما يزال خمنيس يعتبر في تاريخ رجال الكنيسة الإسبانية من الآباء الروحيين، وهو الذي حاكم (الكتب) الإسلامية كما حاكم المسلمين، وأحرقها كما أحرقهم، وأباد أمجاد ثقافة إنسانية ليحل مكانها الاسترقاق والظلم، والاغتصاب والجهالة والانحراف.
وهكذا ظهر (الموريسكوس) كشعب مسلم يقاوم في السر والعلن مظاهر الإبادة الفردية والجماعية في إصرار لا مثيل له. فلجأت الكنيسة والعرش الإسباني إلى الإغراء وذلك بالإبراء من القيود المفروضة على الموريسكوس على كل من تنصر، تلك القيود التي تعني (ضريبة الرأس) و(الغرامة) المفروضة على كل الموريسكوس.. ومضايقتهم جمعا بالدخول على منازلهم في كل وقت وحين، وعدم الاعتراف بعقودهم المحررة باللغة العربية، وفرض الخدمة عليهم وعدم السماح بتنقلهم، ومنعهم من حمل السلاح، وإقامتهم بحي خاص بهم. وفعلاً تنصر سكان حي الموريريا Moreria في غرناطة وبسيطة وأهل وادي الكرين، عساهم بنجون من العذاب. ورغم هذه (المؤامرة) الهادفة إلى إبادة الشعب المسلم.. فقد ظل (الموريسكوس) صامدين في وجه الكنيسة والحكم الإسباني.. فقرر ملك إسبانيا سنة 904 هـ إجبار التنصير..
ولجأ (الموريسكوس) إلى مذهب (التقية) الشيعي، فتظاهروا بالمسيحية واستبطنوا الإسلام، وكان العالم الإسلامي في صبي الانحدار فلم يستطع استنهاض الهمم لمقاومة (التنصير) ولم يزد الكتاب والحكام من ترديد الآهات على ديار الإسلام !!!!
وأعلن ملك المسيحيين في إسبانيا أن (الإسلام بها) ولهذا فلا عهد بينه وبين المسلمين، فمن يشاء أن يتنصر، ومن شاء فليدخل إلى عالم الجحيم.. أو يهاجر إذا استطاع أو سُمح له بالهجرة.
ووجدت الكنيسة الفرصة مواتية لاستبعاد (هذا الشعب) ولهذا فقد كان مبدأ (التنصير) يخفي أعظم جريمة عرفها التاريخ، وهي جريمة إبادة شعب والقضاء على حضارة أنقذت أوروبا من التخلف الفكري والديني والثقافة البدائية وعصر السحر والكهانة.. ولذلك فقد حرر (ديسا) المحقق العام تشريعا لحرب الإبادة وسماه (محكمة التفتيش) أو (ديوان التحقيق أو التفتيش) يضم لجنة ملكية للتحقيق، كما هو الشأن في (قرطبة).. وكانت (محكمة التفتيش) تعني الظلم والافتيات والتآمر، والإهانة واغتصاب النبلاء والجيش وحتى الرهبان لأعراض المسلمات.. كما كانت وسيلة لاستعباد الناس وعملهم بدون مقابل إلا بالاحتقار والإهانة..
ووجدت (الموريسكوس) أنفسهم أمام مؤامرة جديدة فقرروا (الثورة) الداخلية.. و(الاستعانة) بتدخل الدول الإسلامية ومؤازرتها ومساعدتها من جهة الشواطئ الإسبانية.
فقد لجأ القاضي ابن الأزرق إلى تونس ومصر لطلب المعونة من قبل، ولكن الخلافات بين رؤساء الدول الإسلامية في مصر وتونس، والخلافة العثمانية حالت بين التدخل الفعلي، ولم يزد الخليفة العثماني عن ارسال وفد يطلب من السلطة المسيحية المتغطرسة بحق الرعاية فكان الرد ببعث وفد لتطمين الملوك المسلمين على مصير (الموريسكوس) المنكوبين !
وركب (الموريسكوس) الطريق الصعب، وأعلنوا الثورة التي ذكّرت (المسيحيين) بأمجاد المسلمين الحربية.. فأُخمدت الثورة بإعلان العفو عن الثوار شرط اعتناق المسيحية في ظرف ثلاثة أشهر، أو مغادرة إسبانيا متنازلين عن أملاكهم.
