يتحدث هذا المقال لصاحبه الأستاذ عبد القادر العافية، عن كتاب “وصف إفريقيا” الذي ألّفه الحسن بن محمد الوزان، المعروف بـ”ليون الإفريقي”، وهو كتاب يتناول وصفًا جغرافيًا وتاريخيًا لإفريقيا ومناطق أخرى. ألف الوزان الكتاب بعد قضائه ثمانية أعوام في إيطاليا، وكتب عن الحياة الاجتماعية، الطبيعية، والسياسية في إفريقيا، خاصة المغرب. يتناول الكتاب جوانب متنوعة من المظاهر الطبيعية والبشرية، كما يتضمن معلومات دقيقة عن الحياة اليومية، العادات، والأعراف في المناطق التي زارها المؤلف. ويُظهر النص أهمية الكتاب الذي ترجم إلى العربية بمناسبة مؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول عام 1979، حيث قُدّم للعالم العربي لإثراء المعرفة بتاريخ وجغرافية إفريقيا.
كثيرا ما انتظر القراء يتلهف كبير ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية، وذلك لما يحتوي عليه كتاب(وصف إفريفيا) من معلومات قيمة، وملاحظات جديرة بالاهتمام ولاعتبار، خاصة وأنه من تأليف عالم عربي مسلم اضطرته ظروفه للعيش في روما، فألف كتابه هذا باللغة الإيطالية، وهو يعيش بعيدا عن وطنه وديار قومه.(1)
ألف الحسن بن محمد الوزان هذا الكتاب سنة 933 – 1526 وذلك بعدما قضى ثمانية أعوام من الإقامة في إيطاليا. كما ألف كتبا أخرى منها : – معجم(عبري، عربي،لاتيني) الذي ألفه من أجل الطبيب اليهودي (يعقوب بن سيمون)(2). وفي سنة 1527 ألف كتابا جامعا في سير ثلاثين من مشاهير علماء العرب في ميدان الفلسفة و الطب (3).
ويحيل في كتابه (وصف إفريقيا) على كتابين له هما : “الوجيز في التاريخ الإسلامي” كما يذك اعتزامه على إصدار مؤلفين هما : (وصف اوربا) و (وصف الأقطار التي زارها في جزيرة العرب وآسيا الصغرى، وأرمينيا، وبلاد فارس، والتتر و القسطنطينية).
والكتاب الذي بين أيدينا(وصف إفريقيا) يقع في أكثر من 660 صفحة.
ترجمه إلى اللغة العربية ( الدكتور عبد الرحمن حميدة) أستاذ الجغرافية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية، ترجمة عن الترجمة الفرنسية التي قام بها ايبولار،Epaulard الجنرال الطبيب الفرنسي والتي نشرت سنة 1956 ضمن جزئين .
وترجم الكتاب إلى اللغة العربية بمبادرة من كلية العلوم الاجتماعية، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وبمناسبة انعقاد المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول في مطلع سنة : 1399 – 1979.
والكتاب قسمه مؤلفه إلى تسعة أقسام، خصص القسم الأول منه للحديث عن إفريقيا بصفة عامة، فتحدت عن انشقاق اسمها، وعن حدودها، وأقسامها وممالكها، وصحاريها الواقعة بين نوميديا وبلاد السودان وعن المماليك السودانية.
ثم تحدث عن أصل الأفارقة وعن الخلاف في و ذلك وعن متوسط أعمارهم، وعن مدلول كلمة بربر، وعن اللغات الإفريقية وعن دخول العرب إلى إفريقيا مع التوزيع السكني للعرب وقبائلهم ونمط حياتهم…
وتكلم عن ديانة قدامى الأفارقة وعن كتابتهم التي كانوا يستعملونها(4) .
وفي هذا القسم تكلم عن المظاهر الطبيعية لأفريقيا كالأماكن الموحشة، والثلجية، وحركات الهواء، ومميزات الفصول.
ثم تحدث عن الأمراض الأكثر شيوعا بين الأفارقة، وختم هذا القسم بالكلام عن الخصال الممدوحة و المذمومة فيهم.
والقسم الأول من الكتاب يتضمن معلومات تاريخية وجغرافية هامة، وخاصة منها تلك المعلومات التي تتعلق بعناصر السكان وبامتزاج هذه العناصر أو تتعلق بالهجرات العربية منذ زمن الفتح إلى خروج العربي من الأندلس. ويحتوي هذا القسم ملاحظات دقيقة تدل على علم المؤلف وسعة أفق فكره.
أما القسم الثاني من الكتاب فبداه بالحديث عن إقليم حاحة غرب المغرب الأقصى فتحدث عن مرقعه وتضاريسه ونمط حياة سكانه، ولباسهم و عوائدهم.. ثم تحدث عن أهم مدن هذا الإقليم أو هو اثناء كل ذلك يقدم أوصافا وملاحظات دقيقة و لا ينسى ذكر تواريخ بناء المدن أو خرابها.
وفي هذا القسم تكلم عن إقليم سوس وعن مدنه وقراه وجباله وسهوله وموانئه..
ثم تكلم عن منطقة مراكش ذاكرا أسماء المدن و القرى والأسواق والمراكز والجبال، كما تكلم عن منطقة جزولة ودكالة و عن المدن الساحلية المحتلة في ذلك الوقت، كآسفي وأزمور، وغيرها.
وفي هذا القيم كذلك تكلم عن منطقة مسكورة ومدنها وقراها وجبالها… وهو أثناء كلامه عن المناطق و المراكز والمدن يحدد المسافات الفاصلة بينها ويتعرض لوعورة المنطقة أو سهولتها.
وفي هذا القسم كذلك تحدث عن منطقة تادلة واصفا جبالها ومدنها وقراها على عادته في ذلك وبوصفه لمنطقة تادلة ختم القسم الثاني من الكتاب.
أما القسم الثالث فخصصه للحديث عن مملكة فاس، وهي تضم عنده إقليم تامسنة بما فيه من مدن وقرى، كأنفة، والرباط، وشالة..
ثم عقد عنوانا آخر للحديث عن ولاية فاس مبتدئا من مدينة سلا، فالمعمورة، ومكناس، وما يتخلل ذلك من المدن والقرى و المراكز إلى أن يصل وصفه إلى المدينة الكبرى فاس، وهنا أرخى لقلمه العنان حيث قدم بمقدمة تاريخية عن بناء مدينة فاس وعن طبيعتها وتضاريسها وأنهارها ومنابع مياهها…
وبعد تحديده لموقع المدينة وموضعها و الحديث عن الأطوار التي عرفتها، أخد يصف المارستانات، والحمامات، والفنادق، والطواحن، ومراكز الصناعة المتنوعة، والدكاكين والأسواق التجارية، والقيصريات، وهو أثناء دلك يعطي المعلومات بالأرقام الإحصائية، فيذكر عدد المارستانات مثلا وعدد الفنادق والطواحن … ويمزج كل ذلك بحكايات وقصص أما وقعت له هو نفسه أو سمعها ممن يوثق به.
ووقف عند وصف القرويين وقفة طويلة ومفيدة فوصف المدارس (مآوى الطلبة) وأشاد بالمدرسة العنانية.
ومن أغرب ما عنده في هذا القسم وصفه لفنادق فاس في هذا العصر، ولما كان يجري فيها من أعمال دنيئة، مما جعله يعتذر عن صراحته، وذكر أنه نشأ في هذه المدينة التي تضم مثل هذه الفنادق المتحدث عنها وبأن أشراف الناس وعقلاءهم يستنكرون ما يجري من دناءات ولا يقترب منها إلا سفلة القوم.
ومن الفصول الطريفة عنده في هذا القسم وصفه للعادات المتبعة في الغداء بمدينة فاس. ووصفه لعادات الزواج والخطبة والأعراس، والمهور، والحفلات…
وبعدما جعل القارئ يعيش معه في فاس في القرن العاشر الهجري تعرض لذكر عناية الناس في فاس تربية الحمام واقتنائه. ثم ذكر أنواع اللعب التي يتعاطاها الناس وقال في هذا المجال : “واللعب عند ذوي التربية الطيبة، والبيئة الراقية، لعبة (الشطرنج) “(5). وتكلم عن شعراء العامية في فاس، وقال إن أغراض الشعر عندهم تكاد تنحصر في الغزل بالنساء، والغزل بالغلمان، يقول : “وبدون خجل” وفي المولوديات، إلى أن قال ويعقدون مباراة لأمارة الشعر بالعامية وتدوم الإمارة لمدة سنة.
وذكر أن سوق الشعر بالعامية في وقته هو أقل منه شأنا على عهد بني مرين حيث كان يحظى الفائز بهدية من الملك وهي (مائة دينا،وفرس، وأمة، وكسوة، ويمنح الآخرون من المشاركين خمسون دينارا).
وللمؤلف كذلك وصف هام عن الكتاتيب القرآنية ومدارس الأطفال، وأعطى معلومات مفصلة ودقيقة، ومن أبدع أوصافه، وصفه لحفل (الحذقة) (أي ختم القرآن الكريم)، وذكر أن المحتفل به كان يركب على فرس مطهم في لباس أنيق يؤتى به من دار المخزن. ويتبعه التلاميذ وهم يمتطون الجياد المطهمة…(6).
وأثناء كلامه عن الكمائيين والعرافين والسحرة.. تكلم عن (الزيرجة) وكلامه عنها يدل تشبثه بالأخلاق الإسلامية، كما يدل ذكائه واطلاعه (7).
وتكلم عن الصوفية وقال عنهم : “يتبعون بعض النواميس التي لم يأمر بها محمد صلى الله عليه وسلم. وبعض الناس يعتبرهم من الراشدين، وبعضهم لا يسري ذلك، ولكنهم في نظر العامى من الأولياء. وتشمل طرائفهم عدة فروع، ولكل منها قواعدها الخاصة، ورئيسها الذي يدافع عنها، وعلماؤها الذين يؤيدون مبادئها…”(8).
وبعدما نكلم عن نشأة الصوفية وتطورها أشار إلى إعجاب المتصوفة بقصائد ابن الفارض، الذي كتبه المترجم في كل مرة ( ابن الفريد) (9) وينقل حكايات تتهم المتصوفة منها، ما قال أنه شاهده بنفسه . والحقيقة أن كلام المؤلف عن فاس يعد من أمتع ما كتبه من الأوصاف والملاحظات …
ثم بعد ذلك انتقل للكلام عن أرياض المدينة بما في ذلك المقابر وأضرحة الملوك، والبساتين والرياض، وبعد هذا رجع للكلام عن فاس من الجديد، وعن تاريخ بنائها وأسباب ذلك، وهنا تكلم عن اليهود الذين كانوا يقيمون في فاس في هذه الفترة وكيف انتقلوا للسكنى بفاس الجديد، وتحدث عن حرفهم ومهنهم…
وأنهى حديثه عن فاس وأرياضها بالكلام عن “نمط الحياة المألوفة في بلاط ملك فاس” (10).
وفي هذا القسم الثالث الذي خصصه للكلام عن مملكة فاس تكلم عن منطقة بلاد ( الهبط ) واصفا المدن والقرى ونمط حياة السكان، وتحدث عن المدن الساحلية – المحتلة من طرف البرتغاليين في ذلك الوقت – أصيلا، طنجة، القصر الصغير، سبتة. وهو يذكر تأسيس هذه المدن، ويصف طبيعتها و مواقعها كما يتحدث عن الظروف التي أدت إلى احتلالها من طرف البرتغاليين، وبذكر تاريخ هذا الاستقلال ويتحدث عن مقاومة المغاربة للاحتلال البرتغالي.
ثم تكلم عن مدن أخرى لم تكن محتلة من طرف الأجنبي كالقصر الكبير، والعرائش، والبصرة وتطوان.
ثم أخد يذكر القرى و القبائل و الجبال بهذه المنطقة، كرهونة، وبني زكار، وبني عروس، وجبل حبيب ووادراس، وبني حسان.
وفي هذا القسم تحدث عن إقليم الريف ويقصد جبال الريف حسب المصطلح الجغرافي، وضمن هذا الإقليم تكلم عن : ترغة، وبادس، والجبهة، و الزمة وشفشاون، وجبال غمارة وقبائلها، كالأخماس، بني أحمد، وبني زروال وبني مزكلدة..
وهو يصف طبيعة كل منطقة على حدة ويذكر مروره بها ان كان حصل ذلك، وأغلب المناطق و القرى التي يصفها يذكر أنه أقام بها أو مر منها.
وبعد ما أنهى الكلام عن إقليم الريف تكلم عن المغرب الشرقي ابتداء من مليلية وغساسة ثم عرج على المناطق التي تقع شرق فاس، بما في ذلك الأطلس المتوسط.
وفي القسم الرابع من الكتاب تكلم عن مملكة تلمسان واصفا المدن و القرى و الجبال و المراكز….
وفي القسم الخامس تكلم عن مملكة بجاية وتونس.
وفي القسم السادس عاد للكلام عن الصحراء المغربية. أما القسم السابع فخصصه للكلام عن بلاد السودان. كما خصص القسم الثامن للكلام عن مصر.
وأنهى كتابه بالقسم التاسع الذي تحدث فيه عن أنهار، ونباتات، وحيوانات افريقيا .
والملاحظ من خلا قراءة الكتاب، أن المؤلف معتز بنفسه، واثق من معلوماته، يحكي الواقع كما شاهده ولاحظه، من غير تحفظ أو تردد، وهو في ذلك يبلغ منتهى الصراحة إلى حد أنه يذكر أحيانا ما يخجل القلم من تسجيله.
وهو ينتقد الطرق الصوفية انتقادا مرا، كما ينتقد المشعوذين، والعرافين، والدجالين، وكل أصناف المحتالين.
وأثناء كلامه مع ملوك فاس يقول : ليس منهم من تولى الحكم بطريقة شرعية، وإنما عن طريق التسلط والغلبة.
وهو ينتقد كثيرا من العوائد، في كثير من الجهات و المناطق، وأحيانا يكون لاذعا في سخريته. ونشعر من خلال القراءة أن المؤلف رجل متحضر يحب الحضارة. وبأنه صاحب عقيدة فذة، وفكر نير.
ومع كل هذا يشعر القارئ أن المؤلف كان يفتقر إلى بعض المراجع أثناء تأليفه للكتاب، وأن مذكرته كانت غير كافية أحيانا في طرقه لبعض المواضيع.
ومهما يكن من أمر فالحسن الوازن بذل مجهود فريدا من نوعه في كتابة(وصف إفريقيا )و هو كتاب جدير بالقراءة خاصة وأنه يلقي أضواء كاشفة على بعض المراحل الغامضة من تاريخنا.
ولد الحسن بن محمد الوزان الزياني بغرناطة سنة 894/1488 . ونشأ بفاس، وعمل في الديوان مع الوطاسيين على عهد محمد الشيخ ابن أبي زكرياء وعهده ولده محمد الشيخ البرتغالي، وقام بعدة رحلات في شؤون إدارية داخل المغرب وأحيانا خارجه.
وفي سنة 926/1518 سقط في الأسر وهو في نحو الثلاثين من عمره، وأهداه القراصنة الذين أسروه للبابا ليون العاشر في روما فمكث فيها نحو اثنتي عشرة سنة، ألف خلالها عدة كتب، ثم استطاع الإفلات نحو سنة 1530م فتوجه لتونس وعاد لدينه وحريته، ولعله مات بعد سنة، 944/1537 وهو في نحو الخمسين من عمره، ويكتنف الغموض المرحلة الأخيرة من حياته.
(1) أتقن خلال المدة التي أقام فيها بروما اللغة الإيطالية وأنجز بهذه اللغة عدة أعمال.
(2) ألف هذا المعجم سنة 930/1524 وهو تحت الإقامة الإجبارية، بروما ومخطوطة هذا المعجم ما تزال محفوظة بالاسكوريال.
(3) نشره (هوتنغير) في عام 1664 م بزوريخ في سويسرا. ثم أعيد نشره : 1846 م في هامبورغ ، وكان أول سفر يقدم معلومات ذات أهمية بالنسبة لأوروبا في تاريخ تطور العلوم عند العرب.
(4) وفي ذلك يقول : “ليس ثم شك في أن الرومان عندما انتزعوا هذه البقاع من أعدائهم قد اتلفوا كل الكتابات التي تحمل أسماء المغلوبين، وأبدلوها بكتاباتهم، الخاصة، وذلك كي يهينوا هؤلاء، وهكذا انتزعوا – عدا كرامة الأفارقة – كل ذكر لماضيهم ، كي لا يتركوا سوى ذكر الشعب الروماني، وهذا ما أراد فعله أيضا القوط بالنسبة للرومان، وما فعله العرب بالنسبة للمخالفات الفارسية، وهذا ما يفعله اليوم الا تراك فؤ المواقع الني يستخلصونها النصارى..” ص : 79 .
(5) ( وصف إفريقيا ) الترجمة العربية ص : 262 .
(6) نفس المصدر ص : 263 .
(7) نفس المصدر ص : 266 وما بعدها.
(8) نفس المصدر ص : 270 .
(9) نفس المصدر ص : 272 .
(10) نفس المصدر ص : 285 .
عبد القادر العافية
المصدر: مجلة دعوة الحق، العدد 207، غشت 1980