من الخيال إلى الواقع.. الصين تُعلن عن تطور ثوري في الحوسبة

تشتد المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، لا سيما في مجال الحوسبة الكمّية، التي أصبحت اليوم ركيزة أساسية في سباق التفوق التكنولوجي العالمي. في هذا الإطار، كشفت الصين مؤخرًا عن نموذج متطور من معالج كمّي يحمل اسم Zuchongzhi 3.0، والذي يُعد إنجازًا علميًا غير مسبوق.
قوة حسابية غير مسبوقة
وفقًا للعلماء الصينيين، فإن الحاسوب الكمّي Zuchongzhi 3.0 يمتلك 105 كيوبتات (Qubits) و182 رابطًا كمّيًا، مما يمنحه قدرة حسابية تفوق بمليون مليار مرة ثاني أقوى الحواسيب الفائقة في العالم، وهو الحاسوب الأمريكي Frontier. هذا الاكتشاف، الذي نُشر في دورية Physical Review Letters، يمثل طفرة كبرى في أبحاث الحوسبة الكمّية، حيث يُمكّن من إجراء عمليات حسابية لا يمكن لأي حاسوب كلاسيكي تنفيذها في فترة معقولة.
السباق العالمي نحو التفوق الكمّي
على مدار الأعوام الماضية، تنافست الصين والولايات المتحدة بشدة في هذا المجال، حيث كشفت جوجل عام 2019 عن معالجها الكمّي Sycamore، الذي أجرى في 200 ثانية عملية حسابية كان يمكن أن تستغرق 10,000 عام على الحواسيب الفائقة التقليدية. في المقابل، كشفت الصين في 2020 عن معالجها الكمّي Jiuzhang، الذي يعتمد على تقنية مختلفة تستخدم الفوتونات.
وفي عام 2021، أطلقت الصين Zuchongzhi 2.1، وهو معالج كمّي يحتوي على 66 كيوبت، مما جعلها أول دولة تمتلك تفوقًا في الحساب الكمّي عبر منصتين مختلفتين: Jiuzhang في الحوسبة الفوتونية، وZuchongzhi في الحوسبة فائقة التوصيل.
قفزة تكنولوجية جديدة
مع إطلاق Zuchongzhi 3.0، يؤكد الباحثون الصينيون أن هذا المعالج يحقق تفوقًا بمقدار مليون مرة مقارنة بالتجارب التي أجرتها جوجل في أكتوبر 2024، خاصة في مجال التجارب العشوائية على الدوائر الكمّية (Random Circuit Sampling, RCS).
ويشير العلماء إلى أن محاكاة العمليات الحسابية التي ينفذها Zuchongzhi 3.0 باستخدام حاسوب تقليدي ستستغرق حوالي 5.9 مليار سنة، ما يعكس الفارق الضخم بين القدرات الكمّية والتقليدية.
التطبيقات المستقبلية للحوسبة الكمّية
يُتوقع أن تفتح هذه التقنية آفاقًا واسعة في عدة مجالات حيوية، من بينها:
-البحث العلمي: تسريع عمليات محاكاة الجزيئات، مما يساعد على تطوير أدوية وعلاجات جديدة.
– الذكاء الاصطناعي: تحسين خوارزميات التعلم العميق وتحليل البيانات الضخمة.
– الأمن السيبراني: القدرة على كسر أنظمة التشفير الحالية، مما يدفع الدول الكبرى للاستثمار في أمن الاتصالات الكمّية.
– الاكتشافات الفلكية: المساعدة في حل معادلات معقدة حول نشأة الكون والفيزياء النظرية.
الصين وتعزيز التفوق الكمّي
بجانب تطوير معالجات كمّية متقدمة، كانت الصين سبّاقة في أبحاث الاتصالات الكمّية، حيث أطلقت في 2016 القمر الصناعي “ميسيوس” (Micius)، الذي أتاح أول نقل كمي آمن للبيانات عبر الفضاء، ما يعزز جهودها في تطوير الإنترنت الكمّي.
تصحيح الأخطاء الكمّية.. التحدي القادم
رغم هذا التقدم، لا تزال هناك عقبات رئيسية يجب تجاوزها، من أبرزها تصحيح الأخطاء الكمّية، حيث يطمح العلماء الصينيون إلى تحسين “أكواد التصحيح السطحي” لزيادة دقة الحسابات الكمّية وتقليل الأخطاء. يهدف الفريق إلى رفع مستوى دقة التصحيح من 7 كيوبتات إلى 11 كيوبت، مما يعزز إمكانية تشغيل أجهزة كمّية مستقرة على نطاق واسع.
نحو حقبة جديدة من الحوسبة الكمّية
تمثل Zuchongzhi 3.0 نقلة نوعية في سباق التفوق الكمّي، مما يعزز مكانة الصين كقوة تكنولوجية عالمية. في المستقبل القريب، قد لا يكون الذكاء الاصطناعي وحده هو المهيمن، بل ستلعب الحوسبة الكمّية دورًا محوريًا في إعادة تشكيل جميع المجالات العلمية والتكنولوجية.
فهل نشهد قريبًا هيمنة أجهزة كمّية فائقة قادرة على حل أكثر المسائل تعقيدًا في ثوانٍ معدودة؟
- نجيب مصطفى كمالي