sliderندوات ومحاضرات

رسالة الجمعة: البر والإحسان في رمضان – مدرسة العطاء مع اقتراب منتصف الشهر

الحمد لله الذي جعل شهر رمضان موسمًا للخيرات، وفرصةً عظيمةً لمضاعفة الأجر والثواب، وفتح فيه أبواب الجنة لعباده المحسنين، وأغلق فيه أبواب النار عن التائبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أكرم الخلق وأجودهم، الذي كان في رمضان كالريح المرسلة بالعطاء والكرم.

أما بعد،

فها نحن قد اقتربنا من منتصف شهر رمضان المبارك، وانقضى نصفه، ومن وفقه الله للخير فليحمد الله ويزد في الطاعات، ومن قصر فليجتهد فيما تبقى من أيامه، فإنما الأعمال بالخواتيم. ومما يجب أن يتعاهد المسلم نفسه عليه في هذا الشهر المبارك الإحسان والبر والإنفاق في سبيل الله، فهذه أعمال تضاعف فيها الحسنات، وترفع الدرجات، وتفتح بها أبواب الرحمة والفضل الإلهي.

البر والإحسان في القرآن والسنة

إن البر كلمة جامعة لكل خير، والإحسان هو إتقان العمل، سواء في العبادة أو المعاملة مع الناس، وقد حث القرآن الكريم والسنة النبوية على هذين الخلقين العظيمين، فقال الله تعالى:

📖 ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ (النحل: 90).

فقد أمر الله بالإحسان في كل شيء، في العبادة، وفي المعاملة، وفي الإنفاق، وفي القول والفعل.

وقال سبحانه:

📖 ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران: 92).

وهذا يدل على أن البر لا يكتمل إلا ببذل أحب ما يملكه الإنسان في سبيل الله، وهذا ما ينبغي للمؤمن أن يحرص عليه خاصة في رمضان، حيث الفرص عظيمة، والأجور مضاعفة.

وقد كان رسول الله ﷺ أسوة في الإحسان والبذل، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما:

🔹 “كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة” (متفق عليه).

وفي هذا الحديث دليل واضح على ارتباط الإحسان برمضان، فكما كان النبي ﷺ يكثر من قراءة القرآن، كان يزيد من الصدقات، وكان لا يُسأل عن شيء إلا أعطاه، وهذا هو المقصود بالإحسان التام، الذي يجمع بين حسن العبادة، وحسن التعامل مع الناس.

الإحسان والإنفاق في حياة الصحابة والتابعين

لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسابقون إلى الإحسان في رمضان، اقتداءً بالنبي ﷺ، ومن ذلك:

🔸 كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يفطر في رمضان إلا مع المساكين، وإذا منعه أهله عنهم لم يتعشَ في تلك الليلة.

🔸 وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه ينفق بسخاء في سبيل الله، وقد جهز جيش العسرة، وأوقف العديد من الآبار للفقراء والمحتاجين.

🔸 وكان الحسن البصري يقول: “إن من علامة قبول الله لعمل الصائم أن يزداد في رمضان كرمًا وإحسانًا، فالمحروم هو من يبخل في موسم العطاء”.

وهكذا كان السلف الصالح يفقهون أن رمضان ليس فقط للصيام والقيام، بل هو أيضًا للإنفاق والبذل والرحمة بالناس.

الإحسان في المجتمع المغربي خلال رمضان

يتميز المجتمع المغربي خلال رمضان بقيم التضامن والتكافل الاجتماعي، حيث تنتشر مظاهر البر والإحسان في صور متعددة، منها:

1️⃣ موائد الإفطار الجماعية: تنتشر في الشوارع والمساجد مائدة الرحمة، التي تقدم وجبات الإفطار لعابري السبيل والمحتاجين، اقتداءً بقوله ﷺ: “من فطر صائمًا كان له مثل أجره” (رواه الترمذي).

2️⃣ إعانة الأسر الفقيرة: حيث تقوم العائلات والجمعيات الخيرية بتوزيع قفف رمضان التي تضم المواد الغذائية الأساسية، مما يسهم في تحقيق التكافل الاجتماعي.

3️⃣ التبرع بالمال والملابس: مع اقتراب العشر الأواخر، يحرص العديد من المحسنين على إعانة الأرامل والأيتام، سواء عبر المساعدات النقدية، أو بتوفير الملابس للأطفال قبل العيد، إحياءً لمعاني الفرح في قلوبهم.

4️⃣ العفو والتسامح: ومن أرقى صور الإحسان في رمضان إصلاح ذات البين والعفو عن المخطئين، فقد قال النبي ﷺ: “خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ” (رواه الطبراني).

الإحسان في العشر الأواخر وليلة القدر

ومع اقتراب العشر الأواخر، يزداد المؤمنون حرصًا على الإحسان، فقد كان النبي ﷺ إذا دخلت العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، وكان أكثر ما يوصي به خلال هذه الأيام الصدقة والإحسان والذكر والاستغفار، قال رسول الله ﷺ:

🔹 “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه).

وهنا يتجلى دور الإحسان ليس فقط في الإنفاق، ولكن أيضًا في العبادة والطاعات، فالمؤمن يُحسن إلى نفسه بالمداومة على القيام، ويحسن إلى غيره بالصدقة والرحمة.

ختاما: كيف نطبق البر والإحسان في حياتنا؟

  • اجعل لك صدقة يومية في رمضان، ولو بالقليل، فإن الله يضاعف الحسنات.
  • ابحث عن المحتاجين وساعدهم، فإن أعظم الأعمال سرور تدخله على قلب مسلم.
  • كن سببًا في نشر الخير، سواء بالمساهمة في مبادرات الإحسان، أو بالكلمة الطيبة والتشجيع.
  • أكثر من الدعاء في العشر الأواخر، وخصص لنفسك وقتًا للمناجاة، فالإحسان إلى النفس جزء من الإحسان إلى الغير.

🔹 اللهم اجعلنا من أهل البر والإحسان، ووفقنا لصيام رمضان وقيامه، وتقبل منا صالح أعمالنا، وبارك لنا في أرزاقنا، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين أجمعين.

وجمعة مباركة، وأيامكم كلها خير ورحمة وبركة.

أوليماغ Oulemag

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى