استهل الكاتب مذكراته اليومية شارحًا الظروف التي دفعته إلى الإقدام على المشاركة الاختيارية والتطوع التلقائي كجندي في فرقة الخدمة المدنية التابعة للجيش الثالث المعبأ على عجل إمدادًا للجيشين الأولين اللذين كانا يقاتلان فعلاً في واجهة سبتة ضد الجيوش المغربية منذ أن أعلنت إسبانيا الحرب على المغرب في 22 أكتوبر 1859، ذاكرًا أن انطلاقته الأولى كانت من مالقة يوم 11 ديسمبر 1859 قائلًا: وأخيرًا، وبعد شهر من الانتظار جاء يوم ركوبنا.. سنقاسم إخواننا الذين يحاربون في الضفة الأخرى من البوغاز، وأسطولنا يتكون من 20 باخرة (بأسمائها) وعلى ظهرها عشرة آلاف جندي (ذكر طوابيرها) وكتيبة من الخيالة وأخرى من المدفعية.
تأليف: الكاتب الاسباني دي ألاركون
عرض وتقديم وترجمة: الأستاذ رضى الله ابراهيم الأيفي
عن حياة صاحب الكتاب ( 1833-1891م):
اسمه الكامل بيدروا انطونيودي الاركون انحدر من سلالة اندلسية (عربية) كالكثير من أبناء إقليمه الغرناطي المشتمل على قرى ومداشر ومدائن ما زالت تعج بالسلالات العربية وتحرى في عروقها دماء النخوة الهاشمية وتحافظ على العادات والمآثر الاندلسية.
ولد فيها صاحبنا الاركون في 10 مارس 1833 بمدينة واداش ذات الطبيعة الخلابة والطابع العربي الأصيل الذي لا يخفيه الا تلك الموح المسيحية ولا يحجبه إلا ذلك الضباب الكثيف من فعل السنين وتراكم الأجيال .
في ذلك الوسط الفواح بالأمجاد الأصيلة نشأ الاركون عصاميا عبقريا وهو ما زال في حداثة سنه ، يعشق المعالي ويتشوف لإدراك الغايات البعيدة والظهور في المجتمعات الراقية والمشاركة في الأعمال الجليلة وخوض غمار المغامرات وركوب متن الرحلات والأسفار …مسخرا في سبيل نيل ذلك كله طموحه النبيل وهمته العالية وادبه الجم وقلمه السيال وذكاءه الحاد وثقافته الواسعة ذات الأبعاد التاريخية واللغوية والادبية والفنية..
اتفق النقاد الاسبان على ان ثقافة الاركون ذاتية عصامية استمدها من فرط ما كان يقرأ ومن كثرة ما كان يبحث ويحاور ويسافر…ومن شغفه بتتبع الأحداث وملاحقة الأخبار ومجريات الأمور الوقتية والعالمية العابرة والغابرة…اذ كانت الصحافة في وقته ( القرن التاسع عشر) مزدهرة في أسبانيا وفي العالم الغربي ودور الطبع والنشر كذلك كانت اذ ذاك في الاوج بمختلف اللغات التي كان الاركون يقرأ ويجيد بعضها…مما جعل منه قارئا لها وكاتبا لا معا وصحافيا بارعا وأدبيا جامعا وشاعرا ممتازا …معدودا من الطبقة الرمنطكية.
ومن ثمة جاء أسلوبه في الكتابة محكما رائعا..
ينساب في خفة ورشاقة، وفي عفوية تامة لا تكلف فيه ولا تفعير، خال من الإسفاف ومن ركاكة العامية ومن هجنة الصحافة ومن الألفاظ الداخلية وتداخل اللغات فكان بحق من خير النماذج الراقية في اللغة الأسبانية ..وبالتالي كان الاركون من جملة الكتاب الرومانسيين الأسبان في عصره.
فهذا يتمثل جيدا في أسلوب الكتاب الذي نحن بصدده فهو وان كان موضوعه يوميات…كيوميات الحافيين المعهودة فانه يوفى بالغرض منها في تصوير المشاهد والوقائع حسبما تراه العين وتسمعه الإذن ..ثم انه يتجاوزها الى ما يحيط بها من خلفيات واماميات وما توحى به من أفكار واستنتاجات وما تبعثه من لواعج واحساسات وما تقتضيه من استطرادات واستفاضات ..وحتى ما يجملها من خيال ويحسنها من تشبيهات واستعارات بالاضافة الى ان كلماته ومفرداته ابعد ما تكون عن الدارجة الاسبانية وعن لغة الاكاديمية .. كانه يكتب لطبقة خاصة لا لعامة الناس.. ومع ذلك لا تفارقه السلاسة ولا تزايله العذوبة .. ما جعله دائما في متناول الجميع ويغرى به سائر القراء والباحثين..
واعتمادا على ما قرره النقاد الذين احاطوا بمؤلفات الاركون – وهي كثيرة –فان اسلوبه الممتاز ظل يلازمه في كل ما كتب .وحتى في احاديثه ومسامراته. لذلك كانت النوادي والصالونات الادبية تتنافس في حضوره وترغب في الاستماع اليه والقراءة له وخاصة مدريد الت كانت تجذ به بمحافلها ومسارحها وشخصيتها حيث كانت تربطه صداقات واتصالات باكبر الادباء وابرز الشخصيات من مختلف الاوساط الفكرية والسياسية .. نظرا لوفرة انتاجه القصصي والشعري والمسرحي.. ولما يمتاز به من عذوبة الحديث وامتاع المؤانسة في الجلسات..
وكان مما وصفوه به انه كان محبا للاسفار ومغرما بالرحلات وانه كان يتمنى ان يزور بلادا كثيرة ومنها المغرب الذي كانوا يطلقون عليه ” افريقيا ” فلما واتته الفرصة بقيام الحرب بين أسبانيا والمغرب سنة 1859 وامتدت الى سنة 1860 م المعروفة بحرب الستين –اهتبلها صاحبنا فرصة سانحة للتطوع في الجيش الاسباني ككاتب صحفي في فرقة تابعة للجيش الثالث الذي غادر اسبانيا في اوائل دجنبر 1859 من مالقة الى سبتة ..اي بعد قرابة شهرين من ابتداء القتال.إذ أن إعلان أسبانيا الحرب على المغرب كان في 22 اكتوبر 1859 ى.. واستمرت الى ان انعقد الصلح بين الطرفين في 25 مارس 1860 أي نحو خمسة اشهر ونيف وقد شاهد الاركون منها نحو ثلاثة اشهر وبصعة ايام اذ وصل الى سبتة صحبة فريقه العسكري يوم 11 دجنبر 1859 وغادر تطوان عن طريق ميناء مرتيل يوم 22 مارس 1860 عائدا الى مدريد أي انه لم يحضر وقائع الفترة الأولى من الحرب ولا وقائع الأيام الاخيرة منها فكان ذلك نقصا لم يسجله في مذكراته ويومياته أثناء الأحداث لذلك تدارك الامر وهو في مدريرد فكتب ملحقا لمذكراته ضمه بواسطة إفادة بعض الضباط ما فاته ولم يشاهده من الأحداث أولا واخيرا ..فجاءت مذكراته مستوفية لإحداث الحرب كلها…
واننا في عرضنا هذا لا نرمي الى ان نتتبع – ولو جزئيا – مع الاركون كل ما كتبه عن تلك الأحداث في سفره الضخم الطويل العريض، وانما نريد ان نبرز بعض سمات الكتاب وسمات الكاتب أيضا الخاصة بما كتبه عن بعض المآثر المغربية وأمجاد المغاربة التي شاهدها عبر المعارك خارج تطوان وهو شيء قليل والتي شاهدها وأعجب بها داخل تطوان وهو الشيء الكثير.. معرضين كلية عما أطال فيه في وصف المعارك والتغني ببطولات الاسبان وأمجادهم .. معرضين كذلك عما أطنب فيه وهو بتطوان منن التعرض للجالية اليهودية وتتبع مساوئهم ومخازيهم..اذ انه يقدر ما كان معجبا بالعنصر المغربي كان يمقت العنصر الآخر إلى حد مبالغ فيه..
