إفريقيا

العلاقات الروحية بين المملكة المغربية ومنطقة الغرب الإفريقي (الطريقة التجانية نموذجا)*

إذا كان من المفترض أن تكون الصحراء الكبرى عائقا طبيعيا كبيرا أمام حركة البشر والفكر والثروة فإنها على عكس ذلك ظلت معبرا مسلوكا وقنطرة معينة على التواصل بين الشمال والجنوب. وكان شيوخ الصوفية من أنشط الدعاة إلى الإسلام بين ضفتي الصحراء فقد دأبوا على السفر من المغرب إلى بلاد السودان لينشروا دين الله ويهتدي بهم خلقه.

وقد وجد الشيخ التجاني أمامه بعد وصوله إلى مدينة فاس العالم العلامة أبا زيد سيدي عبد الرحمن الشنقيطي الذي كانت له اليد الطولى في علوم المعقول والمنقول وكانت حلقات دروسه يسير إليها الناس من فاس الإدريسية إلى فاس العليا كما ذكر ذلك سيدي العربي بن السائح في كتابه بغية المستفيد من شرح منية المريد، وقد أخذ عبد الرحمن هذا عن الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه وتوفي في حياته سنة 1224هـ ودفن بفاس العليا[1]، وخرج في جنازته الآمر والمأمور، وبهذا يكون هو أول من أخذ عن الشيخ التجاني من منطقة الغرب الإفريقي.

وكانت الطريقة التجانية وهي المتأخرة زمنيا أشد هذه الطرق تغلغلا في شعوب جنوب الصحراء كما كانت أكثرها تأثيرا في حياتهم ونمط تدينهم.[2]

وللحديث عن العلاقات الروحية بين المغرب وجنوب الصحراء سنستهل الحديث بتوطئة نخصصها لتقديم نبذة مختصرة عن حياة مؤسس هذه الطريقة وظروف إقامته في فاس، ثم نتوقف بعد ذلك عند خمس محطات كبرى كان لكل واحدة منها دورها البارز في ترسيخ هذه العلاقات وشد خيوط ربطها:

المحطة الأولى: الشيخ محمد الحافظ باعتباره حلقة الوصل الأهم بين الشمال والجنوب
المحطة الثانية: سيدي مولود فال باعتباره الحلقة الرابطة بين الشيخ محمد الحافظ وأبناء القارة في غرب افريقيا
المحطة الثالثة: الشيخ عمر بن سعيد باعتباره من أبرز الناشرين للطريقة في غرب القارة الإفريقية
المحطة الرابعة الحاج مالك سي
المحطة الخامسة: الشيخ إبراهيم انياس.
وتمثل المحطتان الأخيرتان مرحلة التعميق وتوسيع القاعدة.

وسنحاول التعرض لهذه الشخصيات العلمية والروحية من أصحاب الطريقة التجانية من خلال أربعة مباحث.

الأول: حياتهم وتكوينهم.
الثاني: إسهامهم في نشر الطريقة التجانية برافدها المغربي بالدعوة والارشاد والتذكير.
الثالث: أبرز مقدميهم ومريديهم وأهم الآثار الاجتماعية التي نجمت عن حضورهم في الساحة الروحية.
الرابع: مؤلفاتهم وإنتاجهم الادبي.
ولكون هذه المحطات هي الركائز التي تدور عليها رحى الحياة الصوفية على طريقة الشيخ التجاني في منطقة الغرب الإفريقي سنعتمدها مفاصل منهجية لهذه المحاضرة.

نبذة مختصرة عن حياة مؤسس الطريقة التجانية
ولد الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه بقرية عين ماضي 1150 هـ / 1737م وتوفي بمدينة فاس عام 1230 للهجرة (14 – 1815 للميلاد) وقد ترجم له كل من تأخر عنه سواء في طبقات الفقهاء أو في الموسوعات أو في تراجم الأعلام أو في رواد التصوف.

وفي عام 1213هـ. وبعد أن تعرض الشيخ لمضايقات شديدة من حكام الجزائر الأتراك[3] ارتحل بصفة نهائية بأهله وعياله إلى مدينة فاس. واتخذها دارا وقرارا إلى أن وافاه الأجل المحتوم.

والملاحظ في حياة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه مسألتان أساسيتان:

الأولى: أن حياته وعطاءه وشخصيته تميزت بمرحلتين مختلفتين تماما: مرحلة ما قبل 1196هـ، ومرحلة ما بعدها.

فمرحلة ما قبل 1196ه، كان الشيخ فيها طالبا بحاثا عن العلم والمعرفة والشيوخ كثير الأسفار والرحلات، آخذا عن جمع من شيوخ الطرق. ولم يتصدر خلال هذه المرحلة لمشيخة.

وفي مرحلة ما بعد 1196. تفرد بطريقته الخاصة به، وتصدر للمشيخة وإعطاء الطريقة، ووضع منهجا سلوكيا تربويا بقواعد مضبوطة وشروط معتبرة.

الثانية: أن دخوله فاسا واستيطانه بها، كان مرحلة هامة حيث لم يغادرها إلى غيرها على سبيل الإقامة، وبها تعرف عليه السلطان مولاي سليمان[4] العلوي رضي الله عنه. وهو الإمام العدل العالم فأكرم مثواه وأنزله منزلة رفيعة، وأسكنه دارا من دوره المعتبرة، لما رأى من غزارة علمه، وجلالة قدره.

وعهد سليمان الخليفة بينها *** فلست لذاك العهد ما عشت ناسيا

مليك فقيه صالح متبتل *** فأكرم به ملكا وشيخا وقاضيا

وأكرم بمن منه رأى الشيخ صاحبا *** معينا على ريب الزمان مواتيا[5]

وبفاس بنى زاويته، فكانت منطلق طريقته، وبها موطنه ومدفنه. ومنها خرجت هذه الطريقة المباركة وانتشرت في الآفاق.

وقد وثق أعلام من أهل الطريقة تعلقهم بفاس؛ فقال العلامة محمدي بن سيدي عبد الله المعروف ببدي في قصيدة طويلة له يمدح بها الشيخ سيدي أحمد التيجاني قال:

سار عنها إذا ويمم فاسا فأضاءت له دياجي الدجون

حق في أهل فاس إذ ذاك بيت وقليل له سواد العيون

يا لفاس وحبذا أرض فاس ولفاس تشوقي وحنيني

قام فيها أزكى المقام ليهدي بهدى المصطفى الرسول الأمين

نفث الدر واليواقيت فيه من فيوضات بحره المشحون

غبط القلبُ تربةً ضمنتهُ يا لشيخ بأرض فاس دفين[6]

المحطة الأولى: الشيخ محمد الحافظ بن المختار لحبيب
من خلال استقراء المصادر التاريخية للطريقة التجانية يتبين لنا أن بلاد شنقيط هي الجسر الذي عبرت عليه هذه الطريقة إلى منطقة غرب إفريقيا بعد أن استقبلها كثير من الشناقطة بالقبول والتزموا أورادها بينما انقسم من لم يأخذها من أجلاء العلماء قسمين: قسم أثنى عليها بالخير ومدح أهلها[7]، وقسم اكتفى بالسكوت وعدم الإنكار[8]، ورغم وجود من أنكر على الطريقة وجاهر بذلك[9] إلا أن أغلب المتصفين بالعلم كانوا على الحال الذي ذكرنا آنفا.

ولم يكن الشيخ محمد الحافظ رضي الله عنه هو الوحيد الذي اتصل بالشيخ التجاني من الشناقطة بل اتصل به آخرون؛ نذكر منهم بالإضافة إلى عبد الرحمن الشنقيطي السابق الذكر:

الطالب جدو العلوي: ترجم له سكيرج في كشف الحجاب[10] وقال عنه التجاني في المنية:

والعلوي حبر شنقيط العلم الطالب العلامة البحر الخضم[11].

لم أعثر على ذكر لتاريخ وفاته عند جميع من ترجم له لكنه مدفون في شنقيط وقبره معروف وقد زرته مرارا ولله الحمد.

السالك بن الإمام الوداني: العالم العامل السالك الناسك، قال عنه التيجاني بن بابه في منية المريد:

وكم إمام عالم علامه *** نقادة دراكة فهامه

من ورد شيخنا الإمام قد ورد *** حتى تضلع وفاز بالمدد

كترجمان العلم والقرآن *** السالك العلامة الوداني[12]

توفي رحمه الله سنة 1245هـ ودفن بودان. وما زال سنده قائما لحد الساعة فقد أخذ عنه أحمد طهرا (سوفه) وهذا أخذ عنه الشريف محمد مختار (خاي) وعن هذا أخذ جماعة من بينهم تيرنو هامي بابا (تيلون) وعن هذا أخذ جماعة من بينهم تيرنو ممد بوكر كان في كيهيدي.

أحمد سالم بن الإمام الوداني: قال عنه سيدي أحمد سكيرج ومنهم العالم العامل والعارف الواصل أبو العباس أحمد سالم الوداني: “أخذ عن الشيخ صحبة أخيه السالك الآنف الذكر وترافقا إلى الحج وتوفي صاحب الترجمة بالحرم الشريف ورجع أخوه إلى ودان.[13]

وهو صاحب الأبيات التي مطلعها:

إلى أحمد التجاني وجهت رغبتي *** وما ضاق من أمري وما قل من صبري.

هؤلاء السادة الأعلام كلهم أخذوا الطريقة التجانية عن مؤسسها سيدي أحمد التجاني مباشرة ولكن الانتشار الفعلي للطريقة في الغرب الإفريقي تم على يد الشيخ محمد الحافظ.

ترجمة الشيخ محمد الحافظ بن المختار لحبيب

هو العالم العامل والولي الكامل والعارف الواصل ذو المعرفة والتمكين والرسوخ فى مقامات اليقين. المربى بحاله وهمته الموصل إلى الله تعالى بلحظته الجامع بين الشريعة والحقيقة الشيخ محمد الحافظ بن المختار بن حبيب العلوي.