وبعد ذلك مارست محاكم التحقيق أبشع صنوف الإرهاب والتزوير وتلفيق الحجج وانتزاع الاعترافات بالخديعة والمكر، وقبول شهادة الأطفال والعبيد والنساء وأعداء المتهم إذا كانت عليه علامة بل حتى (الاعترافات) التي يدلي بها المضطهدون سرا (للرهبان) تعتبر تهمة يُحقق في شأنها. ومنذ سنة 1242 م ومحاكم التفتيش تطارد المسلمين الأندلسيين..
و (ديوان التحقيق) يهدف إلى سحق (الموريسكوس) حيث يعمل بشرعية تامة وموافقة (البابا) الذي أصدر منشورا بإقراره سنة 1478 م، وتابعت الكنيسة الإسبانية تنظيم مجلسه وتنظيم وظيفة المحقق العام.
والعجيب أن (ديوان التحقيق) أصبح أعظم جهاز في إسبانيا المسيحية، حيث مزج فكرة القومية بالدين المسيحي، ووجه السياسة الإسبانية، وملأ (الخزانة) بالأموال المسلوبة..
ولقد تعودت الكنيسة الرومانية أن تحول الاضطهاد العسكري الروماني المألوف إلى (اضطهاد فكري) بدعوى المحافظة على صفاء العقيدة..
واستعملت لذلك كل أساليب الإرهاب والتعذيب كما كان في عصر الوثنية الرومانية تماما، ثم تكونت محاكم للتفتيش توالي الإشراف عليها الآباء الدومنيكيون والفرنسيسكانيون الذين حولوا الأديرة إلى سجون للتعذيب والإرهاب حتى يقيدوا المتهمين (بالأغلال) الثقيلة في بيوت مظلمة عفنة، وأحيانا يبنون على (المتهمين) أسوار حجرية ليلاقوا (المصير) في عذاب الاختناق والجوع والعطش..
واستفادت الكنيسة من مصادر الأموال، ثروة طائلة، كما استكانت إلى الخزعبلات من مقاومة رجال الفكر الأحرار الذين كانوا يلاقون العذاب باسم المروق عن الدين، أصبح منصب (المحقق العام) أعظم منصب ديني وسياسي، متوفر على قوة مالية عظيمة مشرعة من الشعب المسلم مع اغتصاب أعراض النساء وسلب الأموال، والتهديد..
كما أصبح (ديوان التحقيق) يصدر أحكامه بالقتل والحرق دون مبرر أو تشريع إلا بأبسط التهم. وكان توماس (دي تريكمادا) المتوفى سنة 1498 م أكبر قس تولى كبر الظلم والاضطهاد، بوسائل التعذيب المعروفة في القرون الوسطى، كتمزيق الأرجل، وكسر الفك، وسحق العظام، وسيل العينين.. ثم يتم الحكم بالحرق الجماعي في الغالب في حفلات كبرى حيث يسير الضحايا في موكب الأوتودافي Auto-Dafe يتلى الشعب ورجال الكنيسة (بالحرق الجماعي).
ورغم جهود ديوان التفتيش لتنصير المسلمين، فقد ظل هؤلاء مخلصين سرا للإسلام، يظهرون عندما يعبدون في الكنيسة، ولا يعرفون للرهبان بأسرارهم. ولذلك صدرت وثيقة تدين المتنصرين وتحاكمهم من جديد بدعوى الصبوة إلى دينهم القديم، إذ اتهموا أنهم قالوا بأن المسيح ليس إلها، وإنما هو رسول، أو إذا تنظف أو أكل اللحم يوم الجمعة، أو رفض أكل الذبائح المسيحية، أو ختن أولاده، أو أنشد أغاني عربية، أو أقام حفل رقص عربي، أو غسل الموتى أو أكفانها.
والواقع أن المتنصرين لم يستسيغوا الديانة المسيحية وقد عبر عن هذا الإغراب الشاعر الموريسكي خوان ألفونسو حين قال:
أيها الغراب الإسباني الملعون يا ناشر الوباء، أيها السجان البغيض ها أنت واقف برؤوسك الثلاثة على أبواب الجحيم..