فميزة الكتاب في نظرنا – زيادة على ما فيه من معلومات قيمة نادرة –هو إنصاف صاحبه في كثير من المواقف واعجابه اللامشروط بالمغرب والمغاربة. يكيل لهم الثناء والاعجاب في كل مناسبة وحتى في ميادين العراك والنزال يكاد يقف في صفهم وينحاز –اقول يكاد ينحاز لأننا رأيناه في مذكراته ينحاز لقومه الأسبان مائة في المائة عند أول عهده بالمغرب قبل أن يحتك بالمغاربة ويسبر غورهم ويعرف حقيقتهم ثم رأيناه يعتدل شيئا فشيئا وهو في طريقه إلى تطوان ثم انه تحول واستيقظ فيه شيء لا ندري ما هو حين وقف على باب تطوان.. وحين وقف على مقابر المسلمين الاولين المهاجرين من الاندلس.. وحين وقف على شرفات القصبة يلقى أول نظرة فاحصة على موقع تطوان واسوارها وابراجها ومساجدها.. ثم حين تجول بتطوان ورأى حال المغاربة.. ثم عندما زار منازلهم واكل من طعامهم وسير اغوارهم وعرف حقيقتهم – ثم موقفهم الصريح بجانب المغاربة عند مفاوضات الصلح فذلك بعض ما دفع بنا إلى التنويه بالاركون واقتطاف قطرات من كتابه القيم المعدود من خيرة مؤلفاته – ولا أقول أعماله- المطبوعة والمجموعة في 19 جزءا ونشير إلى انه في آخر حياته بلغ قمة المجد والشهرة ومات في قصره المنيف بمدريد في 10 يوليو 1891.
مقتطفات من الكتاب:
استهل الكاتب مذكراته اليومية شارحا الظروف التي دفعت به إلى أقدامه على المشاركة الاختيارية والتطوع التلقائي كجندي في فرقة الخدمة المدنية التابعة للجيش الثالث المعبأ على عجل أمدادا للجيشين الأولين اللذين كانا يقاتلان فعلا في واجهة سبتة ضد الجيوش المغربية منذ إن أعلنت أسبانيا الحرب على المغرب في 22 أكتوبر 1859 ذاكرا إن انطلاقته الأولى كانت من مالقة يوم 11 دجنبر 1859 قائلا: وأخيرا وبعد شهر من الانتظار جاء يوم ركوبنا .. سنقاسم إخواننا الذين يحاربون في الضفة الأخرى من البوغاز واسطولنا يتكون من 20 باخرة (باسمائها) وعلى ظهرها عشرة آلاف جندي (ذكر طوابيرها) وكتيبة من الخيالة واخرى من الدفعية .
ولما كان في عرض البحر ولا حت له صخرة جيل طارق قال عنها: تأملتها وان خجل ان أرى مستعمرة اجنبية في التراب الاسباني.. قال: وأنا أجول نظري عنها إلى جهة سبتة التي هي بالنسبة إلى الأسبان تعويض عن ضياع جبل طارق.. والتي هي رهان ومبارزة لا تنقطع بيننا وبين المغاربة..
ولما بدت له معالم سبتة وهضابها وجبالها راح يلتهمها بنظراته ويرشقها بكلماته ويشيعها وصفا وتبيانا قطعة قطعة حتى كانه يعرفها من قبل ..
وحين صاح النفير معلما بالوصول صاح هو ايضا ((ساطأ ارض افريقيا)) ثم ذكر انه قفز في شوق الى اول زروق الى بر الميناء وكتب عن هذه اللحظة، لا استطيع إلا أن احنو على ركبتي وأتوجه إلى الله واهتف : إفريقيا .. أنت لي ..،
نجتاز معه تلك المرحلة الأولى التي اشبع كل شيء رآه أثناءها أوصافا وتهليلا وتقف على التقائه صدفة في أزقة سبتة بصديقين له (يظهر أنهما من المغرب) كان يعرفهما من قبل وقد ابتهج بلقائهما غاية وقدمهما للقراء بقوله :
احدهما ترجمان في المعسكر العام واسمه انيفال صغير السن يتكلم لغات اكثرلا من سنوات عمره، واسم الثاني مصطفى عبد الرحمان ، قال : ومعهما كنت اعددت السفر الى المغرب منذ اربع سنوات ولم يتحقق ذلك من جهتي ..
وتصوركم كان ابتهاجي عندما وجدتهما في هذه الأرض .. ثم ذكر ان بفضلهما تعرف على أماكن عربية هناك ومنها خلوة لزاهد مغربي توجد سبتة ويطلقون عليها(( مسجد )) وصفه بانه صغير مبني بالحجارة والجير مقسوم إلى ممر مستطيل والى قاعة للعبادة بداخلها ضريح لصالح ومنبر صغير وعلى الجدار كلمات عربية بلون اخضر عرفت أنها (( باسم الله الرحمان الرحيم )) بفضل صديقي الأول ( الذي ذكره انفا).
وثم ذكر انه تابع سيره صاعدا ليزور القصر المغربي الذي كان يقع على تل هناك مشرف على مدينة سبتة والذي كان يقع يدعوه الأسبان (( سيرايو او السراي)) ويدعوه المغاربة ” الدار البيضاء” والمعروف أن من بناته القائد احمد الريفي حاكم تطوان ونواحي الشمال أيام المولى إسماعيل عند ضربه الحصار على سبتة لعدة سنوات .وصفه الاركون وصفا مسهبا جاء فيه: كان يقع في وسط غابة من الإحراج والاحراشالا أن الجند قطعوا الأشجار للتدفئة ليلا ونهارا وبقى القصر في جلال وكبرياء.. ولا شك انه كان قصرا عظيما..يتكون من طبقة واسعة تتيح على الأقل حياة ناعمة ولم يبق منه اليوم الا النصف وبعض الساحات الداخلية نصف خربة يشاهد فيها بعض الزخارف والفسيفساء الرائعة والدالة على الجمال الذي كان عليه القصر وان الطراز الذي يبدو في شرفاته وردهاته هو نفس طراز مسجد قرطبة ونفس الذوق الانيق الكائن بقصر الحمراء وقصر اشبيلة ..ويظهر في حجرة ليئة بالانقاض انها كانت احد الحمامات ..ورأيت قبة ذات قيمة عظيمة وقطعة كتابة ما زالت محتفظة بلونها الذهبي رغم الامطار والرياح.. ولم يخل القصر من ساحات بصهاريجها وعقود وسواري وجناح حرمي وجناح رسمي ومن قلاع واستطبلات وبرك وسواقي .. ولكن كل هذا قد تهدم من طرف البداة والغزاة .. وكان مرمما ولكن بكيفية غير لائقة بقصور العرب.. ومازال ممكنا اعادة بنائه إلى ما كان عليه بقليل من الصبر والانتباه حتى يعود كائنا حيا رافعا رأسه على تلك الربوة وحارسا هذه الشواطئ والممرات التي تصل اسبانيا بالمغرب وتربط المغرب بالمشرق قبلة المؤمنين وموطن الدين.. وختم الاركون هذا الوصف بان جانب القصر المقابل لسبتة ليس فيه ما يستحق الذكر الا تلك الصومعة الرشيقة المورسيكية التي ترفرف عليها الراية الاسبانية والا جدارا مكتوبا عليه بعابارات نارية ما سجلته الصفحات الاولى من تاريخ الحروب الاسبانية..
ومن هناك انطلق الاركون والتحق بفرقته وشرع في تدوين يومياته ..يوما بيوم ..يتتبع المعارك ويشاهدها نهارا وبدون احداثها ووقائعها ليلا ولا يترك صغيرة ولا كبيرة الا احصاها وعلق عليها واطنب في وصفها باسلوبه الرائق محاولا ان يضفى عليه حلة ادبية تبعده عن غبار المعارك ورائحة البارود وبرك الدماء ..
ونراه في خلال يومياته الاولى يتشوق لرؤية الجيش المغربي والوقوف منه على كثب ليتسنى له ان يصفه ويعطي عنه الصورة التي يتخيلها و يقرأها في القصص والروايات ..تلك الصورة المرتسمة في ذهنه عن المغاربة وعن شجاعتهم وطريقة تعبئتهم واندفاعهم الى حومة الوغى في صفوف متراصة مشاة وركبانا وقد طال انتظاره لرؤية الجيش المغربي على تلك الكيفية المتخيلة لان الفرق المغربية التي كانت تقاتل في الفترة الأولى يتكون معظمها من القبائل الجبلية للمنطقة وقتالهم يعتمد على الكمائن والعصايات يفاجئون العدو وياخذونه على غرة ولا يدري من اين ياتون ولا متى ينسحبون ..قد يكون ليلا او نهارا .. يمينا او شمالا.. من خلف او من امام .. وحتى اذا ظهروا وبدات المعركة فسرعان ما تنتهي باختفائهم .. وهذا النوع من القتال يتعب الجيوش النظامية التي تقاتل بالصف لا بالكر والفر..فقديما قيل: قتال الاعاجم بالصف وقتال العرب بالكر والفر..
