ساهم الطلاب السودان الذين كانوا يترددون على معاهد العلم المغربية في نقل جوانب من الفكر المغربي إلى بلادهم، وعملوا بالتالي على التعريف به ونشره فيها. ولعل دورهم في هذا المجال كان ذا أهمية بالغة، لقدرتهم – أكثر من غيرهم – على التواصل مع بني جلدتهم والتأثير عليهم. ومن ثم فإنهم كانوا خير من وضع لبنات الثقافة المغربية بالسودان الغربي في العصر الوسيط.
بقلم عبد العزيز العلوي
تعتبر الرحلة العلمية من السودان الغربي إلى المغرب في العصر الوسيط مظهرا من مظاهر الحضارة الإسلامية (1)، وثمرة لظروف مشجعة في كلا البلدين،. فكانت سبل التواصل ممهدة بينهما، بفعل تواتر التبادل التجاري، الذي كانت مسالكه لا تقتصر على البضائع فحسب، وإنما تنقلت عبرها أيضا الأخبار والأفكار والرجال؛ فلم يكن ما يحول دون تردد طلاب العلم من السودان على المغرب، لينهلوا من حياض المعرفة فيه، بل إنه كان أكثر بلدان شمال الصحراء جذبا لهم، بالنظر إلى ارتباطات وطنهم التجارية والروحية والفكرية به.
والجدير بالذكر أن الإسلام عبر الصحراء إلى السودان الغربي عن طريق المغرب وبفضل المغاربة، الذين حملوا إليه المذهب المالكي كذلك (2). فكان أن انبثقت رابطة دينية وعلمية بين الطرفين، تمثلت على الخصوص في تردد العلماء المغاربة على “بلاد السودان”، ورواج كتبهم ولغتهم بها (3). فلم يكن غريبا – والحالة هذه – أن يرحل طلبة السودان إلى المغرب قصد الدراسة فيه، ومعلوم أن الحركة العلمية عرفت في هذا العصر تطورا ملحوظا، بفعل الاحتكاك مع الأندلس والمشرق، فتعددت مراكزها، وكثر أعلامها، وتنوعت اهتماماتها؛ الشيء الذي كان عامل استقطاب لطلاب السودان الغربي، الذين كانت بلادهم لا تزال في مرحلة التلقي الفكري، وبالتالي بحاجة إلى نموذج معرفي للنهل منه والاقتداء به.
غير أننا مع الأسف نجهل كل شيء تقريبا عن بداية البعثات الطلابية السودانية إلى المغرب، ودرجة تواترها إليه، وظروف إقامتها به، وانعكاساتها على النشاط الفكري بالسودان الغربي، فلم تحفل الرحلات والكتب الجغرافية بهذا الجانب إطلاقا، مثلما لم تعره الحوليات المغربية أي اهتمام يذكر، وهو تجاهل لا يعكس واقعا، بقدر ما يترجم موقفا ذهنيا اتجاه مسلمين جدد، وقادمين من أقاصي بلاد الإسلام، ومازالوا يتسلمون خطواتهم الأولى في الميدان العلمي، وعرفت بلادهم بالذهب والعبيد، أكثر مما اشتهرت بالعلم والمعرفة. بينما كان افتتان المغاربة الفكري بما هو مشرقي وأندلسي، وهو افتتان نجد أثره واضحا في كتاباتهم.
أما كتب التاريخ السودانية، فقد ألفت في وقت متأخر، وانصب اهتماما على التاريخ المحلي (4). حقيقة أنها أولت عناية خاصة بما هو ديني وفكري، ولكنها تتبعته في حدود إشعاعه السوداني، وقلما أبرزت امتداداته المغربية بطريقة مباشرة.
وعلى الرغم من ذلك فإننا مدينون إلى المصادر السودانية – وبالتحديد كتاب إلى “تاريخ السودان” – بإفادتين عن رحلات طلاب السودان الغربي إلى معاهد العلم المغربية في العصر الوسيط، غير أن عبد الرحمان السعدي أوردهما بطريقة عرضية في سياق إسهابه في مواضيع أخرى، لهذا لم يحمل نفسه عناء إغنائهما بتفاصيل نحن في أمس الحاجة إليها. وتعود الإفادتان المذكورتان إلى منتصف القرن الرابع عشر الميلادي وبالضبط إلى عهد السلطان المالفكي كانكان موسى (حوالي 707 هـ – 733 هـ)، (1307 م – 1332 م) الشيء الذي يتساءل معه الباحث عن واقع الرحلة العلمية السودانية إلى المغرب قبل هذا التاريخ وبعده.
فمن غير المستحيل أن يكون هذا الأخير قد استقبل طلاب السودان قبل هذه الفترة، بالنظر إلى أ، الإسلام انتشر في بلادهم منذ القرن التاسع الميلادي ومن ثم قد تكون الرغبة في التحصيل العلمي اختمرت فيها قبل القرن الرابع عشر الميلادي، وربما كان العصر المرابطي إيذانا ببداية التدفق الطلابي السوداني على المغرب، بتزامن مع توسع رقعة الإسلام بجنوب الصحراء الأطلسية، وخضوع ضفتيها لسلطة سياسة واحدة، وما واكب ذلك من تكثيف لعرى الاتصال بينهما.
ويعود تميز الثقافة المغربية عن غيرها من الثقافات الإسلامية في هذا العصر، إلى تلقيحها بالثقافة الأندلسية، فظهرت خلاله مراكز فكرية بعدد من المدن الغربية مثل فاس وسبتة وسجلماسة، وخصوصا مراكش التي كانت عاصمة البلاد السياسية والعلمية. وكانت هذه المدن في مستوى الاستجابة لرغبات السودان في التعلم والتحصيل.