وقد أمر المعذبون أن ينظموا اللغة الإسبانية القشتالية، ويعرفون (بالخميادو) أي المستعجمين، وسُمّي أدبهم Al Aljamia (بالعجمية).
وقبل طرد المسلمين بأكثر من ثلاثين سنة، أمر أسقف غرناطة أن يلزم أبناء المسلمين ابتداء من الخامسة من عمرهم إلى سن الخامسة عشرة بتعلم الإسبانية وتلقي تعاليم المسيحية..
لقد عانى (المتنصرون) من صنوف الغدر والتعذيب ما يشيب لهوله الصبيان، وكان فرديناند هو الذي يتولى كبر سحق الشعب المسلم في إسبانيا، وممالأة محاكم التفتيش على أعمالها.. وكفى أن يكون نموذج السياسة الميكافيلية فيمجده مكيافيل نفسه في كتابه (الأمير) ويتخذه مثالا يحتذى.. فلما توفي سنة 1516 م وجد (المسلمون) الفرصة سواء من العمال أو المزارعين في الحقول، للعودة إلى تيه (الاطمئنان) فقدموا (لشارلكان) ملتمس التخفيف وعدم الاعتراف (بالتنصير) بالإكراه.. فكان الجواب بعودة الكنيسة إلى الاضطهاد من جديد، وكانت الثورة في ضاحية بلنسية التي أخمدت بقوة النار والحديد.
والغريب أن النبلاء والإقطاعيين في ولاية (الأرجون) تدخلوا لئلا يتنصر المسلمون في هذه الولاية إبقاء على المزارعين والصناع خدما لا يرقون إلى درجة (المسيحية). ولم تلب الكنيسة مطلبهم الانتهازي إمعانا في سحق الإسلام في الأندلس! .. بل حُرم على (الموريسكوس استعمال لغتهم ولباس زيهم القومي، والاستحمام وفتح منازلهم أيام الجمع أو بتسموا بأسماء عربية.
ورغم أن (شارلكان) واعد المنتصرين (بالمساواة) مع المسيحيين، فإن هذا الوعد لم يتحقق قط، بل ظلوا يكونون طبقة مضطهدة مستغلة، بل حُرمت الهجرة إلى ديار الإسلام لحاجة المسيحيين لليد العاملة.
ولم تنفع (التقية) الدينية التي آمن بها علماء العرب الغرباء المؤمنون من ملاحقة محاكم التفتيش، ولم تمنع من التنصير الجماعي والفردي ومن المطاردة والمحنة.
وكانت (التقية) توجه ديني سني للحفاظ على الإيمان بالقلب وتأويل القول والتستر في العبادة وتعليمات التشريع الإسلامي، في العبادة والمعاملات والأحوال الشخصية. كما كان (التنصير) يهدف إلى تحقيق مرحلة تغريب العقيدة واللغة والعادات ثم إذابة المسلمين كطبقة مستضعفة في الكيان الإسباني.
لما عجزت (محاكم التفتيش) عن محو هذا الشعب وأبنائه وتفويت حضارته وغسل دماغه وتعطيل شريعته، استصدرت من السلطة قانون تحريم اللغة العربية والثياب العربية بصفة صارمة قاسية وذلك سنة 1566م. وأعطى (للموريسكوس) ثلاثة أعوام لتعلم العشتالية، ثم تمنع كتابة العربية بعد ذلك في العقود والالتزامات والرسائل، ويحظر على المرأة الحجاب والزي الإسلامي.
وحاول (الموريسكوس) أن يستنجدوا بالمغرب الذي كان يعاني أزمة سياسية حادة بعد سقوط دولة بني مرين، كما حاولوا الاتصال بالأتراك وأمراء تونس وحكام القاهرة.
كان المغرب مضطربًا سياسيًا واجتماعيًا بعد انحلال دولة بني مرين وبالأخص عندما تكونت إمارة بني عبد الواد في (تلمسان) وبعد استيلاء العثمانيين على الجزائر.
فلما جاء السعديون، عزم المنصور على تحرير الأندلس بالتعاون التام مع الأندلسيين، ولكن (المنصور) لم يعمّر طويلًا، فدخلت الدولة السعدية بعده مرحلة الانهيار.
وجاء (العلويون) ليجدوا كثيرًا من المدن الشاطئية سقطت في يد الإسبان، والبرتغال، فلم يستطيعوا إلا مؤازرة الأندلسيين في الجهاد البحري. وسعوا إلى استيراد الكتب الإسلامية التي نجت من الحرق. فأرسل المولى إسماعيل رسالة إلى دون كارلوس الثاني (كما في الإتحاف ج 2 – ص 63) ليبعث إليه بالكتب الأندلسية الموجودة في غرناطة وقرطبة وغيرها في مقابل تحرير مائة أسير إسباني.
كما توجه إلى إسبانيا السفير المغربي الوزير الغساني، ففك الأسرى المسلمين، وحمل كثيرًا من الكتب الأندلسية، كما في كتابه (رحلة الوزير في افتكاك الأسير)، وكان الأسرى في الغالب من (الموريسكوس) المأسورين في الجهاد البحري.
ووجه المولى محمد بن عبد الله رسالة إلى (كارلوس الثالث) لفك الأسرى المسلمين.
وتحدث محمد بن عثمان المكناسي في كتابه (الإكسير في فك الأسير) في القرن الثاني عشر الهجري عن ذلك.
وهكذا لم يبذل المغاربة جهدًا في مساعدة (الموريسكوس) نظرًا للوضع الحرج الذي كان يعانيه (العالم الإسلامي) بعد خروج أوروبا من (العصر الوسيط) ومحاولتها لاستعمار البلاد الإفريقية والسيطرة على البحار.
وكان وضع العثمانيين في عهد السلطان أحمد الأول (1603-1617) حرجًا، بسبب هزائمه البحرية في حروبه مع النمسا ومع فارس. كما كانت الدولة تعاني ثورات في عدد من الولايات العربية والأوروبية. سيما وقد ظهرت قوة بحرية إسبانية وفرنسية وإنجليزية فكان على الدولة العثمانية اعتبار ذلك، كما كانت الدولة العثمانية تقيم علاقات طيبة مع هذه الدول حفاظًا على مركزها وموقعها الدقيق.
وعندما قررت إسبانيا تصفية (الموريسكوس) بإشراف (الدوك دولرم – Duc De Lerme) و(الكونت سالازار Conte De Saizare) ارتاعت الدولة العثمانية التي كان يكاتبها الموريسكوس والوسطاء مثل (جارونيمو إنر فاز Jeronimoenriguez) ولا شك أن الدولة تدخلت سريًا لنقلهم بالأساطيل والسفن البحرية بدليل هجرة بعضهم إلى الدول العثمانية ووجود حي خاص بهم في إسطنبول، والمعروف أن السلطان أحمد الأول بعث بالأميرال خليل باشا في مهمة إلى المغرب فوصل إليه بتاريخ 2 سبتمبر سنة 1613 كما ورد في كتاب:
(Chantal de la Veronne « Relation entre le Maroc et la Turquie dans la seconde moitié de 16é siècle et le début de 17è siècle » en Revue de l’Orient Musulman de la Méditerranée N° 15-16 Aix en Provence, 2è semestre 1973, P.39
ولا شك أنها كانت في موضوع محنة (الموريسكوس) لأن الاتصالات السرية كانت مكثفة بين العثمانيين والموريسكوس.
كما سعى السلطان أحمد الأول لدى بريطانيا وفرنسا والبندقية لتساعدهم وتسهّل لهم الهجرة إلى الدولة العثمانية.
وكلف السلطان (إبراهيم إنما) بالتوجه إلى لندن، ومقابلة الملك جاك الأول لمساعدة (الموريسكوس) على الانتقال إلى أراضي الدولة العثمانية، ولكن ملك إنجلترا نظرًا لمعاهدة السلم بينه وبين إسبانيا، وخوفًا من إثارة غضب الكنيسة، لم يستجب لطلبه.
وأرسل كذلك إلى ملكة فرنسا ماري دي ميدسيس Marie de Medecis الوصية على ابنها لويس الثالث عشر، رسالة بطلب مساعدة الموريسكوس المقيمين بجنوب فرنسا وتوفير وسائل نقلهم إلى أراضي الدولة العثمانية فلم تلبّ الدعوة.
كما راسل دوق البندقية لمساعدة (الموريسكوس)، في اجتياز الهجرة إلى الأراضي العثمانية عن طريق بلادهم مع مساعدتهم وعدم التعرض لأحوالهم وذوقهم. كل ذلك في مقابل مصالح البندقية وتمديد المعاهدة معها.