مولده ونشأته

لم تحدد لنا المصادر تاريخ ميلاده، لكن النقش الموجود عند ضريحه ذكر فيه أنه عاش 73 سنة. وقد أجمعت المصادر أنه توفي سنة 1247ه. وعليه يكون تاريخ ميلاده سنة 1174ه. كما لم تذكر المصادر كذالك مكان ميلاده والأرجح عندنا أن يكون في معاقل قبيلة تاشدبيت جنوب ولاية اترارزة. فجدته التاشدبيتية هي التي تولت تربيته. وقد ذكر العلامة محمدى بن سيدي عبد الله الملقب بدى فى نزهة المستمع واللآفظ فى مناقب الشيخ محمد الحافظ أنه قام لهذه الجدة مقام الأبناء والآباء. كما ذكر أن الأرض التى حبس فيها الشيخ محمد الحافظ نفسه على جدته كانت وخيمة كثيرة الأمراض وهي أرض الكبلة[14] ووالده وإخوته بالساحل وفيه ما شئت من دين ودنيا.

مساره العلمي

حفظ الشيخ محمد الحافظ القرآن وهو دون السابعة من العمر. وأخذ عن جدته الجزء الأول من مختصر خليل وألفية بن مالك وحكم ابن عطاء الله. وكان يلقب في صغره بالمتطهر لملازمته الطهارة. توفيت جدته وقد شب. ثم ارتحل بعد وفاتها إلى عشيرته واشتغل بالعلم. فوجد أقرانه قد سبقوه بمدة مديدة وسنين عديدة فزاحمهم بهمة تفلق الصخر وتسرب البحر. والجواد ذو السبق يلحق. فقرأ النحو على سيدي عبد الله بن احمدان فى مدة يسيرة. كما قرأ على كل من العلامة حرمة بن عبد الجليل والعلامة سيدي عبد الله بن الفغ سيد أحمد. فحوى علمهم وشمر عن ساق الجد متوجها إلى خاتمة المجتهدين وأحد المجددين سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم، وكان من أجلّ أشياخه عنده ومن أعظمهم منة عليه. خدمه خدمة جليلة ونال عنده حظوة عظيمة، أخذ عنه علم الحديث رواية ودراية، وعلم البيان والأصول وغير ذالك من العلوم النافعة.

وقد ذكر بدي بن سيدينا في كتابه الآنف الذكر أن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم نظم منظومته في الأصول (مراقي السعود) في لوح الشيخ محمد الحافظ،[15] ولعل هذا من الأسباب التي كتب الله بها القبول لهذه المنظومة إضافة إلى إخلاص نية صاحبها وصلاحه. فما اختار لوح الشيخ محمد الحافظ إلا لأمر. ‏

رحلته إلى الشيخ أحمد التجاني

بعد عشر سنوات قضاها الشيخ محمد الحافظ مع شيخه سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم بتكانت ارتحل بنية الحج والبحث عن شيخ تربية فقادته العناية الربانية والقسمة الأزلية إلى قطب الأولياء وختم الأصفياء صاحب السر المصون والعلم المكنون سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه فصاحبه ثلاث سنين حضر خلالها الإملاءات الأخيرة لجواهر المعاني. ونال مكانة سامية وعناية فائقة من شيخه، فقد أمه في الصلاة، وشهد له بأنه من أهل المقامات.

وبعد أن أروى ظمأه وملأ أوعيته وجرابه مما حبا الله به شيخه من علوم وأسرار وأنوار وفيوضات أذن له في الرجوع إلى بلاده وأجازه، لكن المريد طلب من شيخه أن يوصيه. فقال له: لا تظهر حتى يظهرك الله. وعندما غادره قال الشيخ سيدي أحمد التجاني للحضور: وما محمد الحافظ إلا مزنة أرسلها الله إلى أهل المغرب.

رجوع الشيخ محمد الحافظ إلى بلاده

بعد رجوع الشيخ محمد الحافظ إلى عشيرته اجتهد في تطبيق وصية شيخه فبالغ في التكتم على أمره ولم يظهر للناس إلا ما هو فيه من التبحر في العلم الظاهر، ولذا انكب عليه طلبة العلم من أبناء عشيرته ينهلون من معينه.

وقد استمر على تلك الحال حتى قدم عليه أحد الشيوخ الأجلاء، والأرجح أنه محمذن بن ببانا[16] وقيل هو يوسف بن المختار، فأجله الشيخ محمد الحافظ وقام له عن فراشه ولكن الشيخ القادم رفض الجلوس على الفراش وقال للشيخ محمد الحافظ: أتدرى الذي جاء بي إليك؟ قال له الشيخ محمد الحافظ لا. فقال محمذن بن ببانا جئتك أريد أن تعطيني من الأمانة التى قدمت بها من الشمال. فأجابه الشيخ محمد الحافظ لقد قدمت ببعض الكتب وبشيء من ماء زمزم وكل ما تريد من ذالك فهو لك. فقال له محمذن دعنى من كل ذالك إنما جئتك أريد ورد سيدي أحمد التجاني. فعلم الشيخ محمد الحافظ أن الله عز وجل قد أذن للطريقة التجانية في الظهور على يده في هذه البلاد، فلقنه وردالشيخ سيدي أحمد التجاني، ومباشرة بعد هذه الحادثة بدأ ورد التجانية ينتشر فلم يبت أهل بيت من ذلك الحي تلك الليلة إلا وفيهم من يتلو صلاة الفاتح. وبهذا الشكل شاع خبر الطريقة الجديدة وانتشرت أورادها في أسرع ما يكون كانتشار النار في الهشيم.

أبرز تلامذة الشيخ محمد الحافظ

كان من أوائل من أخذ عن الشيخ محمد الحافظ خليفته وصهره العلامة الأوحد، الفاضل الأمجد، حسان الطريقة محمدي بن سيدي عبد الله الملقب “بدي”[17].

وممن أخذ عنه الولي الصالح صاحب الكرامات والخوارق العابد الناسك سيدي محمد الحنفي بن العباس[18] حرازمي السند الحافظي الذي قال عنه الشيخ محمد الحافظ إنه لاتصل منفعة منه لأحد إلا بواسطته كما ذكر أحمد بن محم في كتابه روض شمائل أهل الحقيقة في التعريف بأكابر الطريقة.

ومن أبرز من أخذ عن الشيخ محمد الحافظ الولي الصالح الذي تضرب بولايته الأمثال الناسك الفاضل سيدي مولود فال اليعقوبى[19] الذي سنتناول ترجمته في المحطة الثانية من هذا البحث.

وقد ترجم أحمد بن محم في كتابه روض شمائل أهل الحقيقة[20] في التعريف بأكابر أهل الطريقة لعدد من كبار تلامذة الشيخ محمد الحافظ فليرجع إليه من أراد التوسع في ذلك.

المؤلفات

لم يشتغل الشيخ محمد الحافظ رضي الله عنه بالتأليف رغم غزارة علمه وسعة اطلاعه وحيازته قصب السبق في مختلف علوم الشريعة والحقيقة ولكنه ترك رجالا سلوا سيوفهم دون الطريقة التجانية ودافعوا عنها بالنفس والنفيس وقد تكونت من شروحهم لتعاليم الطريقة ومن ردودهم على المنكرين عليها مادة علمية غزيرة سنستعرض منها في هذا المبحث نماذج نرجو أن تكون ذات مغزى ووافية بالغرض إن شاء الله.

ومما ينسب للشيخ محمد الحافظ نفسه من المؤلفات التي كتبها أو كتبت بأمر منه:

الأجوبة التيشيتية[21]: وهي عبارة عن أجوبة على أسئلة طرحها تجانيو تيشيت على الشيخ محمد الحافظ وشرع في الإجابة عليها ثم توفي فأكملها خليفته محمدي بن سيدي عبد الله الملقب “بدي”

تحفة المنان في تأييد اعتقاد الإخوان[22]: وهي عبارة عن رسالة كتبها بدي بن سيدينا خليفة الشيخ محمد الحافظ المذكور آنفا بأمر منه إلى تجانيي تيشيت وودان تتضمن تقديم الشيخ محمد الحافظ للأعلام الثلاثة الذين كان في طلعيتهم عالم تيشيت وقاضيها وشاعرها سيدي محمد بن محمد الصغير بن امبوجة العلوي التيشيتي المتوفى سنة 1275 ه وأخوه العالم الجليل الشاعر المؤلف سيدي عبيدة بن محمد الصغير المتوفى سنة 1284 ؛ إضافة إلى أحمد بن حمى الله المسلمي المتوفى 1272 ه وهو من أشهر علماء تيشيت وأكثرهم تآليفا في مختلف العلوم الإسلامية.

‏وقد كان دخول هؤلاء في الطريقة بداية الأمر على يد بانمو بن حم ختار عن سيدي مولود فال عن الشيخ محمد الحافظ، لكنهم سرعان ما أقاموا صلات مباشرة عن طريق المراسلة مع سيدي مولود فال ومع الشيخ محمد الحافظ، وتم كل ذلك مع وفائهم المطلق لشيخهم الأصلي بانمو بن حم ختار.

وكان لهؤلاء الأعلام موقع الريادة والتميز في مجال الجدال العقدي الحاد الذي دار بين أتباع الطريقة التيجانية الجديدة وبين خصومهم وهو موقع نالوا به التقدير والإجلال من جميع المنتسبين إلى الطريقة التجانية إذ ذاك سواء كانوا في المغرب الأقصى أو بلاد شنقيط أو بلاد السودان.

ومن أبرز هذه الردود:

الجيش الكفيل بأخذ الثار، ممن سل على الشيخ التجاني سيف الإنكار[23]؛ الذي ألفه محمد بن محمد الصغير بن امبوجة في الرد على أبرز خصوم الطريقة التيجانية في عصره ايديجة الكمليلي المتوفى سنة 1280 هجرية؛ فقد برز ابن امبوجه في هذه الحلبة غير مدافع، واعتبر التجانيون ” جيشه” و”السرية”[24] التي ألحقها به مرجعيهما الرئيسين في رد حملات خصومهم فكانا مصدر شهرة مؤلفهما وتقديره.

ويصف ابن المؤلف سيدي عبد الله بن امبوجه شهرة الكتاب بقوله في ضالة الأديب: ” وقد تلقاه بحمد الله الناس بالقبول وأنجح الله لمصنفه فيه المأمول، وتفرقت نسخه في نواحي البلاد التكرورية وفي مدن المغرب الفاسية والمراكشية والمكناسية” اهـ.

وقد راسل صاحب الجيش أعلاما ومشاهير في المغرب من بينهم السلطان العلوي مولاي عبد الرحمن بن هشام المتوفى سنة 1276 والوزير الفقيه محمد بن أحمد أكنسوس المراكشي المتوفى سنة 1294 الذي عثرنا على رسالة منه إلى صاحبنا تتضمن استجازة وثناء عطرا كثيرا.

ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التجانية[25]: وقد نال مؤلف هذا الكتاب سيدي عبيدة بن امبوجة حظا من الشهرة والإجلال عظيما؛ وكانت لسيدي عبيدة المذكور مساهمة في المعركة الشعرية التي دارت بين التجانيين وادييجة الكمليلي والتي كان نجمها محمدي بن سيدي عبد الله الملقب بدي السابق الذكر.

توفي الشيخ محمد الحافظ سنة 1247ه ودفن بصحراء آمشتيل بمكان يعرف بـ “انفني” وقد قيض الله لهذا المكان الشيخ محمد مختار ول دهاه الذي أسس فيه قرية تتوفر على كل الوسائل الضرورية للبقاء

‏المحطة الثانية: سيدي مولود فال
هو الشيخ الكامل والعارف الواصل أبو السعود سيدي مولود فال مربي الرجال وموصلهم إلى أعلى درجات الكمال ابن العلم الأشهر محمذ فال من اشتهر علمه في سائرالأقطار

ولد الشيخ سيدي مولود فال عام 1187هـ؛ حسب ما ذكره حفيده عبد الله السيد[26] وكان مولده بنواحي تنيفيل الواقعة شمال شرق بقليل.

درس سيدي مولود فال القرآن العظيم حتى حفظه رسما وتجويدا ثم درس العلوم على أخيه أحمد فال وكذا على عمه العالم الفاضل عبد الله بن ألمين فدرس الفقه وعلوم القرآن واللغة بفروعها حتى تبحر في كل ذلك.

أما علوم العربية فقد كان تبحره فيها مشهورا، ويكفي للاستدلال على ذلك ما يروى عن العارف بالله المختار ولد ببان أن شيخه سيدي مولود فال كان أعلم أهل زمانه في اللغة حتى إن المختار وهو ثبت ثقة ساوى بينه وبين الفيروز أبادي صاحب القاموس.

وإلى تمكنه في العلوم يشير الشاعر محمدو ولد محمدي العلوي بقوله:

وإذا سد باب علم عويص *** كان مفتاح بابه المسدود

علم الأصل والفروع إلى أن *** ليس في العلم يبتغي من مزيد[27]

تصوفه

اشتهر عن سيدي مولود فال منذ صغره اعتناؤه بالتصوف ودرس منه ما هو في مقدمات كتب الفقه والعقيدة

ولم يثبت لدينا أنه أخذ إحدى الطرق التي كانت منتشرة في زمنه كالقادرية والشاذلية اللتين أخذ أورادهما كبار العلماء من معاصريه وأهل بيته..

رحلته إلى الشيخ محمد الحافظ

توجه سيدي مولود فال من تينشكل في غربي ايكيدي إلى الشيخ محمد الحافظ في أرض آمشتيل وآوكار بتوجيه من الشيخ الصوفي الولي صلاحي ولد محمذن ولد آبن صاحب الكشوفات الذي التقاه بتينشيكل وخاطبه دون سابق معرفة قائلا:

ذاك ابن النويجمة! ما ذا تنتظر اذهب إلى الشيخ الحافظ فقد أتى بطريقة لم تأت قبله، اذهب إليه لتأخذ نصيبا من لبئه (اللبأ في اللغة أول اللبن).

وبعد حصول هذا الأمر الغريب عزم سيدي مولود فال على الرحيل بحثا عن الشيخ محمد الحافظ فقيل له أنه يوجد في أرض تندغة المعروفين بحلة أربعين جوادا وكان الشيخ محمد الحافظ يراوح المقام في العقل والمقام في ناحية تندغة.

وتابع سيدي مولود فال رضي الله عنه السير دون كلل حتى أنعم الله عليه بلقاء سيدنا الشيخ محمد الحافظ قدس سره في حي قرب بئر تسمى انتوطفين.

وفي ليلة اللقاء أو في صبيحتها أخذ الشيخ سيدي مولود فال الطريقة التجانية ووجد فيها ما يثلج صدره ويملأ فراغا طالما شعر به في قلبه.

أسفاره

سافر الشيخ سيدي مولود فال رضي الله عنه أربعة أسفار مهمة منها حجه إلى بيت الله الحرام عام 1250هـ.

ومنها سفران قام بهما إلى فاس الأول قام به آخر عام 1230هـ أو بداية عام 1231هـ للالتقاء بالشيخ رضي الله عنه والثاني قام به أواخر عام 1233هـ لأخذ أسرار الطريقة أما سفره الرابع فهو إلى إدويره وقد قام به عام 1261هـ وكان غرضه الالتقاء بالقطب الفوتي الشيخ عمر رضي الله عنه[28] وهو إذا ذاك في بدايات جهاده لنشر الإسلام والطريقة في غرب إفريقيا.

أسانيده في الطريقة

إضافة إلى سنده الحافظي فقد أخذ سيدي مولود فال عن عدد من الشيوخ أخذوا الطريقة التجانية مباشرة عن الشيخ التجاني رضي الله عنه، وقد عدد مؤلف كتاب روض شمائل أهل الحقيقة في التعريف بأكابر رجال الطريقة في ترجمته لسيدي مولود فال الشيوخ الذين أخذ عنهم فكتب ما نصه:

“سافر سيدي مولود فال إلى الشيخ فوجده قد توفي قبل قدومه بمدة يسيرة، واجتمع بأكابر أصحابه كسيدنا محمد الغالي وسيدنا عبد الواحد وغيرهما من أكابر أصحابه، وتلقى منهم أسراره وأنواره ثم رجع إلينا، ومكث ما مكث، ثم سافر ثانيا لزيارة الشيخ فوجد سيدنا محمد الغالي هناك أيضا مع أكابر أصحاب الشيخ، ولازمهم حتى تفقه في أحوال الشيخ وطريقته، وحصل ما بقي في خاطره، من علومه وسيرته، وكنوه بأبي السعود، وقالوا لم يرد علينا مثل أبي السعود سيدنا مولود” انتهى الاستشهاد.[29]

تلامذته

يعتبر سيدي مولود فال رضي الله عنه هو الناشر الفعلي للطريقة التجانية في غرب إفريقيا وإليه يرجع جل الأسانيد المعروفة في إفريقيا جنوب الصحراء بل إن عطاءه تجاوز حدود غرب إفريقيا إلى المغرب وإلى السودان والحجاز.

وقد تخرج من مدرسة سيدي مولود فال مجموعة من كبار المشايخ الذين برزوا بالدعوة إلى الله والذين لا زالت أمدادهم الربانية سارية في الخلق إلى اليوم.

فالشيخ عمر الفوتي رضي الله عنه صرح في كتابه الرماح[30] بأنه أخذ عن السيد عبد الكريم الناقل والسيد عبد الكريم أخذ عن سيدي مولود فال وذك قبل اتصاله رضي الله عنه بالسيد محمد الغالي.

وعن الشيخ عمر أخذ ألفا هاشم مايرو خال السيد الحاج مالك سه وشيخه في الطريقة ولدى السيد الحاج مالك سه المذكور سند آخر متصل بالشيخ سيدي مولود فال بواسطة الشيح محمد عالي بن محنض.

كما أن السيد العالم الحاج عبد الله انياس يتصل بسند سيدي مولود فال عن طريق الشيخ معاذ كاه عن

الشيخ شيرنو عمر جالو عن أبيه شيرنو مودبو جالو عن الشيخ عمر عن السيد عبد الكريم.

وما يزال سند السيد مودوبو أحمد راجي قائما في نواحي آدوماه بنيجيريا، كما أن سند المقدّم المبجّل الشيخ سيّدي أحمد الحبو رضي الله عنه قائم منتشر في اتشاد والكاميرون والنيجر.

ويرتبط بسند السيد عبد الكريم عن سيدي مولود فال الشيخ أحمد انداك سك خليفة حاضرة تينابا في السنغال الذي أخذ الطريقة من شيخه الشيخ أحمد به عن شيخه وأبيه محمد همي به (المهدي) عن شيخه عبد الكريم جلو عن الشيخ سيدي مولود فال.

ومن تلامذة سيدي مولود فال الكبار المقدمين السيد الخليفة ود دوليب السوداني ومنهم السيد أحمد الحبو التشادي.

وقد أخذ عنه من الشناقطة رجال كمل تعلقوا به ونهلوا من علمه ومعرفته واعترفوا له بالفضل في تربيتهم وترقيتهم ولولا خوف التطويل لسردنا أسماءهم مع ترجمة موجزة لكل واحد منهم ولعلنا نتعرض لذلك في بحث آخر.

ومن أبرز من تتلمذ عليه من الشناقطة خليفته السيد المختار ولد محمذن ولد بابان والذي عهد إليه سيدي مولود فال بالخلافة وكلفه بالقيام بأعباء التربية من بعده.

المحطة الثالثة: الشيخ عمر بن سعيد الفوتي
قال عنه مؤلف كتاب روض شمائل أهل الحقيقة ما نصه:”ومنهم شيخنا أمير المؤمنين عمر بن سعيد الفوتي فتح الأقاليم والبلدان، وكسر الأصنام والأوثان، وأنار القلوب والأبدان، وطهر السرائر والإعلان، له سيوف ورماح حسيتان، يجاهد بهما المارقين عن الشريعة المحمدية، وسيوف ورماح معنويتان في علوم الحقيقة وأسرار الطريقة التيجانية، اتفق علماء عصره وأولياء قطره، على أن الزمان لم يسمح بمثله، وأنه ممن يقدر إذا تعطلت الكتب من الدنيا أن يمليها على الناس من حفظه ولفظه” اه الاستشهاد

مولده ومساره العلمي

ولد الشيخ الحاج عمر بن سعيد الفوتي أواخر شهر شعبان عام 1213 ه‍ الموافق لـ 28 شباط 1797م على أرجح الأقوال في قرية (هلوَارْ) جنبَ بُدورpodoor) ) في منطقة فوتا تورُو شمالي السنغال في عهد الإمام عبد القادر كان رحمه الله تعالى.

حفظ الشيخ عمر رضي الله عنه القرآن الكريم عن والدهِ في باكورة عُمره، ثم اجتهد في تحصيل العلوم الشرعية حتى أشير إليه بالبنان، وتبحر في العلوم قبل الثلاثين من عمره كما تشهد بذلك مؤلفاته ودروسه للطلبة وإن كان جانبا التصوف والسياسة الشرعية أخذا من شهرته النصيب الأوفر.

ومما يشهد على تبحره في الفنون أنه كان يحفظ الصحيحين: (البُخاري ومسلم ) قبل بلوغه سن الثلاثين، وكذلك جواهر المعاني المرجع الرَّئيسي للطريقة التجانية.

سنده في الطريقة التيجانية

أخذ الشيخ عمر الفوتي الطريقة التجانية أول ما أخذها كما ذكر عن نفسه في كتابه الرماح عن شيخه عبد الكريم الناقل عن شيخه سيدي مولود فال عن شيخه الشيخ محمد الحافظ بن المختار لحبيب العلوي، ثم جدد في الحجاز على أحد أساطين الطريقة التجانية، وأبرز تلامذة الشيخ التجاني رضي الله عنه وهو محمد الغالي، الذي بعد فترة قضاها معه الشيخ عمر صدره خليفة عاما للطريقة التجانية في غرب إفريقيا.

تأثيره في منطقة غرب إفريقيا وجهاده

أثرت تعاليم الشيخ عمر الروحية في سكان المنطقة عموما شماليها وجنوبيها، فقد أرسى دعائم الإسلام والإيمان والإحسان حتى ضرب الدين الإسلامي بجرانه على طول منطقة السودان الغربي والولايات المحاذية له شمالا، فكانت رماح سلوكه ودروع حروبه المظفرة في الجهاد ومغافرها وجواهر خطبه الملأى حكما وإرشادا، ومعاني إشاراته وإخباراته نعم المعين على ترسيخ البعد الروحي وعمق التدين بين السكان بالرغم من قوة الوافد الأوربي المتربص بالمسلمين الدوائر، وبالرغم من شوكة أهل الفساد والحرابة الذين لا يرقبون في مومن إلا ولا ذمة في غرة يجدونها من أهل الحق والتحقيق، وبالرغم من كثافة جيوش أهل الشرك الوثنيين الذين لا يريدون للإسلام أن يتقدم نحو الغابة ليستمروا في ظلمهم وسلطانهم.

لقد مثلت دولة الشيخ عمر الفوتي وجها ناصعا للإسلام في غرب القارة الإفريقية لهجت به مقالات الباحثين، وتقريرات الاستعماريين، وكتب التاريخ بشتى اللغات. وكان هذا الإسلام عميقا في نفوس الناس فربط بين مختلف الأعراق السودانية بأخوة عضوية وبينهم وبين القبائل الشمالية فتشكلت من ذلك ملحمة ما زالت روايتها مدوية على مر الأجيال.

وتمثل علاقة الشيخ عمر مع قبائل الشمال[31] دليلا واضحا على ما قلناه، فقد ألف في الدفاع عنه كل من العلامة أحمد بن بدي كتابا أسماه الدرع والمغفر في الذب عن الشيخ عمر[32]، والشيخ محمد المامي بن البخاري وابن انبوجه، كما راسله ودعمه في جهاده ابن حناني القلاوي وانبوي المحجوبي، ونظم الشيخ أحمدو بن الشيخ محمد الحافظ أرجوزة في مناقبه افتتحها بقوله:

قد سقيت ذات الولي الشيخ عمر محبة النبي سيد البشر[33]

وترجم له العلامة أحمد بن محم العلوي في كتابه روض شمائل أهل الحقيقة ترجمة حافلة[34]، وسافر إليه المختار بن محمذن بن ببانا على رسم إعانته في الجهاد، كما أهدى إليه محمدي بن أنحوي مائة فرس لمساعدته في النفير[35]. وكان لهذا كله صداه ووقعه في زوايا التجانية بالمغرب

تلامذة الحاج عمر

قال أحمد بن محم في كتابه روض شمائل أهل الحقيقة في ترجمته للحاج عمر ما نصه: “نشر الطريقة وبثها، ورفع سقفها وسمكها، وأخبرني أنه ربما لقن الورد لألوف في وقت واحد” اهـ

ومن أبرز تلامذة الحاج عمر الأمير محمد بلو بن عثمان فوديو الذي نص مؤلف كتاب الجواهر والدرر في حياة الشيح الحاج عمر الشيخ منتقى تال على أخذه للطريقة التيجانية عن الحاج عمر وأورد قصيدة نونية تتألف من ثمانية وستين بيتا يصرح فيها الأمير محمد بلو بأخذه الورد التجاني[36].

ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: مؤلف روض الشمائل أحمد بن محم العلوي؛ والحاج الفا مايرو، والمختار بن وديعة الله الماسني، وسيدي عبد الله بن امبوجة التيشيتي.

علاقته بالمغرب

لم يتمكن الحاج عمر من زيارة المغرب مع تلهفه لزيارة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه، كما صرح بذلك في كتابه تذكرة الغافلين حيث كتب ما نصه: “خرجنا من أوطاننا قاصدين حج بيت الله عازمين على سلوك طريق فاس لأنه طريقنا وأقرب إلى بلوغ مرادنا من غيره، وما يسر الله لنا ذلك الطريق لموانع حصلت لنا فيه” اهـ [37]

