من نفحات 2 أكتوبر 1955
يمكن اعتبار انطلاق عمليات جيش التحرير في مثل هذا اليوم انتصارا لمقولة ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها. فقد جن جنون الاستعمار الفرنسي وذهل أشد الذهول حينما دكت فرق جيش التحرير ثكناته ومكاتبه وقتلت عددا من أفراده في أماكن مختلفة وفي نفس الوقت.
هذا الهجوم كان ثمرة عمل شاق ومجهود كبير. فقد تأسس جيش التحرير المغربي بعد أن تيقن قادة المقاومة أن العمل الفدائي بالمدن لن يكون كافيا دون نقل المواجهة مع المستعمر إلى البوادي والقرى والسهول والجبال.
فكان أن تأسس مجلسان للقيادة، واحد مصغر من خمسة أعضاء وهم: الدكتور عبدالكريم الخطيب رئيسا والحسين برادة وحسن صفي الدين واسعيد بو نعيلات والغالي العراقي. والآخر موسع يتكون من سبعة وعشرين عضوا، من بينهم الأستاذ علال الفاسي. وهو الاستقلالي الوحيد الذي آمن بالكفاح المسلح. أما باقي قادة الحزب، كانوا مع خيار المفاوضات مع المستعمر. ويذكر قادة جيش التحرير أن المهدي بن بركة زارهم في تطوان ، مقر قيادة الجيش، قبيل انطلاق مفاوضات إيكس ليبان وحاول جاهدا ثنيهم عن الكفاح المسلح.
وقد توالت العمليات المسلحة لجيش التحرير ضد المستعمر حتى حصل المغرب على استقلاله. وأبلت قبائل اجزناية وبني وراين ومرموشةو بني يزناسن…البلاء الحسن. وكانت قيادة الجيش تستعد لحرب طويلة، فتم تأسيس مدرسة لتكوين أطر جيش التحرير بجنان الرهوني بتطوان. وقد أشرف عليها نذير بوزار وهو جزائري ازداد ونشأ بالرباط وسبق له أن كان ضابطا بالجيش الفرنسي. ويعود الفضل في استقطابه للدكتور عبدالكريم الخطيب.
وهذه المدرسة تعد تجربة رائدة في حركات التحرير العالمية. وتخرج منها عدد كبير من قادة الجيش التحقوا بالجبهات لمؤازرة المتطوعين. وبعد الاستقلال التحقوا بالقوات المسلحة الملكية.
وكان جيش التحرير مكونا في البداية من رؤساء فرق تمرسوا على حمل السلاح. وهم الذين دربوا أعضاء فرقهم على حرب العصابات. وهو الأسلوب الذي سار عليه جل حركات التحرر في العالم، على نهح مبدع هذا الأسلوب وهو الزعيم محمد بن عبدالكريم الخطابي. وفي قبيلة اجزناية كان جل قادة جيش التحرير من الذين شاركوا في حرب الريف التحريرية تحت قيادته. ولم ينظموا للجيش حتى تلقوا منه الضوء الأخضر من منفاه بالقاهرة.
ومن المثير للدهشة ويدعو إلى مزيد من الدراسة والتحليل أن قادة جيش التحرير عادوا إلى منازلهم وأعمالهم المعتادة بعد الإعلان عن الاستقلال . اعتبروا أنهم أدوا واجبا وفرضا لا يبتغون منه غنيمة ولا فضلا. عاد الدكتور الخطيب إلى عيادته الطبية وإلى مقصه الجراحي وحسين برادة إلى تجارته وبونعيلات إلى فلاحة أرضه، يحرث ويزرع . أما السياسيون الذين ألفوا المفاوضات، فقد تصدروا المشهد وتفتحت شهيتهم للسلطة والتحكم في الرقاب والعباد…..وتلك قصة أخرى.