ولا شك أن الاتصال كان جاريًا باستمرار بين (الموريسكوس) و(الدولة العثمانية) بدليل وجود وثيقة محررة بتاريخ جمادى الأولى سنة 1023 تؤكد رغبة الموريسكوس في سبب الهجرة إلى الدولة العثمانية برًا لا بحرًا، نظرًا لأن (لصوص البحر) يعترضون طريقهم.
وقد أثار الفقهاء في المغرب جدلًا عن جواز هجرة الموريسكوس إلى بلاد الإسلام أو المدجنين، كما كان المغاربة يسمونهم. وألّف الونشريسي كتابه (أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلبه على وطنه النصارى، ولم يهاجر، وما يترتب على ذلك من العقوبات والزواجر).
ومن رأي الونشريسي أن الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام فريضة إلى يوم القيامة، وكان بعض العلماء يفتي بعدم الهجرة ووجوب المقاومة.
وقد آثر الموريسكوس الأخذ بحديث (أن لا هجرة بعد الفتح) فقد بقي (الموريسكوس) في الأندلس صامدين ينتظرون الفرصة المناسبة لإعلان الثورة بقيادة فرج بن فرج، لتكون آخر مقاومة.
وعمت الثورة أنحاء الأندلس، تحت قيادة (الدون فرناندو)، وتمركزت بالبشرات (الأرض الوعرة) المليئة بالقرى الموريسكوسية، وهو من سلالة بني أمية حيث توج سنة 1568، تحت اسم محمد بن أمية، انتخب ابن فرج وزيرًا وابن جوهر قائدًا عامًا للجيش، وفشلت الثورة للمقاومة الوحشية التي لقيها الثائرون حيث مُثّل بأبطالها فنزع لحمهم عن عظامهم أحياء، وذبح الأسرى والسجناء، ذبحًا (جماعيًا) وشردت الأسر بتفريق الآباء عن أبنائهم، والأمهات عن بناتهم في البلاد الإسبانية.
وبعد قتل محمد بن أمية خلفه ابن عمه مولاي عبد الله، فعين فليب الثاني (الدون خوان) لسحق ثورة الموريسكوس. فاستسلم مولاي عبد الله سنة 1570م ثم عاد للمقاومة اليائسة، والتخريب والدمار والتشريد ومصادرة ما يملكون، وتوزيعهم على البلاد الإسبانية كلها. وقتل قائد الثورة على يد بعض الخونة وحُمل إلى غرناطة لإعدامه (وهو المقتول) بصفة رسمية.
فشلت (الثورة) ولكن الثقافة الإسلامية ظلت تتأرجح في عقل الشعب المسلم المغلوب على أمره، فعبروا عن هذه الثقافة بأدب (الخميادو) أي باللغة القشتالية المكتوبة بالحروف العربية.
وتحوّل (الموريسكوس) إلى شعب يعمل باستمرار في ميدان الاقتصاد والتجارة والفلاحة، وظلوا متماسكين يحيرون السلطة الإسبانية بذكائهم ودأبهم وتكاثرهم، بل كانت لهم حملات سرية، فاتهمتهم السلطة (بتزوير العملة) وتخريب الاقتصاد الإسباني.
ولم يمت هذا الشعب في (إسبانيا) نفسها، بل ظل متميزًا بشخصيته وثقافته، يمارس دينه في سرية وتكتم ويؤلف في مختلف فروع المعرفة، وكانت الثقافة (الإلخامية) Aljamia ذات طابع عريق، وظهر أدبهم (الرومانسي) كأروع أدب إسباني، كما كتبوا القصة الأدبية والملحمة التاريخية. وظلوا يُكوّنون (جماعة) ذات اتجاه سياسي مشبع بروح الثورة والحرية.
بل ألّف الموريسكوس (بالألخمادو) (رحلات حجازية) مما يدل على أن بعضهم كان يحج (سراً) إلى الديار المقدسة. ومما نعرف من هذه الرحلات، رحلة (حاج بوي منتون) التي قام بها صاحبها من بلده إلى بلنسية ف تونس ف مصر ف الحجاز مع وصف لمكة والمدينة.
كما كتبوا قصصًا فروسية كحكاية المقداد. وقصة مدينة النحاس، وقصص الصالحين، وقصة يوسف وزليخا، وقصة ذو القرنين. كما كتبوا قصصًا فروسية كحكاية المقداد ونشر (الموريسكوس) زجلهم الغنائي في الأندلس وإيطاليا وإنجلترا وفرنسا، وكان خوان رويز الموريسكي Juan-Ruiz نائب الأسقف بناحية هينا من أَعلام الكُتّاب في هذه الموضوعات، ومن أمثلة ذلك الرسالة التي وجهها (تروتاكونفيينتوش) إلى المرأة المغربية، ومن الألحان الأشعار التي وضعها للراقصات الموريسكيات، ومن أشهر إنتاجه قصيدة (القديسة مارية).
ومن أشهر الأغاني الموريسكيات ذات التأثير في الأدب الإسباني أغنية العربيات الثلاث ومن عشقت ثلاث فتيات عربيات:
في جيان
عائشة وفاطمة ومريم
ثلاث عربيات بالغات الجمال
ذهبن يجمعن الزيتون
فوجدنه قد جُمع في جيان
قلت لهن من أنتن أيتها الفتيات
عائشة وفاطمة ومريم
وفي ديوان (كالدرون) حين يعد الموت أنشودة باكية يقول:
على الرغم من الأسر التعيس الذي أراده الله لنا بتقدير خفي عادل فاننا نبكي عزلة الدولة الأفريقية.
وظل الموريسكوس على اتصال مستمر بالمسلمين في إفريقيا كما كانوا على اتصال مع هنري الرابع ملك فرنسا، وأنشأوا سفنًا جهادية خارج واعانتهم السفن التركية والمغربية على الانتقام المسيحي، وحمل الموريسكوس إلى ديار الإسلام.
وظهرت حركة التحرير في البحر بقيادة زعماء الموريسكوس، مثل بلانكو وأحمد أبو علي وغيرهم كثير.
وأصبح (الجهاد البحري) ميدانًا خصبًا يفتح باب الآمال. وحاول (الموريسكوس) أن يساعدوا المولى زيدان السعدي لغزو الأندلس بعد أن ارتكب أخوه الشيخ المأمون خطًا طلب مساعدة فليب الثالث للحملة على أخيه زيدان مقابل تسليمه العرائش، (كما وقع في معركة وادي المخازن).
وفي نفس الوقت عجزت (محاكم التفتيش) عن قتل هذا النفس العظيم، فقررت السلطات المسيحية في إسبانيا أن يتخلصوا نهائيًا من الموريسكوس، إلا بإغراقهم جميعًا في البحر أو حرقهم جميعًا أو أخذهم للعمل في السفن ومناجم الهند.
وأصدر مجلس الدولة الإسبانية سنة 1609م أمرًا بنفي الموريسكوس جميعًا من بلاد إسبانيا إلى إفريقيا وأوروبا مع استبقاء ستة في المائة للعمل في حقول الأرز والسكر وتنظيم الري وصون المنازل، وهكذا أخذ (الموريسكوس) يشدون أمتعتهم وتحملهم السفن إلى بلاد إفريقيا وجزر الخالدات كما تحمل السفن اليوم الفيتناميين الضائعين في البحر الهادي تتقاذفهم الأمواج ليلقاهم من نجا منهم إلى المراسي الأمر بالعودة للموت في أعماق البحار.
وكان معظمهم يسير في قوافل للشواطئ ليهاجروا إلى المغرب، حتى تهاجمهم العصابات، لتفتك بالأعراض وتقتل الصبيان وتبيع الفتيات والفتيان في سوق النخاسة.
استقبلتهم أوروبا في عهد هنري الرابع الذي سمح لهم بالإقامة وراء نهر الجارون. واستقبلت الثغور الإيطالية بعضًا منهم، وكانوا يتعرضون للاضطهاد من المسيحيين أينما حلوا وأين ارتحلوا. بل إن جماعات منهم نزلت في وهران فاعتدى عليها الأعراب بالسلب والنهب.
وتجاوز عددهم ثلاثة ملايين حسب بعض الروايات أو تجاوز (المليون) ولكنهم ظلوا يمثلون شعبًا عريقًا يستحيل تدميره. وانتشروا في العالم كله، فقد حملتهم السفن (بأسماء) إسبانية مسيحية إلى أمريكا الجنوبية، وإلى جزز الهند الشرقية، وإلى جنوب إفريقيا. وكانوا يعيشون (أمراء) البحر الإسباني بتقارير ضافية وخرائط بحرية علمية، فاكتشفت إسبانيا العالم الجديد، بفضل تقاريرهم ومغامراتهم. ونسبت تلك الكشوف إلى أمراء البحر المشهورين.
إن مسلمي (الفلبين) من هؤلاء وجزيرة (المور) تحمل اسمهم وتؤكد شخصيتهم بوضوح. كما أن عديدًا منهم في الأرجنتين والبرازيل وغيرهم من بلاد أمريكا الجنوبية.
ونزح بعضهم إلى (أمريكا الجنوبية)، بعد اكتشافها أوائل القرن السادس عشر سنة 1516م، وبالأخص في الأرجنتين، وقد كان هؤلاء هم المخططين لهذه الاكتشافات للبحث عن عالم جديد يأويهم بعد أن ضاقت بهم الحياة في إسبانيا أو بعد أن رفضوا الدخول بقلوبهم إلى المسيحية، فوجدوا في هذا العالم متنفسًا لعقيدتهم وكان منهم نفر من بني رزين حكام شرق الأندلس. وقد تابعت الكنيسة هؤلاء وضيقت عليهم الخناق وذوتهم في هذه المجتمعات الثابتة، وما تزال (الأرجنتين) بقايا التقاليد الإسلامية العربية ذات الطابع الأندلسي إلى يومنا هذا.
ولست أدري كيف غفل المؤرخون عن ربط بين نفي الأندلسيين، وهزيمة المسيحية في معركة وادي المخازن على أرض المغرب.
فمعركة وادي المخازن كانت معركة فاصلة بين المسيحية والإسلام. فمنذ هزيمة البرتغال في هذه المعركة، تغيرت النظرة الاجتماعية والسياسية إلى (الموريسكوس) وشعرت المسيحية بمشروع السعديين بالعودة إلى الأندلس، وخشيت من التعاون بين الأندلسيين في الداخل والمغاربة وتوقعت الهجوم من الخارج بمؤازرة الداخل، فأنظرت قليلًا لتتخلص نهائيًا من المسلمين.
و(تأخرت إسبانيا) بعد نفي (الموريسكوس) من أرضها ،ويقول (ريشيليو) الذي عاصر مأساة نفي الموريسكوس: “إن مأساتهم أشد ما سجلت صحف الإنسانية جرأة وحشية”. ويقول أيضًا: “إنه أعرق في الجرأة والبربرية مما عرفه التاريخ في أي عصر سابق”.
ويقول الدكتور لي: “إن تاريخ الموريسكوس لا يتضمن فقط مأساة تثير أبلغ عطف، ولكنه أيضًا خلاصة لجميع الأخطاء والأهواء التي أعدت لتتدحرج بإسبانيا في زهاء قرن من عظمتها أيام شارل الخامس إلى ذلتها في عصر كارلوس الثاني”.
والحق أن (إسبانيا) باتفاق المؤرخين عانت أعنف الأزمات بعد نفي الموريسكوس. حتى ليقول المثل الإسباني (حيث لا عرب لا فائدة).
لقد ظلت (الحضارة الإسبانية) تسير في نفس الحضارة الأندلسية التي ذبلت بعد نفي (الموريسكوس) وتراجعت الفلاحة والصناعة وضعفت التجارة، وقلت الموارد المالية وبقيت ملامح الثقافة الإسلامية باهتة متحولة إلى ثقافة (فلكلورية) وصفها كل المؤرخين الذين تجولوا في إسبانيا. فقد وصف السفير الغساني (سنة 1691م) عوائد الأندلسيين المسيحيين التي ما تزال بها مسحة إسلامية كالذبح يوم عاشر ذي الحجة، وتحجب النساء وغير ذلك، كما ذكر شكيب أرسلان في حاضر العالم الإسلامي، كثيرًا من هذه الحالات بل ظلت بعض القرى إلى القرن التاسع عشر تتكلم باللغة العربية.
يتبع
المصدر: دعوة الحق، العدد 205، يونيو 1980