ومثل هذه القرائن هي التي دفعت بعض الباحثين إلى الاعتقاد بوجود حالات سابقة لتلك الوفود الطلابية التي ذكرها عبد الرحمان السعدي.
فقد ذهب إبراهيم حركات إلى “أن القرويين استقبلت منذ القرن الثالث عشر (الميلادي) أعدادا كبيرة من طلاب “بورنو وكانم”. كما ذهب زملاء لهم إلى كل من القاهرة وتونس” (5)
ويقدر “J. Cuoq” من جهته، أن مثل هذه الأسفار العلمية لا تثير الاستغراب، لأن عرب وبربر “ولاتة” و”تنبكت” كانوا يتوجهون إلى مدينة فاس للدراسة في القرويين قبل عهد “كانكان موسى”. ويضيف بأن، الصلات الفكرية والدينية بين ضفتي الصحراء تزامنت مع العلاقات التجارية وتبادل السفارات ويختم بالقول:
“إذا كانت طريق التعبد توصل (السودان) إلى مكة، فإن طريق العلم والفكر تقود إلى المغرب، حيث كان السودان يشعرون بأنهم غير أجانب، مقارنة مع المشرق” (6).
ولعل عهد “كانكان موسى”، يمثل العصر الذهبي للرحلات العلمية السودانية إلى المغرب، بمعنى أنها لم تفتر بعده، وإنما استرسلت بالتأكيد خلال ما تبقى من العصر الوسيط، وإن بوتيرة أقل من حيث انتظامها وعدد أعضائها، وتدعو قراءة المصادر السودانية إلى الاعتقاد بأن تحولا وقع في وجهة هذه الرحلات بعد زوال إمبراطورية مالي. فيعد أن كان طلاب السودان يؤمون المغرب قبل وخلال هذه الإمبراطورية، صاروا يذهبون إلى المشرق عامة، ومصر على الخصوص بدءا من “إمبراطورية سنغاي”، ومنذ ذلك العهد أضحى التأثير الفكري المصري يمتد في إفريقيا السودانية من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي، بعد أن كان محصورا في شرق إفريقيا والسودان الأوسط (7). ولاشك أن لذلك علاقة بالأزمة العامة التي عرفها المغرب منذ أواخر بني مرين، وهي أزمة ألحقت الضرر بالحياة الفكرية فيه، وبحضوره في هذا الميدان بالسودان الغربي. بينما تكاثفت العرى الروحية والفكرية بين هذا الأخير والمشرق على أساس رحلات الحج.
أما قبل “إمبراطورية سنغاي”، فكان المغرب قبلة علمية لطلاب السودان، وكان أشعاعه في هذا المجال راجحا في بلادهم. وهو رجحان تترجمه إشارتا السعدي الآنفتا الذكر. ففي معرض ترجمته لأحد علماء “تنبكت” وصلحائها، أشار إلى أن السلطان “كانكان موسى” اصطحب معه إلى بلاده غداة عودته من الحج (سنة 1325 م. / 726 هـ.) أحد عرب الحجاز، هو عبد الرحمان التميمي، فاستوطن “تنكت”، غير أنه لم يستطع مسايرة الحركة الفكرية فيها. فاضطر إلى الالتحاق بفاس لإكمال تحصيله العلمي، وإغناء مداركه الفكرية، قبل أن يعود الاستقرار النهائي “بتنبكت” (8).
وذكر السعدي أيضا – في سياق جرده لأئمة الجامع الكبير بتلك المدينة، والترجمة لهم – حالة “كاتب موسى”. “وهو من علماء السودان الذين رحلوا إلى فاس، لتعلم العلم في دولة أهل ملي، بأمر السلطان العدل الحاج “كانكان موسى” (9). وتمكن أهمية هاتين الإفادتين الفريدتين من نوعهما، في أنهما تيمطان اللثام عن أحد أوجه المؤثرات الفكرية المغربية على السودان الغربي الوسيط، ونستشف منهما أن الرحلة العلمية السودانية إلى المغرب، تمت في نفس الوقت بمبادرات فردية، كما هو حال التميمي؛ وفي إطار رسمي كما هو أمر كاتب موسى، الذي لم يكن – حسب النص – سوى واحد من بعثة علمية قصدت المغرب بإيعاز من السلطان المالنكي.
وفي تقديرنا أن ما أورده السعدي لا يعدو أن يكون نموذجا لأولئك السودانيين الذين دأبوا على عبور الصحراء إلى بلاد المغرب، زرافات ووحدانا، طلبا للعلم، والملاحظ أننا بصدد حالتين تعودان إلى عصر “كانكان موسى” الذي كان شديد التمسك بالإسلام وبالمذهب المالكي، وعلى دراية بالثقافة العربية، ولاسيما في جانبها الديني، لهذا عمل جاهدا بغية توثيق علاقات بلاده مع دول شمال الصحراء، وخصوصا مع المغرب المريني. فكان أن توطد التبادل التجاري، وتواتر التواصل البشري بين الجانبين. كما تبادلا عدة مرات السفارات والهدايا (10). وتوج كل هذا بأن بعث السلطان المالكني – بعد عودته من الحج – طلبة بلاده للدراسة في فاس. وسلك بنو مرين من جهتهم، سياسة صحراوية اعتمدت على الإبقاء على الوجود التجاري المغربي قويا بإمبراطورية مالي، في وقت أصبح فيه منافسا بشدة من قبل باقي بلدان الشمال الإفريقي، (11) فلم يترددوا في الاستجابة لمحاولات سلاطين مالي الهادفة إلى التقارب مع المغرب الأقصى.
هذه إذن ظروف العامة التي أحاطت بتردد طلاب إمبراطورية مالي على المراكز الفكرية المرينية. ويخيل إلينا في هذه الحالة أن بني مرين شجعوا هذا التوجه، وربما عملوا من أجل حدوثه واستمراره، عن طريق اقتراحهم على سلاطين مالي إرسال الوفود الطلابية إلى المغرب الأقصى، وقد يكون حدث مثل هذا الاقتراح خلال تنقل السفارات بين بلاطي فاس ونيابي. وربما كان الرسل “المالنكيون” إلى سلاطين فاس هم الذين اقترحوا بعث هذه الوفود الطلابية.
ومعلوم أن هؤلاء الرسل – على اختلاف سفاراتهم – أقاموا بالعاصمة المرينية مددا طويلة، الشيء الذي أتاح لهم فرصة التعرف إلى حد ما على عموم أحوالها؛ بما فيها من نشاط فكري.
وعلى أية حال فإن أخبار هذا النشاط في المغرب المريني، لم تكن لتخفى على حكام وعلماء مالي، عبر وسائل وقنوات أخرى كالتجار والعلماء، الذين دأبوا على عبور الصحراء، ناقلين البضائع والكتب والمعلومات بين ضفتيها.
وفي المجال الفكري تحديدا، كان الإسلام قد تكمن من قلوب معظم سكان إمبراطورية مالي، بيد أن الحركة العلمية فيها، كانت لا تزال تتلمس خطواتها الأولى، ومن هنا كانت حاجتها إلى التشجيع والتطوير. وبالمقابل كانت هذه الحركة في المغرب المريني قد بلغت درجة من النضج والعطاء، واكتسب أصالة حررتها – إلى حد كبير – من التبعية للمشرق والأندلس، وبرز ذلك في كثرة مراكز الفكر التي وصل عددها في المدن إلى ثلاثة عشر، زيادة على المراكز الواقعة في الأرياف، (12) وتعزز ذلك بإحداث المدارس التي صارت تساهم – إلى جانب المساجد والجوامع – في تكوين رجال العلم وبإلحاق المكتبات بكثير منها؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور نخبة عالمة، فرضت حضورها في مجموع الغرب الإسلامي (13).
هذه كلها عوامل جعلت من المغرب المريني نقطة استقطاب فكري للعديد من طلاب إمبراطورية مالي، هذا بالإضافة إلى أنه كان يستجيب وحاجاتهم العلمية، نتيجة لسيادة المالكية في كلا البلدين، وترجيح المواد الشرعية في الدراسة، ولاسيما الفقه الذي كان المغاربة والسودانيون على السواء يقبلون عليه بنهم كبير. وقد اتجه اختيار الطلبة المالنكيين – الذين ذكرهم عبد الرحمان السعدي – إلى فاس / وهو اختيار ينم عن واسع اطلاع (14)، وعن رغبة في تكوين متميز. ذلك أن هذه المدينة اقترنت بالثقافة والفكر منذ نشأتها، ونمت في هذا المجال بشكل مطرد مع توالي القرون، (15) غير أنها لم تصبح عاصمة فكرية للبلاد إلا في العصر المريني، وهذا ما يفسر إقبال طلبة السودان عليها في هذا الوقت.
وعمل بنو مرين بالفعل على تنشيط الوسط الفكري بها عن طريق رعايته وتشجيعه. وأعطوها الأسبقية على باقي المدن في بناء المدارس وإحداث المكتبات والإغداق على العلماء والإنفاق على الطلبة، وهذا ما دفعR. Le Tourneau إلى اعتبارهم “المؤسسين الحقيقيين لجامعة فاس” (16)، التي تخرج منها الطلاب المالنكيون.
ولئن كنا نجعل المؤسسات التي تردد عليها هؤلاء الطلاب في فاس، يجوز أن يفترض أنهم التحقوا بإحدى مدارس المدينة، أو بجامع القرويين، وكان هذا الأخير نواة “الجامعة” المذكورة، لذا تركزت فيه معظم الوظائف الفكرية بالمدينة، وأعطيت فيه أهم الدروس، وقصده أكبر العلماء، وتخرج منه أفضل رجال الفكر والدولة.
وفي بداية القرن السادس عشر الميلادي – أي في وقت ركدت فيه الثقافة بفاس – كان الجامع المذكور ما زال يضم كراسي “يدرس عليها العديد من العلماء والأساتذة، حيث يلقون على الشعب دروسا تتعلق بأمور دينه وشريعته” (17). وكانت مثل هذه الدروس بالذات هي التي تهم طلبة السودان أكثر من غيرها.
وكانت للقرويين ملحقات في جوامع ومساجد أخرى، وتدل كثرتها على تنامي الحياة الفكرية وتعدد مراكزها بفاس المرينية (18). بيد أن أهم فروع القرويين في هذه الفترة تمثلت في المدارس التي بلغ عددها بالعاصمة وحدها إلى حدود عصر أبي عنان (1348 م – 1358 م 749 / هـ – 760 هـ)، ثمان مدارس على الأقل (19). وسواء كان المرينيون هم الذين استحدثوها أم لا (20)، فإن الفضل يعود إليهم في تبويئها المكانة التعليمية التي اقترنت بها، إلى حد يجوز فيه القول، من زاوية فكرية، أ، العصر المريني هو عصر المدارس في الغرب الإسلامي عامة، وبالمغرب الأقصى على وجه خاص. ونظرا لانتماء طلبة السودان إلى بلد يتمذهب بالمالكية، ويولي اهتماما خاصا للدراسات الفقهية واللسانية، فإنهم وجدوا في مدارس فاس – بلا ريب – ضالتهم المنشودة، لأن الهدف الأساسي من إحداثها كان بالذات نشر ذلك المذهب، وتطوير تلك الدراسات (21).
ويجب أن نتصور مدى نهم أولئك الطلبة في قراءة الكتب التي زخرت بها مؤسسات الفكر بالمدينة. وكان المرينيون هم أول من أنشأ الخزانات العامة بالبلاد، ولاسيما بعاصمتها السياسية والعلمية، حيث أحدثت في هذا العهد مكتبات في القرويين، وفي معظم ملحقاتها من جوامع ومدارس، تشجيعا لطلاب العلم من البحث والتحصيل (22)، واحتوت هذه الخزانات “على أنواع من علوم الأبدان والأديان واللسان والأذهان، وغير ذلك من العلوم على اختلافها وتنوع ضروبها وأجناسها” (23)، وخصوصا ما صب منها في الثقافة المالكية، فكان من شأن ذلك أن يدفع طلاب السودان إلى التردد عليها، والاستفادة منها أكثر ما يمكن، خاصة وأن الكتب في بلادهم كانت لا تزال نادرة وعزيزة، بسبب استيرادها من أسواق بعيدة، والأكيد أنهم أحسنوا الاختيار حينما جاءوا لطلب العلم في فاس “بلد المدارك والمدارس، والمشايخ والفهارس” (24)، الأمر الذي أتاح لهم تكوينا علميا رضينا. ومن حسن حظهم أنهم حلوا بالعاصمة المرينية في عهد “أبي عنان”، الذي يعتبر – إلى جانب والده “أبي الحسن” – عالم السلاطين في الدولة المرينية. فكان على دراية واسعة بالفقه، ومتبحرا في المنطق وعلم الكلام وعلوم القرآن والحديث، وكان خطاطا مثل والده، كما كان على الخصوص رجل أدب بارع شعرا ونثرا. وهذا ما يفسر تدخله المباشر في شؤون التعليم، عن طريق النقد والتوجيه، وتشجيعه لكل ما هو فكري عن طريق الإنفاق والبناء، مثل تشييد المدرسة البوعنانية ومكتبة القرويين (25).
وكان لا بد لوضع كهذا أن يفيد الحياة الفكرية بفاس المرينية، وبالتالي جمهور الطلاب، بمن فيهم أولئك الذين قدموا إليها من “بلاد السودان”.
ولا يخالجنا شك في أن نوع التكوين العلمي الذي كانت فاس المرينية تضمنه لطلابها، من أهم الحوافز التي دفعت السودانيون إلى الرحيل إليها. فقد كان الفقه المالكي بكل فروعه يحظى بالأسبقية على باقي المواد الدراسية. والواقع أن طغيان الطابع الفقهي على الحياة العلمية بالمدينة سابق للعصر المريني، فمنذ الثلث الأول من القرن الثاني عشر الميلادي، أثنى الزهري على سكان فاس الذين كان “أكثرهم فقهاء” (26). وتطور الأمر إلى أن صارت “دار فقه المغرب”. وإلى جانبه أعطيت الأهمية للنحو والقراءات (27).
وبما أن هذه العلوم بالذات هي التي تصدرت هموم السودان الفكرية (28)، فإن طلابهم حرصوا على النهل منها من أحد منابعها الكبرى، أي فاس المرينية، كما كان بإمكانهم أن يحضروا دروسا في العلوم الشرعية واللسانية الأخرى مثل التفسير والتجويد والحديث وعلم الكلام والتصوف واللغة والبيان والعروض والقوافي والأدب، هذا دون أن ننسى علوم العدد والفلك والهيأة والهندسة والمنطق (29). ويعكس مجموع هذه العلوم الطابع الموسوعي للتكوين الذي ناله طلبة السودان بفاس، سيما وأن نخبة من العلماء الكبار هي التي كانت تتولى الإشراف عليه وتنفيــــــــــــذه (30)، ولا نعلم المدة التي كانت تستغرقها إقامة طلبة السودان، غير أن الأمر ارتبط بمدى جديتهم في التحصيل قبل كل شيء. فلم تكن الدراسة محدودة بفترة زمنية معلومة، وإنما كان العلماء يجيزون طلبتهم فيما درسوه لهم من مواد أو كتب، عندما يأنسون منهم مستوى معقولا من الإحاطة والإطلاع. وفي كل الأحوال لم تكن الدراسة تقل عن خمس سنوات (31).
وتدفعنا فترة زمنية كهذه إلى التساؤل عن الحياة اليومية لطلبة السودان بفاس، بما في ذلك مكان إقامتهم، ومصدر نفقاتهم، وطبيعة علاقاتهم مع المجتمع المحلي، فبما أنهم لم يكونوا يتوفرون على مدرسة خاصة بهم، كما كان حال طلاب كانم بمصر (32)، يمكن الاعتقاد أنهم اتخذوا من إحدى مدارس المدينة مأوى لهم. ومعلوم أن إحدى المدارس حوت غرفا لسكنى الطلبة الغرباء عن فاس، الذين كان يحق لهم كذلك الحصول على الطعام واللباس لمدة قد تطول وقد تقصر (33).
ولا نعلم شيئا عن نوع الصلات التي كانت بين الطلاب السودان من جهة وبين أساتذتهم وزملائهم وعموم السكان، الذين اقتضت الضرورة التعامل معهم من جهة ثانية، بيد أنه يمكن القيام بمقاربة لهذا الموضوع، قياسا على موقف أجانب عاشوا بفاس في العصر الوسيط، وسجلوا انطباعاتهم عن المدينة وأهلها، فقد أكدت تكل الانطباعات على العموم، أن المدينة كانت ملجأ لكل مهاجر ولاجئ (34)، وهذه خاصية تقترن بفاس منذ بنائها، وتعميرها بعناصر متباينة، اشتملت على العرب الأندلسيين والقيروانيين، وعلى البربر بمختلف قبائلهم، وعلى اليهود. كما حظيت المدينة بالثناء من قبل الغرباء الذين حلوا بها من حيث بقعتها وخيراتها، إلى حد شبهها أحدهم ب”جنة الخلد أشجارا وأنهارا” (35). وبالمقابل انتقدوا أهلها بطريقة لاذعة فوصفوهم باللؤم والبخل وبغض الغريب (36).
وإذا كانت هذه هي ارتسامات المغاربة والأندلسيين عن فاس، فيمكن تخيل الصورة التي تركتها لدى الطلبة السودان.
والواقع يجب النظر إلى هذا الموضوع من زوايا متعددة، فليس من شك في أن المقام طاب لهؤلاء بفاس، التي كانت إحدى منارات الإسلام، وإحدى أكبر مدن عالم البحر المتوسط، بما يعنيه ذلك من نشاط فكري وامتداد عمراني وحركة تجارية وأسباب ترفيهية، وغيرها من مظاهر الحياة الحضرية التي جعلتهم – بالتأكيد – يفتتنون بها ويعجبون؛ لاسيما وهم القادمون من بلاد تنتمي إلى حضارة مادية مختلفة تمام الاختلاف، ومن مدينة (تنبكت) التي كانت لا تزال في مراحل تطورها الأولى.
ولم يكن وجود هؤلاء السودان بالعاصمة المرينية ليثير أي رد فعل خاص، لأنها كانت باستمرار متعددة الأعراق، ولأنها دأبت على استقبال الوفود السفارية، والقوافل التجارية القادمة من “بلاد السودان” (37).
كما كان عدد من سكان فاس – وخصوصا العلماء والتجار – كثيري التردد على تلك البلاد، التي كانوا يعودون منها محملين بسلعها وأخبارها المختلفة. ومن ثم فإن وجود الطلاب السودان بفاس كان مسألة عادية في نظر أهلها.
ولكن مشكل هؤلاء الطلاب بفاس، أنهم لم يكونوا غرباء عنها فحسب، وإنما كانوا كذلك “زنوجا”، وبالتالي ربما عانوا مرتين من السكان المحليين.
حقيقة أ، الرابطة الدينية كانت كفيلة بالتخفيف من هذه المعاناة، غير أن الواقع والأحكام المسبقة كانت – ولا تزال – أكثر قوة وتأثيرا في توجيه السلوك البشري. وهو سلوك لا يبرز على مستوى فاس وحدها، وإنما يقترن بقيم وعقليات ذلك العصر. فكانت الشعوب المتوسطية تنظر إلى سكان السودانيين نظرة تنقيص وإهمال (38). أكيد أن هذه النظرة الدونية تهذيب مع توسع الإسلام في تلك الأصقاع، غير أنها ظلت تحمل قسطا غير قليل من مشاعر التعالي، وإصدار الأحكام المسبقة عليهم، كما يظهر مثلا عند “ابن بطوطة” و”ابن خلدون” و”الوزان”، الذين كتبوا في عز انتشار الإسلام في جنوب الصحراء.
ولم يكن لسكان فاس أن يبقوا في منأى عن هذه المواقف، التي انعكست لا محالة على معاملتهم للطلبة السودانيين. والأنكى من ذلك أن أقوام إفريقيا السودانيين تعرضت للاسترقاق، مما زاد في ازدرائها. وكانت فاس نفسها منذ منتصف القرن الرابع عشر على الأقل – أي زمن وجود الطلاب السودان بها – من أكبر زبائن العبيد السودان الذين استعملوا في جيش السلاطين، وفي حريم القصور ومنازل الخاصة (39). وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن تصور المعاملة التي لقيها الطلبة السودان من قبل أهل فاس.
ولعل وضع الطلبة المذكورين كان أحسن حالا بين أساتذتهم وزملائهم، الشيء الذي كان يهون عليهم، ويخفف من معاناتهم بدون شك. وبما عللوا أنفسهم أيضا بالحظ الذي أسعفهم للالتحاق بإحدى أشهر “جامعات” ذلك العصر، وارتكزت هذه الشهرة على إمكانيات الوسط الفكري المحلي، بما توفر عليه من معاهد ومكتبات وعلماء؛الشيء الذي أتاح للطلبة السودان تحصيلا عالي المستوى. وهذا ما جذب عددا من الطلاب، ليس من المغرب الأقصى فحسب، وإنما من باقي بلدان الغرب الإسلامي، ومن إفريقيا الغربية الصحراوية والسودانية.
وإلى جانب المسلمين أقبل عليها غيرهم من الديانات الأخرى، وخصوصا المسيحيين أمثال Léonard Clénarios و Gillbert d’auriloc الذي صار البابا سلفستر الثاني، وقيل بأنه أدخل الأرقام العربية إلى أوربا (40).
وكان التخرج من “جامعة فاس” يعني التميز الفكري والتقدير الاجتماعي وضمان المستقبل، وبالفعل كان أمام الطلبة – متى أتموا دراستهم – فرصا واعدة متعددة للعمل في مرافق الدولة وفي التعليم والقضاء والتوثيق وغير ذلك (41).
أما الطلاب السودان الغربي فكانوا يعودون إلى بلادهم، حاملين إليها زادا دسما من المعرف والتجارب التي تراكمت لديهم – وخصوصا في المجال الفكري – خلال إقامتهم بعاصمة المغرب الأقصى العلمية. فكان من الطبيعي أن يحيطهم قومهم بشتى مظاهر التبجيل والتكريم، كما كان من الطبيعي أن تكون وظيفتهم عالية المستوى في تأطير الحياة الدينية والفكرية المحلية. فقد اشتهر عبد الرحمان التميمي – بعد عودته من فاس – بتضلعه في الفقه، واشتغل في التدريس “بجامع سنكري”، الذي كان أكبر مركز فكري “بتنبكت” (42)، ويشبه جامع القرويين بالغرب الإسلامي من حيث الإشعاع العلمي على مجموع إفريقيا الغربية السودانية. ونفس الشهرة نالها كاتب موسى الذي تولى القضاء والإمامة بنفس المدينة (43).
ولا ريب أن الرحلة العلمية السودانية إلى الغرب المريني كانت بمثابة بذرة أتت أكلها في العصور اللاحقة وخصوصا في القرن السادس عشر الميلادي عندما ظهرت نخبة من العلماء السودان الذين تلوا – على غرار المغاربة نخبة من العلماء السودان الذين تولوا – على غرار المغاربة قبلهم – نشر الإسلام ببلاد السودان وتسيير شؤون الحكم والمجتمع وتلقين العلم وتأليف الكتب، وبلغ الازدهار الفكري بهذه الجهات في هذا الوقت حدا استقطب فيه المغاربة أنفسهم. فأصبح بعضهم يرحلون بدورهم للتحصيل العلمي في المعاهد السودانية، ولاسيما تنبكت وولاتــــــه (44).
وبذلك ساهم الطلاب السودان الذين كانوا يترددون على معاهد العلم المغربية في نقل جوانب من الفكر المغربي إلى بلادهم، وعملوا بالتالي على التعريف به ونشره فيها. ولعل دورهم في هذا المجال كان ذا أهمية بالغة، لقدرتهم – أكثر من غيرهم – على التواصل مع بني جلدتهم والتأثير عليهم. ومن ثم فإنهم كانوا خير من وضع لبنات الثقافة المغربية بالسودان الغربي في العصر الوسيط.
1) انظر عن الرحلة العلمية في الإسلام: غنيمة (محمد)، تاريخ الجامعات الإسلامية الكبرى، تطوان، معهد مولاي الحسن، 1953، ص. 208 – 217. ومعلوم أن هذا النوع من الرحلات عرف على نطاق واسع في العالم الإسلامي. فكان من أهم وسائل التحصيل، لما يتيحه من لقاء العلماء النابغين والمشاهدة والاحتكاك وربط العلاقات. وأفرد ابن خلدون أحد فصول “المقدمة” لهذا الموضوع، وخلص إلى أن “الرحلة لا بد منها في طلب العلم، لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال”. انظر: ابن خلدون (عبد الرحمان)، تاريخ ابن خلدون المسمى: “كتاب العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر”، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، بيروت، دار الكتب العلمية 1992، م. 1، ص. 626 – 627.
2) يبدو أن خوارج بلاد المغرب كانوا أزل من أدخل الإسلام إلى السودان الغربي في القرن التاسع الميلادي. وتمت الأسلمة في هذه الفترة عن طريق التجارة والهجرة، وهمت منطقة الساحل قبل غيرها. ولما ظهر المرابطون في منتصف القرن الحادي عشر م. سنوا سياسة الجهاد ضد السودان، فأدت إلى توسيع نطاق انتشار الإسلام في المنطقة وإدخالها إلى الذهب المالكي الذي مازال سكان إفريقيا الغربية يعملون به إلى اليوم انظر تفاصيل هذه المواضيع عند: العلوي (عبد العزيز)، “تأثيرات بلاد المغرب على حضارة السودان الغربي في العصر الوسيط”: “الدين والفكر”، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الآداب، تخصص تاريخ، كلية الأدب سايس – فاس، 1999، الفصلان الثلث والرابع (مرقونة).
3) للتوسع في هذا الموضوع، يراجع: نفسه، الفصل السابع.
4) نعني بها كعت (محمود): “تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس”، ترجمة وتحقيق هوداي ودولافوس، باريس، ميزوناف، 1981، السعدي (عبد الرحمان)، تاريخ السودان، ترجمة وتحقيق هوداس وبنوة، باريس، ميزوناف، 1981؛ مجهول، تذكرة النسيان في أخبار ملوك السودان، نشرة هوداس، باريس، 1901. هي مصادر كتبت على التوالي خلال القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر الميلادي، وتجمع بين التاريخ الحدثي وتراجم العلماء والحكام.
5) حركات (إبراهيم)، طبيعة العلاقات المغربية مع إفريقيا الغربية في العصر الوسيط، دعوة الحق، العدد 269، أبريل – ماي 1988، ص. 189.
6) Cuoq (j.), histoire de l’islamisation de l’Afrique de l’ouest des origines à la fin de 16ème siècle. Paris. Geuthner, 1984. pp. 108 – 109. Voir aussi : konale (D). Les relations culturelles entre Fès et le Mali du 14ème au 16ème siècle. In Fès et l’Afrique : Relations économiques culturelles et spirituelles. Casablanca. Institut des études africaines de Rabat et la faculté des lettres et des sciences humaines. Saix – Fès. 1995. p. 49.
7) في عهد السلطان الكانمي دونمة بن دبالامي (1210 – 1248 / 607 – 646) بنيت مدرسة ابن رشيق بمدينة الفسطاط المصرية بعد سنة 1242 / 640، لتدريس الفقه المالكي لطلاب كانم، ولتأوي الحجاج الكانميين. وكان بالأزهر رواق البنورية لطلاب العلم من برنو والهوسا – انظر: العمري (أحمد)، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، من الباب الرابع عشر، تحقيق مصطفى أبو ضيف، الدار البيضاء، دار النجاح، 1988، ص. 55 وهامش 22؛ القلقشندي (أحمد)، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، د. ت. ج. 5، ص. 281. انظر أيضا:
Lange (D.) Progrès de l’Islam et changement pahtique au Kamen du 11ème au 13ème siècle : une essai d’interprétation. Journal of Africain History. 1978. t. 19. p. 511 : truminghans (j. s.). Ahistory of Islam in West Africa. London. Osford Universit Press. 1962. p. 85 : Ki – Zebo (J.). Histoire de l’Afrique nour à demain. Paris. Hatier. 1978. p. 155.
8) السعدي، م. س. ص. 51 راجع أيضا الولاتي انظر أيضا: السقاط (محمد)، فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور، تحقيق محمد إبراهيم الكناني ومحمد حجي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1981، ص. 176 وكذلك:
Konate (D.). op. cit. p. 49 : Cuoq (J.). Histoire… op. cit. p. 108.
9) السعدي، م. س. ص. 57. انظر أيضا: السقاط (عبد الجواد)، ملامح من التواصل الثقافي بين المغرب والسودان في العصر السعدي، دعوة الحق، العدد 269، أبريل – ماي 1988، ص. 243. وراجع كذلك:
M. Brive (p.). Ahmed baba de Tomboctoir. Précurseur des relations culturelles entre Fès et le Sudan accidentad. In Fès et Afrique…. Op. cit. 109, Konate (D.). op. cit. p. 49.
10) انظر في هذا الموضوع: ابن خلدون، م. س.، م. 7، صص. 315 – 316؛ الناصري (أحمد)، الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الدار البيضاء، 1954 – 1955، ج. 3، صص. 151 – 152، ج. 4. صص. 34 – 35.
11)انظر عن التحولات التي طرأت على خريطة التجارة الصحراوية في هذه الفترة وموقع المغرب الأقصى فيها: العلوي (عبد العزيز)، العلاقات التجارية والثقافية بين المغرب المريني وإمبراطورية مالي، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، عدد خاص 5، 1989، ص. ص. 57 – 71.
12) المنوني (محمد)، ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1979، ص. 200 – 201. راجع ذلك:
Benchekroun (M.), La vie intellectuelle marocaine sous les Marinides et les wattasides (13ème, 14ème, 15ème, 16ème siècle). Rabat. 1974, p.9.
13) أحصى محمد بنشقرون في دراسته عن الحياة الفكرية المغربية في عهد المرينيين والوطاسيين 119 عالما مغربيا، اشتهروا في ميادين التدريس والتأليف والوظائف الإدارية المختلفة.
14) لا شك أن السودان كانوا على علم بالخريطة الفكرية لدول شمال الصحراء، دليل وصف أحمد بابا التنبكتي للمدن المغربية بأنها “من بلاد العلم من قديم الزمان كفاس وغيرها”. انظر: التنبكتي (أحمد بابا)، نيل الابتهاج بتطريز الديباج، طبع على هامش الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت.، ص. 246.
15) لمزيد من التفاصيل انظر:
Le tourneau (R.). fès avant le protectorat. Etude économique et sociale d’une ville de l’occident musulman. Casablanca. Publications de l’Institut des hautes Etudes Marocaines. i. XLV. 1949. p. 454.
وكذلك: لوتورنو (روجيه)، فاس في عصر بني مرين، ترجمة نفولا زيارة، بيروت – نيويورك، مكتبة لبنان، 1967، ص. 168؛ بنعبد الله (عبد العزيز)، معطيات الحضارة المغربية، الرباط، دار الكتب العربية، 1963، ج. 1، ص. 119.
16) لوتورنو (روجيه)، م. س. ص. ص. 168، 173.
17) الوزان (الحسن)، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، بيروت – الرباط، دار الغرب الإسلامي – الشركة المغربية للناشرين المتحدين، 1983، ج، 1، ص. 224.
18) انظر ابن الخطيب (لسان الدين)، معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، تحقيق محمد كمال شبانة، المحمدية، 1976، ص. 176؛ العمري، م. س.، ص. 117، القلقشندي، م. س. ج. 5، ص. 156. وقد أحصى الوزان (م. س. ج. 1، ص. 223) في بداية القرن السادس عشر حوالي سبعمائة جامع ومسجد بالمدينة.
19) بني سلاطين بني مرين المدارس بمدن مغربية أخرى مثل تازة ومكناسة، وسلا، وسبتة، وأنفا، وأزمور، وأسفي، وأغمات، ومراكش، والقصر الكبير، وتلمسان، والجزائر، كما عرفت المدارس بإفريقية الحفصية، حيث كانت عاصمتهم تونس تحتوي على ثلاث منها. انظر: العمري، م. س. ص. ص. 85، 117 وهامش 62، القلقشندي، م. س. ج. 5، ص. ص. 102، 156،؛ الفاسي (محمد العابد)، الخزانة العلمية بالمغرب، الرباط الرسالة، 1960، ص. 17؛ المنوني (محمد)، ورقات…، م. س. ص. ص. 197 – 198. راجع أيضا:
Benjelloun (L.). Les bibliothèques au maroc. Paris. Maisonneuve et Larose. 1990. p. p. 133. 135.
20) من المعلوم أن المدارس ظهرت أول الأمر بالشرق الإسلامي في نهاية القرن الحادي عشر، على يد فقهاء السنة. وسرعان ما تبنتها الدول لتكوين فقهاء المذهب السني وأطر الجهاز الإداري. غير أننا لا نعلم كتى انتقلت إلى الغرب الإسلامي. ولا يستبعد بعض الباحثين أن يكون الموحدون سبقوا بني مرين في تشييدها ببعض المدن مثل مراكش، وسلا، وسبتة، وفاس، انظر غنيمة (محمد)، م. س.، صص. 110 – 114؛ المنوني (محمد)، العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، الرباط، دار المغرب، 1977، ص. 20.
21) بل (الفرد)، الفرق الإسلامية بالشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى اليوم؛ ترجمه عن الفرنسية عبد الرحمان بدوي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1981، ص. ص. 351 – 365؛ المنوني (محمد)، ورقات…، م. س. ص. 201. انظر أيضا:
Benchekroun (M.) op. cit. p. 67.
22) السائح (الحسن)، الحضارة الإسلامية في المغرب، الدار البيضاء، دار الثقافة، 1986، ص. ص. 255 – 256؛ الفاسي (محمد العابد)، م. س. ص. ص. 17 – 28؛ وكذلك:
Benchekroun (M.) op. cit. p. p. 56- 57 : Benjelloun (L.). op. cit. p. p. 135 – 138
23) الفاسي (محمد العابدي)، م. س. ص. 28. وقدر عدد كتب خزانة القرويين في نهاية القرن التاسع عشر بثلاثين ألف مجلد. انظر: بنعبد الله (عبد العزيز)، معطيات…، م. س. ج. 1، ص. 124.
24) ابن الخطيب، م. س. ص. 175.
25) ابن بطوطة (محمد)، رحلة ابن بطوطة، بيروت، دار بيروت، 1980، ص. 664؛ الفاسي (محمد العابد)، م. س.، ص. 17؛ المنوني (محمد)، ورقات…، م. س. ص. 217؛
Benchekroun (M.). op. cit. p. p. 39 – 45 Le tourneau (R.). Fès… op. cit. p. 472.
26) الزهري (محمد)، كتاب الجغرافية، تحقيق محمد صادق، الظاهر، مكتبة الثقافة الدينية، د. ت.، ص. 114.
27) المنوني (محمد)، ورقات…، م. س. ص. ص. 201 – 203.
28) للتوسع في هذا الموضوع، انظر العلوي (عبد العزيز)، تأثيرات…، م. س.، الفصل الثامن.
29) المنوني (محمد)، ورقات…، م. س.، ص. ص. 203 – 204.
30) لمزيد من المعطيات، يراجع: Benchekroun (M.). op. cit. 76 – 84.
31) Le tourneau (R.). Fès… op. cit. p. 457.
32) العمري، م. س. ص. 55 وهامش 22؛ القلقشندي، م. س. ج. 5، ص. 281.
33) حددها الوزان، (م. س. ج. 1، ص. 227) بسبع سنوات، وابن خلدون (م. س. م. 1، ص. 463) بست عشرة سنة. انظر أيضا: لوتورنو (روجيه)، م. س. ص. 180.
34) الجزنائي (علي)، جنى “زهرة الآس في بناء مدينة فاس”، الرباط المطبعة الملكية، 1967، ص. ابن الخطيب (لسان الدين)، م. س. ص. 178.
35) الحموري (ياقوت)، معجم البلدان، بيروت، دار صادر، 1979، م. 4، ص. ص. 230 – 231. انظر كذلك الجزنائي، م. س. ص. 39.
36) البكري (عبد الله) “المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب”، وهو جزء من كتاب المسالك والممالك، الجزائر، مطبعة الحكومة، 1857، ص. 117؛ القزويني (زكرياء)، “آثار البلاد وأخبار العباد”، بيروت، دار صار، د. ت. ص. 103؛ الحموي (ياقوت)، معجم البلدان، بيروت دار صادر، 1979، م. 4، ص. ص. 230 – 231؛ مجهول، كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار، تحقيق سعد زغلول عبد الحميد، الدار البيضاء، دار الرشاد الحديثة، 1979، ص. ص. 182 – 183. وعبر ابن الخطيب في معيار الاختيار (م. س. ص. 179) عن هذه المشاعر بطريقة طريفة ومركزة وساخرة فقال: “وتحبهم الوجوه للغريب، ذي الطرف المريب (…) يلقى الرجل أبا مثواه فلا يدعوه إلى بيته، ولا يسمح له ببقله ولا زيته. فلا يطرق الضيف حماهم، ولا يعرف اسمهم ولا مسماهم”.
37) انظر عن دور المدينة في العلاقات التجارية مع السودان الغربي: العلوي (عبد العزيز)، فاس والتجارة الصحراوية قبل الحملة السعدية على إمبراطورية سنغاي (فرضيات ووقائع) ضمن فاس وإفريقيا: العلاقات الاقتصادية والثقافية والروحية، الدار البيضاء، معهد الدراسات الإفريقية بالرباط وكلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس – فاس، 1996، ص. ص. 73 – 107.
38) انظر ما جاء عند ابن خلدون م. س. 1، ص: 89 وص: 92…
39) انظر التفاصيل عند العلوي (عبد العزيز)، العلاقات…، م. س. ص. ص. 63 – 64؛ نفسه، فاس…، م. س. ص. ص. 91 -96.
40) السائح (الحسن)، م. س. ص. ص. 186، 256؛ بنعبد الله (عبد العزيز)، معطيات…، م. س. ج. 1، ص. 121؛ 71 – 70 Benchekroun (M.). op. p. p.
41) لوتورنو (وجيه)، م. س. ص. 181؛ 463.Le Tourneau (R.) . Fès…, op. cit. p
42) السعدي، م. س. ص. 176؛ الولاني، م. س. ص. 176.
43) السعدي، م. س. ص. 57.
44) لمزيد من التفاصيل، راجع العلوي (ع.)، تأثيرات…، م. س.، الفصل الثامن.
المصدر: دعوة الحق، العدد 350، مارس 2000