إنجاز علمي مغربي غير مسبوق في علم الجينوم يُحدث ثورة في الطب: تنوّع وراثي مدهش واكتشافات صحية مهمة

الرباط – خاص Oulemag
نجيب مصطفى كمالي
في خطوة تُعدّ تقدمًا علميًا كبيرًا في مجال علم الوراثة، أنجز فريق من الباحثين المغاربة من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، بالتعاون مع مراكز بحثية دولية، المرحلة الأولى من “مشروع الجينوم المغربي”. وقد نُشرت نتائج هذا العمل في مجلة Nature العلمية المرموقة.
أجرى الفريق تسلسلًا كاملًا لجينومات 109 أفراد مغاربة، ليكشفوا عن تنوّع جيني واسع بلغ 27,935,252 متغيرًا جينيًا، من بينها 1,407,051 متغيرًا جديدًا لم يُسجّل سابقًا في قواعد البيانات العالمية مثل dbSNP. ومن ضمن هذه المتغيرات، تبيّن أن 15,378 منها شائعة نسبيًا لدى المغاربة، حيث يتجاوز تكرار الأليل فيها 0.05، مما يشير إلى احتمال لعبها دورًا مهمًا في البنية الجينية الخاصة بالسكان.
الدراسة تسلّط الضوء على النقص الكبير في تمثيل سكان شمال إفريقيا في قواعد البيانات الجينومية العالمية. فعلى سبيل المثال، تُظهر قاعدة بيانات GWAS الخاصة بـ NHGRI-EBI أن الأفراد ذوي الأصول الإفريقية لا يشكّلون سوى 2.4٪ من الإدخالات. ومن خلال هذا المشروع، قدّم المغرب كتالوجًا دقيقًا للتنوع الجيني، يتيح للعلماء فهمًا أعمق للحالات الصحية الخاصة وتطوير علاجات ملائمة للسكان المحليين.
ومن أبرز إنجازات المشروع، تطوير الجينوم المرجعي للأليل المغربي الرئيسي، وهو مرجع وراثي خاص يستند إلى بيانات أكثر من 2.25 مليون متغير جيني، منها 1,907,253 متغيرًا من نوع SNP و350,493 عملية إدخال أو حذف (indels). بعكس الجينوم المرجعي العالمي GRCh38، القائم على عينات من أصول أوروبية والذي يفتقر إلى تمثيل سكان شمال إفريقيا، يعكس الجينوم المغربي المرجعي الخصوصية الجينية الفعلية للسكان. وعند اختباره، قلّل عدد المتغيرات المكتشفة بنسبة 45.01٪، مما يدل على دقته في تمثيل التنوع الجيني المغربي. في الكروموسوم Y تحديدًا، وصلت نسبة التخفيض إلى 64.57٪. كما مكّن الباحثين من تحديد 231 متغيرًا مسببًا للأمراض، منها 167 من نوع SNV موزعة على 191 جينًا مختلفًا.

كذلك، كشفت الدراسة عن الخريطة الجينية للسكان المغاربة، موضّحةً الأصول المتنوعة التي ساهمت في تشكيلهم عبر التاريخ. وباستخدام تحليل ADMIXTURE، تبين أن الجينوم المغربي يتكوّن من:
- 51.2٪ من أصول شمال إفريقية،
- 10.9٪ أوروبية،
- 10.7٪ من الشرق الأوسط،
- 6.8٪ من غرب إفريقيا،
- و20.4٪ من أصول أخرى متنوعة.
تدعم هذه النتائج تحليلات الحمض النووي للميتوكوندريا، التي أظهرت أن 73٪ من العينات تنتمي لمجموعات فردانية أوروبية (مثل المجموعة H بنسبة 29.4٪)، و19٪ من أصول إفريقيا جنوب الصحراء (مثل المجموعة L2 بنسبة 27.3٪)، و8٪ من شمال إفريقيا. أما تحليل الكروموسوم Y، فقد أظهر بروز المجموعة الفردانية E1b1b1 في 36.6٪ من العينات، ما يعكس خصوصية وراثية يمكن أن تؤثر على السمات الصحية لدى المغاربة.
الدراسة أيضًا حدّدت متغيرًا في جين PKHD1 مرتبطًا بمرض الكلى المتعدد الكيسات، ما يعزز أهمية وجود بيانات وراثية محلية، خاصةً أن قواعد بيانات عالمية مثل gnomAD لا تمثّل شمال إفريقيا سوى بنسبة تقل عن 5٪.
يساهم مشروع الجينوم المغربي في تحسين الرعاية الصحية في المغرب وشمال إفريقيا بشكل عام، عبر تمكين الأطباء من الوصول إلى بيانات دقيقة تساعدهم على التشخيص والعلاج بناءً على خصوصية المرضى الجينية. وقد تم التعرف على 184 متغيرًا جينيًا فريدًا لدى المغاربة، بعضها مرتبط بأمراض مثل التهاب البنكرياس والنوبات القلبية.
هذا المشروع الريادي يُعدّ نموذجًا يمكن للدول المجاورة الاستلهام منه لتطوير مبادرات جينومية وطنية خاصة بها. ويُذكر أن فريق البحث الرئيسي كله مغربي، وينتمي إلى جامعة مغربية، مع دعم تقني من بعض المراكز الدولية، مما يجعل من هذا المشروع إنجازًا وطنيًا خالصًا.