ولكن رغم ذلك فقد ربطته صلات وثيقة بعلماء المغرب وصلحائه وخاصة من منتسبي الطريقة التجانية وذلك عن طريق تلميذه ورفيقه أحمد بن محم العلوي الذي كان يشارك مع الحاج عمر في العمليات الجهادية بسيفه، وكان ينقل أخبار مسرح العمليات العسكرية للرأي العام في حواضر المغرب التي زارها والتقى بأبرز مشايخها[38]؛ ومن أهم إسهامات أحمد بن محم الموثقة في حشد الدعم للحاج عمر الرسائل الأربعة التي وجهها إلى كل من الفقيه محمد أكنسوس بمراكش؛ والشيخ بلقاسم بصري في مكناس؛ والسيد محمد العربي بن السايح في الرباط، ثم رسالته التي وجهها إلى عموم التجانيين في المغرب. وقد ضمن هذه الرسائل الكثير من أخبار الحاج عمر وبين فيها علو كعبه في العلم والمعرفة وشفوف رتبته في الصلاح والولاية؛ كما ضمنها لائحة بأهم المؤلفات التي كتبها. وطلب منهم تبليغ هذه المعلومات إلى السلطان.

كما وثق أحمد بن محم في هذه الرسائل أهم أحداث المعارك التي خاضها الحاج عمر ضد أمير سيغو وملك ماسينا. كما أتحفنا الأستاذ أحمد الأزمي في كتابه الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي[39] بثلاث رسائل من الفقيه محمد أكنسوس إلى الحاج عمر يمدحه فيها ويهنئه على ما فتح الله على يده من بلدان بالسودان الغربي وما دخلت بفضله من أمم مشركة في الإسلام.

مؤلفاته

ترك الشيخ الحاج عمر الفوتي تال – رحمه الله – مؤلفات نثرية عديدة وشعرية جمّة ومنها ما يلي: كتاب ” رماح حزب الرحيم على نحُور حزب الرجيم ” (قد ألفه في غُضون رِحلته إلى الحجِّ) وهو من أشهر كتبه ذبَّ فيه عن الطريقة التجانية ودافع عنها دفاعا مستميتا و” تذكرة المسترشدين وفلاح الطالبين”، و” المقاصد السُّنية “، و” بيان ما وقَع ” وهي عبارة عن رسائله، و” ديوان سفينة السعادة لأهل الضعف والنجادة ” ويمدح فيه النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، و“النُّصح المبين “، و” هِداية المذنبين إلى كيفية الخلاص من حقوق الله والعباد أجمعين ”، و” تذكرة الغافلين على قبح اختلاف المؤمنين”، وسيوف السعيد المعتقد في أهل الله كالتجاني على رقبة الشَّقي الطريد المنتقد الجاني “، و” نظم أسماء أولياء الله المذكورين في طبقات الشّعراني ”، “ولامية الطلاب ”، و” دعاء الاستسقاء “، هذه وغيرها من شتات القصائد الفائقة والأدعية المباركة.

المحطة الرابعة: الحاج مالك بن عثمان سي
مولده: اتفق جميع من ترجم للحاج مالك على أنه ولد بـ “غايا” قرب دكانا واختلفوا في تاريخ ولادته فمنهم من ذكر بأنها كانت سنة 1842 م ومنهم من قال إنها 1852م ومنهم من جعلها 1853م وقد رجح الحاج روحان امباي[40] في كتابه القيم: “الحاج مالك سي، حياته وآثاره” بأنه ولد سنة 1853 وذكر بأن والده عثمان سي أخذ العلم في بلاد شنقيط عن العلامة محنض باب بن اعبيد الديماني، وعن العلامة المصطفى بن أحمد فال العلوي

مساره العلمي وسنده في الطريقة التجانية

نشأ الحاج مالك سي نشأة علمية في بيئة مناسبة لتكوين العلماء العاملين من أمثاله، وبدأ درس القرآن الكريم على خاله العلامة الجليل الحاج ألفا مايرو؛ ثم سافر إلى قرية والده سينوجولف بطلب من عمه الشيخ أحمد سي فأتم دراسة القرآن هنالك؛ وحصل بعضا من العلوم الشرعية ؛ ثم أمره عمه[41] بالرحلة في طلب العلم فرجع إلى غايا وأخذ عن خاله ألفا مايرو مدة من الزمن ثم سافر إلى مناطق شتى أخذ عن علمائها حتى جمع علوم أهل بلده، ثم رجع مرة أخرى إلى مسقط رأسه في غايا حيث التقى بالعلامة والشيخ الجليل محمد عالي بن محنض الذي كان لتعرف الحاج مالك عليه أثرا بالغا في تكوينه العلمي حيث التحق به في بلاد شنقيط وأخذ عن أجلاء علمائها مدة من الزمن حصل فيها منهم على إجازات في العلوم الشرعية والتصوف

وقد أخذ الحاج مالك الطريقة التيجانية أول ما أخذها عن خاله وشيخه ألفا مايرو الذي أجازه في نفس يوم تلقينه له إجازة عامة مطلقة شاملة مع تبليغ وصايا المجاهد الشيخ الحاج عمر بن سعيد الفوتي

كما أجازه كذلك محمد عالي بن محنض عن سيدي مولود فال اليعقوبي عن الشيخ محمد الحافظ بن المختار لحبيب عن الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله.

كما كانت للحاج مالك مكاتبة مع الحاج أحمد بن سكيرج العياشي الذي أجازه بإجازة قمة في الروعة وصفه بما يتناسب مع حاله رضي الله عنه من الإجلال والتعظيم والثناء الحسن.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى