اقترنت الساقية الحمراء بذكرى المجاهد العظيم والعربي الفاضل الشيخ ماء العينين جد هذه العائلة المشهورة وكان يستمد مؤونته وياخذ السلاح باستمرار من سلاطين الدولة العلوية الشريفة الذين بايعهم بيعة الامامة الاسلامية وجاهد تحت رايتهم الاسلامية المغربية باعتراف الجميع .
بقلم: الأستاذ محمد الطنجي
اقترنت الساقية الحمراء بذكرى المجاهد العظيم والعربي الفاضل الشيخ ماء العينين جد هذه العائلة المشهورة وكان يستمد مؤونته وياخذ السلاح باستمرار من سلاطين الدولة العلوية الشريفة الذين بايعهم بيعة الامامة الاسلامية وجاهد تحت رايتهم الاسلامية المغربية باعتراف الجميع .
قال صاحب كتاب الوسيط : وكانت الساقية الحمراء خالية لا انيس بها لشدة الخوف ولقحولها دائما حتى عبرها الشيخ ماء العينين وبنى فيها الدور وغرس النخل فسهلت المواصلات بين شنقيط وغيرها من المواضع المغربية (يعني التابعة للمغرب ) وهي في الاصل للركيبات من الزوايا الا انهم يحملون السلاح في اكثر اوقاتهم والعلم فيهم قليل.
فمن هو الشيخ ماء العينين الذي احيا الساقية الحمراء واعتبرها؟
وما صلته بملوك المغرب وموقفه منهم؟ وما مبلغ ما كانوا له من مؤونة؟
ذلك ما يحدث به أديب شنقيط صاحب كتاب الوسيط اذ يقول:
الشيماء العينين هذا علم اشتهر به واسمه مصطفى بن الشيخ محمد فاضل بن مأمين هو العلامة الوحيد له معرفة بعلوم الشرائع والفقه وغير ذلك ومن جاء بعد الشيخ سيدي مثله في اقبال الشيخ محمد بن الشيخ ماء العينين مؤسس مدينة السمارة ونائب خليفة الصدر الأعظم في تطوان بالأقاليم الصحراوية الناس عليه وانفاقه حج في ايام السلطان مولاي عبد الرحمان رحمه الله وتردد على السلطان سيدي محمد وكان حظه في ايام السلطان مولاي الحسن احسن منه في ايام ابيه وجده وهو في ايام مولاي عبد العزيز احسن من ايام مولاي الحسن .
وصارت له في مراكش املاك طائلة من زوايا ودور وبساتين ومزارع وكان هذا الشيخ فاضلا كريما لا يوجد احسن منه اخلاقا وقد اجتمعت به حين خروجي من مدينة شنقيط الى مراكش في توجيهي الى الحجاز ورايت منه ما حيرني .لاني اقدر من معه في وادي اسمار من الساقية الحمراء بعشرة الاف شخص ما بين ارملة ومزمن وصحيح البنية وكل اصناف الناس .وكل هؤلاء في ارغد عيشة كاسبا من ذلك الشيخ ويزوج الشخص ويدفع المهر من عنده ويجهز المراة من عنده مع حسن معاشراته لهم لا فرق عنده بين ولده والمحسوب عليه، ولا يمضي عليه اليوم الا وقد بعث قافلة تاتيه بالميرة او قدمت اليه اخرى تحملها.ومتى بلغ الإنسان قريبا منه يسمع دوي مريديه يذكرون الله وينشدون الأدعية ورايته في تلك الأيام التي أقمت عنده لا تفوته صلاة الجماعة في اول الوقت مع كبر سنه وضعف جسمه .وبعد صلاة العصر يسردون له الحديث وهو يسمح ثم يشرح لهم بعض المواضع منه.وكان الموضع الذي هو فيه صعبا بعيدا من الأماكن التي تجلب منها الأرزاق .الاانه نفعه مرسى لبيظ اذا كان السلطان يملأ له البابور في كل اربعة اشهر او ستة فينزله بها ، وهي تبعد عن محله باربعة ايام او نحوها .
ولكن معظم المؤونة ياتيه من اكليميم، وهو نحو عشرة ايام ، ومن لحنيكات ومسافتها اثنا عشر يوما، ومن ادرار وهو قريب من العشرين ، ومن سانكال ويقال له اندر وهو قريب من شهر ، وكثيرا ما تعدوا عليه شياطين العرب فينتهون قوافله من جهة سوس وغيرها.وانما كان الشيخ سيدي اشد احتراما عند حسان منه لان العرب الذين يحوطون بالشيخ سيدي لهم رؤساء يطيعونهم وهم احسن دينا واخلاقا من الذين في ارض الشيخ ماء العينين، ولم يزل نافذ الكلمة في المغرب الى ان وقعت الفتن وازدادت الشرور ولما اراد الفرنسيون احتلال شنقيط وصحراءه ارسل اليهم الشيخ ماء العينين يحضهم على الدفاع ويمنيهم بمساعدة السلطان لهم وكانوا يعتقدون ان السلطان اقوى من الفرنسيين.فبعض القبائل سالمهم ويعضهم جعل يقطع عليهم الطريق ويحاربهم من بعيد بالهجوم ليلا ونحو ذلك ثم ان الشيخ بعث اليهم احد اشراف فاس واخبرهم بانه هو خليفة السلطان عليهم.فقدموا إليه من كل الجهات ، وكان ذلك الشريف حازما مدبرا فوقعت بينه وبين الفرنسيين معارك انتصر في بعضها وخذل في بعض.فلولا قوة الفرنسيين وكثرة الصحاري والجبال لقهرهم في أول وهلة. ولولا رداءة سلاح أهل الصحراء وعدم انتضامهم في انفسهم لدفوعهم سنين كثيرة.على انهم ما دخلوا ادرار منذ دخلوا تيججك الا بعد ة سنين .وهما كالشيء الواحد ولولا ما يعدهم الشيخ ماء العينين به من انجاد السلطان لسلموا لهم ايضا.فطال الروغان ولما علم الشريف بعدم الفائدة رجع الى فاس .لان العرب لما طال عليهم الامر فنيت مواشيهم وكابدوا كثيرا من الشدائد.فصاروا يهربون الى ” فرانس” ويصالحونهم ، ثم بقي تلاميذ الشيخ ماء العينين، وما انضم اليهم من شذاذ الناس وصعاليكهم يناوشون الفرنسيين حتى احتلوا مدن ادرار فتركوا محاربتهم ولجأ الشيخ الى تزنيت من ارض سوس وتوفي رحمه الله ستة ثمان وعشرين وثلاثمائة والف.
مبايعته للسلطان مولاي حفيظ:
قدم الشيخ ماء العينين من الساقية الحمراء في جموع كثيرة لياخذ لهم المؤونة والسلاح من السلطان مولاي عبد العزيز وكان اذ ذاك برباط الفتح فلما وصل الى نواحي مراكش بلغه ان اهل مراكش بايعوا مولاي حفيظ وان اهل المغرب ناقمون على اخيه السابق ، وتعرض بينه وبين مولاي عبد العزيز، وما امكنه الا ان يبايع مولاء حفيظ فقدم الى مراكش بجموعه وبايع واحتفل به السلطان واكرمه .والناس يخوضون فيما لا يعرفون حقيقته فان السلطان الحالي كان يطفئ الفتن الداخلية التي التهمت نارها المغرب ولا يمكنه ان يلتفت الى غيرها ويكفي الشيخ ماء العينين انه لم يعارضه في شيء مما يملك اما امره له بالرجوع عن فاس فانه لم يكن عن نية سيئة بل لان السلطان كان محتاجا الى ان يستنجد ب ” فرانس” وهم يعادون الشيخ المذكور .وكان السلطان يتوقع مجيئهم فلو دخلوا فاس وقع السلطان بين امرين اما ان يتركهم وشأنهم به فان السلطان لا تسمح له مروءته بذلك ، واما ان يحدث ذلك ضعائن بينهم وبينه فذاك مما يضر بصالحه فامره بالرجع.
وقد اكد العلامة المحقق الاستاذ محمد بن عبد الله الروداني هذه المعلومات مع زيادة تفصيل في تعلقه على الكتاب الفريد من نوعه ” ايليغ قدما وحديثا” تاليف فقيد الاسلام وعلامة سوس ديقنا السيد المختار السوسي مع ذكر ولد الشيخ ماء العينين المجاهد احمد الهيبة وما صحب ثورته من حوادث ذات اهمية في تاريخ النضال المغربي وذلك من (ص) 305 لما بعدها من الكتاب المشار إليه .
وما تذكره كتب التاريخ عن التحرك المغربي في المنطقة :
1- حملة المولى اسماعيل لنصرة جد امير الترارزة .
2- تصديق المولى محمد بن عبد الله على مغربيتها حتى ياخذ الشناقطة حصتهم من وقف المغاربة العمومي بالمدينة المنورة
3- حكم قاضي المغرب ابن سودة بمغربيتها منذ قرون.
4- تخطيط اقليم شنقيط والساقية الحمراء ومغربية هذا القطر كله بقلم اهلها وبكتب الجغرافية المعتبرة واهل اللغة.
5- اتصال اهل شنقيط بالدولة العلوية بعد الدولة السعدية المغربيتين .
6- شكوى الزعيم على شندورة للمولى اسماعيل وامداده بحملة عسكرية منه وانتصارها.
7- وفود احد العلويين على المولى عبد الرحمن وعنايته باقصى المسلمين من اهل مملكته.
8- عمارة المجاهد ماء العينين للساقية ومبايعته لملوك المغرب بعد جهاد تحت رايتهم ووفوده عليهم ووفاته بدينة تزنيت بالقطر السوسي المغربي سنة 1328 هـ.
ومما ذكره اديب شنقيط العلامة المؤرخ احمد بن الامين الشنقيطي في كتابه الوسيط في تراجم ادباء شنقيط انه قال : شنقيط من المغرب على ما طنا نعهد وذلك معروف عند اهل شنقيط واهل المغرب .وقد انكر ذلك بعض المشارقة وادعى من السودان ، وذلك ان بعض الشناقطة كان مقيما بالمدينة المنورة فكان ياخذ من وقف المغاربة العمومي ، فتعصب عليه الجزائريون فمنعوه من اخذ حصته .قال صاحب كتاب الوسيط فلما قدمت المدينة سنة سبع عشرة وثلاثمائة والف واجتمعت به (أي بالشنقيطي الذي منعوا عنه حصة الوقف المغربي) اخبرني بما جرى له. فقلت له ان سيدي العربي السايح نص في كتاب البغية على انهم من اقصى المغرب ثم قال صاحب كتاب الوسيط ورأيت في دار كتب المرحوم عارف حكمت بك بالمدينة المنورة كتابا للسيد مرتضى الزبيدي شارح القاموس بخط يده يعدد فيه اشياخه ويترجمهم فذكر من جملتهم عبد الرشيد الشنقيطي ، وذكر انه مر عليهم بمصر متوجها الى فاس في قضية مما ثلة لقضيتك قال ثم رجع الينا وقد صادق له السلطان بانهم مغاربة، وحكم بذلك القاضي ابن سودة .قال صاحب كتاب الوسيط ، والأغلب ان ذلك السلطان هو مولاي محمد بن عبد الله ( يعني ابن المولى اسماعيل) فقال ان مفتي المدينة وهو تاج الدين الياس لم يقبل ما في الكتابين . وحكم بان الشناقطة من السودان ( زاعما ان ذلك مقتضى ما في الجغرافية ) قال صاحب كتاب الوسيط : وهذا عجيب فان النخبة الازهرية نصت على ان شنقيط من المغرب وهذا نصها ( في صحيفة 323) ومن الواحات الشهيرة فيها ( يعني الصحراء ) غربا الادرار وتسكنها قبائل الارواد وهم مغاربة مسلمون مركزها وادي نون ومدنها شنقيط .انتهى والصواب ان مركزها شنقيط وبه سمى القطر كله كما علق عليه صاحب كتاب الوسيط.كما ذكر ان صاحب القاموس كتبها بالكاف لا بالقاف . حيث قال ومما يستدرك عليه شنقيط مدينة بأقصى المغرب وفيه أيضا بعد شنقيط أو ما يستدرك عليه شنكيط بالكسر مدينة من أعمال سوس الأقصى المغرب ثم قال اصحاب الوسط.
على مدينة من مدن ادرار واقعة فوق الجبل في جهة غرب الصحراء الكبرى ثم سعى به القطر كله على ما سياتي بيانه فصار من باب تسمية الشيء باسم بعضه شنقيط والساقية الحمراء .
قال ويحك هذا القطر شمالا الساقية الحمراء ، وهي تابعة له ، وجنوبا قاع ابن هيب وهو تابع له ايضا ، وشرقا ولات والنعم وهما تابعان له ايضا وغربا بلاد سنكال او سنغال المعروفة عند اهل شنقيط بانذر وهي خارجة عنه.
قال صاحب كتاب الوسيط وقد أخذنا خريطتها من أحدث الخرائط الفرنسية وزدنا فيها ما اطلعنا عليه.
فقد توالى اتصال هذه النواحي بالدولة العلوية بعد الدولة السعدية منذ اسد غرينها المولى اسماعيل.ففي الصفحة الاولىمن كتاب الوسط المذكور ترجمة عبد الله بن محمد المعروف بابن رازكة طموحه الا الاعتاب السلطانية واتصاله بالمولى اسماعيل وكان هذا الاتصال وقت نبوغ المولى محمد بن اسماعيل المعروف بمحمد العالم.
وكان من خاصته شكوى الزعيم على شندورة ووفوده على المولى اسماعيل وامداد المولى اسماعيل له بحملة كبيرة ويذكر صاحب الوسيط ان لابن رازكة صديقا من الترازة اسمه على شندورة جد محمد الحبيب الامير المشهور، وكانت تضطهده ابناء رزك شوكتهم في ذلك العصر، فاخذه مرة وذهبا الى مكناسة الزيتون حرسها الله. ولما قدما وونزلا عند المولى اسماعيل اكرمهما ، وقال سيدي محمد العالم يرحب بهما.
مكناسة الزيتون فخرا اصبحت تزهو وترفل في ملاء اخضر
فرحا بعيد الله نجل محمـــــــد قاضي القضاة ومن ذؤابة مغفر
ثم ذكر للسلطان صولة ابناء رزك في ارض القبلة فامدها بحملة كبيرة وامر عليها على شندورة فسار بها الى ان وصل ارض القبلة فاباد ابناء رزك ولم يبق الا مواليهم من ذلك الوقت انتهى بنصه.
قلت ولعل امارة الترارزة التي منها بطل الوحدة المغربية المرحوم الشهيد قال ولد عمير استقرت في اجداده من ذلك العهد فقد تعززت مكانتهم في شنقيط بهذه الحملة الاسماعيلية.
كما يذكر في ترجمة محمد بن سيدي محمد العلوي وفوده نع ابن عمه احمد بن حرمة بن الصبار العلوي على المولى عبد الرحمان ومدحه بقصيدتين رصينتين ذكر نصهما ، وقد نقلهما الشرفاء العلويين بمكناس المولى عبد الرحمان ابن زيدان في كتابه القيم اتحاف اعلام الناس قال:
وكان السلطان رحمه الله شديد الاهتمام باقصى المسلمين من اهل مملكنه ، حتى انه يعلم اهل الخير من كبار اهلها واهل الشر .ومن نظم هذا الشاعر في مدح السلطان في القصيدة الاولى الابيات التالية :
اني كفيل بنيل السؤال ولكم
اما بمراكش المحروس او فاس
أمامنا في كلا العصرين نورهما
امامنا المستماح المطعم الكاسي
خليفة المصطفى وهو ابن بضعته
ثوبا من المجد لم يعلق بادناس
المصدر: مجلة دعوة الحق، العدد 203، مارس 1980.