وذات صباح باكر وجد الاركون بغيته اذ لمح على قنن الجبال المواجهة للمواقع الاسباتنية صفوفا من الخيالة انسد بهم الافق وسالت بهم المنحدرات وتطايرت الأتربة والأحجار تحت سنابك خيولهم يتواثبون على الصخور كأنهم جراد منتشر..فاوقعوا الرعب في نفوس الاسبان واثاروا حمية الاركون ووجد فيهم مادة دسمة لقلمه فكتب يقول : لحظة ابتهاج ..هناك فوق الجبل نرى اشكالا غريبة راجلة وراكبة .كانهم نسور طائرة . عليهم جلابيب واكسية بيض تتطاير من جنباتهم كأنها اجنحة تدفع بهم الى الامام واسلحتهم تلمع كالبرق في واضحة النهار والخيل تندفع بهم كانها في حلبة سباق .. وتتمايل في خيلاء كانها تتفسخ على رمال الصحراء.. يشكلون استعراضا كلاسيكيا وتكتيكيا عسكريا فريدا ..ويتقدمها فارس لا كالفرسان لا أدرى هل هو جني ام إنسان، فاقهم جمالا وكمالا وامتاز بينهم بخفته وحماسه وزاد باناقته ورونق شبابه قيل انه شريف وزاني من زعماء المغاربة وقادتهم الشجعان الأبطال … وأخيرا تساءل الكاتب : من هؤلاء ومن اين أتوا..؟
ونحن اتن اولئك جيش من قبائل الغرب ما بين الرباط ومكناس يقودهم الشريف الوزاني (الحاج العربي) وهو من اهل الرباط ومن عائلة الشرفاء الوازنيين المشهورين بالغيرة والحمية.. وقد ابلى ذلك اليوم هو وفريقه بلاء نال به رضا الله ورسوله والمومنين واحرز به على الشهادة في سبيل الله اذ انه سقط شهيدا في معركة الفنيدق بعد ان صرع الرصاص تحته عدة خيول .. وكم له من مثيل في تلك الايام العصيبة امثال القائد ابن عودة والقائد ابو ريالة وقد اشاد صاحبنا الاركون بهؤلاء كما اشاد بشباب مغربي وجده بين القتلى مضرجا بدمائه وهو ما زال في مقتبل عمره فوقف يرثيه ويقول: اني لا ارى فيك عدوا مقتولا بل ارى فيك إنسانا شريفا اثر ان يضحى بشبابه في سبيل امته ويترك اباه وامه يندبان عليه ويتركني انا اسف على موتك قبل الاوان وعلى تركك زهرة الحياة وانت ما زلت غض الاهاب…
وفي مناسبة اخرى كتب يشيد بشجاعة المغاربة وطريقتهم في القتال: ان سر فوات المغاربة اننا نجهل عنهم كل شيء، لا نعرف عددهم ولا متى ياتون ولا من اين يجيئون وان الارض هي التي تنشئهم وحضورنا هو الذي يوقظهم من جحورهم لا يعرفون الا عندما يظهرون. سيان كانوا مليونا او دورية من مائة رجل ، فاذا اندحروا بالامس فمعناه انهم سياتون غدا.والهزائم المتتابعة لا تثبطهم ولا الخسائر تنقص من عددهم ، عددهم يزداد بكيفية مدهشة كل حجرة وكل شجرة ترمي باحد من تلك الكائنات العجيبة .تمتلئ بهم الغايات وتسيل بهم الوديان ويبرزون من الجبال كنتف الصوف ومن التلال والوهاد كأمواج السحاب والضباب.
وبعد.. فاننا نصرف النظر عما أطال فيه صاحب المذكرات من تتبع الوقائع الحربية.. الى ما قصدنا لاجلة في هذه الترجمة من ذكر حال تطوان في تلك الفترة العصيبة مسترشدين بما خطه قلم الاركون في مذكراته وهو شاهد عيان ورائد لا يكذب اهله ولسان صدق عند قومه وعند الاخرين.
على اننا لا نذكر الا القليل من الشيء الكثير ولا ناتي مما افض الا بالنزر اليسير..اذ المقام محرز والكتاب فيه ما يقال وما لا يقال. او على الاصح فيه ما يهمنا وفيه ما لا يهمنا. وقد اشرنا انفا الى الاشياء الكثيرة التي أغفلناها عن قصد في العرض وان كنا لم نغفلها في نقلهنا للكتاب من الاسبانية الى العربية والله من وراء القصد.
المصدر: مجلة دعوة الحق، العدد 203، أبريل 1980.