ذكرنا في هذا البحث المتواضع بعض الطـــرق الصوفيـــــــة التي تُعد من التصوف السني، وأنها تستمد موردها من السنة. وذكرنا منها القادريــــــــة والتجانيـــــة والمريديـــة، مع العلم أن هناك طرقا أخرى لم نذكرها في هذا العــرض، لأنّ وجود البعض يقتضي وجود البعض الآخر. فالبعرة تــدل على البعير، وآثارها وآثار الأقدام تدل على المشي. ومعنى هــــــــــذا، أنّ القارة الإفريقية لم تتخلف عن الركب في جميع مجالات الدين الإسلامي شريعـــة وحقيقة، لأنّ الشعــــــور الديني عموما والشعور التصوفيّ خصوصا قوي لدى شعـــــــــوب القـارة الإفريقية جمعاء.
الإمام يحيى جبريل نيانغ
الأمين العام لرابطة علمـاء الإســلام في السنغال
وعضـو فرع مؤسسـة محمـــد الســـادس للعلماء الأفارقة بالسنغـــــال
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمــــد النبي الأميّ الذي أُرسل ليتمم مكارم الأخلاق، وعلى آلـــه وصحابته الكـــــرام البررة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد، فرحم الله القائل: بليتُ بأربــع: «إبليس والدنيا ونفسي والهوى، فكيف الخلاص وكلهم أعدائي».
والخـــــــلاص من هـؤلاء الأعداء في تزكية النفس بقوله جلّ وعلا خالق النفس: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) {سورة الشمس. الآيتان ( 9 – 10 )}.
وعلى ضوء هذه الآية المقدسة مدار التصوف السني في تزكيـــة النفس الـأمّارة بالســـوء.
المدخل:
التصوف عبادة تطبيقية للنصوص الواردة في كتاب الله تعالى وسنـة رسولـه صلى الله عليه وسلـــــم، لتحقيـــق مقاصد الدين الإسلامي الحنيف، إلاّ أنّه يهتم بالجانـــب الروحي لتزكية النفس ومكوناتها ومساندة العقيـــــدة وتقويــــــم السلوكيات على ضوء الشريعــة والحقيقــة. ومن هذا المنظــور يمكن القول بأنّ التصوف قد وُجِد فعلا بوجود هذا الدين منذ فجـــر الإسلام، إلاّ أنّه لم يُســـمّ باسمه (التصوف). إلاّ بعــد فتــرة من الزمن1.
وبالنسبة للموضوع المقترح، يمكن القول بأنّ التصوف السني وصــل إلى القـــــــارة الإفريقية بوصـــول الإسلام نفســه إليها، أي قـــد وصـل الوليد بوصول الوالد – إن صح التعبير-، وعليه فإنّ الســـــؤال المطروح هــــــــو: متى وصل الإسلام إلى القارة الإفريقية؟
إنّ التاريخ قد أثبت بأنّ الإسلام قد وصل إلى القارة الإفريقية قبل الهجرة بقليل، وذلك عند وصول أوّل دفعة من اللاجئين إلى الحبشة، وكان ذلك بأمر من الرسول عليه الصلاة والسلام. والحبشــــــــة جزء من القارة الإفريقية. وبهــذا يمكـن القــــول: إنّ القارة الإفريقية هي الأخرى قـــد ساهمــت في تبليغ الدعوة ومساندتها منذ البداية.
وبالنسبة للسنغال، فإنّ الإسلام قــــد وصل إليها حوالي القرن الثالــــــث الهجري، وازداد انتشاره بعد الفتوحات الإسلامية في عهد عقبـة بن نافـــع الفهـــــــري، ثمّ توغّــــل إلى المناطق المجــاورة أيّام الأدارســــة. ثمّ تقوّى وانتشر في عهد المرابطين بقيادة عبد الله بن ياسين (ت403هـ/ 1013م).
وقد تولّد من حركة هذا المجاهــــد ما يسمى بـ (الرباط) في منطقـة شمـال وغـرب إفريقيا، يعني من صحراء المغرب الجنوبية إلى ضفة نهـر السنغال (منطقة فوتا تورو).
هـــــــذا ومن ضمن الفاتحين ثلة من الفقهاء السنييـن يُفقّهون الناس في المذهب المالكي الذي يعتمد على العقيدة الأشعرية، وكان التصـــوف السني هو الآخر يعتمد عليهما معا – شريعة وحقيقة- ضمن النصوص.
1/ ما هي أشهر الطرق الصوفية في إفريقيا؟
أشرنا في المقدمة بأنّ التصوف قد وُلد بميلاد الإسلام نفســــه، ووصل إلى إفريقيا يوم وصولــــه إليها بالفعل كذلك، وأنّ الإسلام قد انتشـر عن طريق القوافل التجارية، وأنّ المرابطين قاموا بإقامة المراكـــز للرباط، فانقلبـــت هذه المراكــــز إلى محاضر علمية للتعليـم، وكان المذهـب الفقهي للإمام مالك قد سبق إليها قبل جميع المذاهب، ويُدرس التصـــــــوف ضمن الفقه الإسلامي مثل المـــواد الأخرى بعد تعليــم القرآن الكريــــم؛ لأنّ من هؤلاء الفقهاء متصوفـــيـن. فالشريعة صِنْو للحقيقــة، فلقنــوا أبناء البـــلاد مبادئ التصــــوف، فاتخذوها وسيلـــة للتربيــة الروحيــــة وتقويــــــم السلوكيـات وتغيير العادات…
وأشهر الطرق الصوفية التي يستعينون بها لنشر الدعــوة والتربيــــة الدينية وتهذيب السلوكيات، هي:
- القادرية: التي سبقت ممارستها في كل من السنغال وموريتانيا ومالي ونيجريا، فحظيتْ بقبول واسع وأتباع عدّة، ونالت بذلك شهرة واسعة ولها معالم وأعلام كبار في تلك المناطق.
- التجانية: التي ظهرت في القرن الثاني عشر الهجــــري في ربوع إفريقيا على يد دفين فاس سيدي أحمد التجاني، ثم انتشـــــرت بسرعة في بلدان المنطقة الغربية عبر صحراء المغرب الجنوبية.
ولما كانت مبادؤها واضحة المعالم من الكتاب والسنة، فقد استطاعت في ظرف قصير أن تشقّ طريقها عبر القارة الإفريقية، كالسنغال وجاراتهـا من بلدان غرب إفريقيا كلها.
وبعد برهة من الزمن ظهرت في السنغال طريقة صُوفيـــــــة أخـرى على يد أحد رجال الله السنيين، وهو الشيخ أحمد بمب مبكي رحمـــــــه الله، في القـرن 19 الميــــــلادي؛ وهي الطريقــــة المريديــــة، وهي أيضا وليــــدة إفريقـيا. وقد انتشرت هي الأخرى بجانب الطريقة القادرية والطريقـــة التجانية، وسنعرض نبذة عن نشأتها وعن حياة مؤسسها فيما بعد.
وهذه الطـــرق الصوفيــة الرئيسيـة هي التي يمارسها مسلمــو بلدان غرب إفريقيا، مع التسامــــح والاحتـــــرام المتبادل بين جميع أتباعها من جهـــــة، وبينهم وبين من لا يمارس أيّ شيء من الطرق، كما سنـرى لاحقا ذلك التعايـــش السلمي وقبـــــول الآخـــــر بين أبناء المجتمــع في تلك الأقطار من إفريقـيــا.
2/ التعايش الصوفي في المجتمع الإفريقي:
نشير هنا إلى أنّ هذه الطرق الثلاث ظلت لحدّ الآن سارية المفعـول في المجتمع، مع التعايش السلمي بين أتباعها بــــــدون حـــرج، ومع الاحترام المتبادل بين المواطنيــــن بغض النظر عن التعصب الصـــوفي والقبلي أو الإقليمي. فكلّ مريد يمارس الطريقة التي يتمسك بها بكلّ حرية، مع احتـرام الآخرين في ممارساتهم الصوفية أو المذهبية. وكذلك المشايخ الأعـلام أنفسهم يتعاملون فيما بينهم بدون أي مشكلة، مع التسامح وقبول الآخر.
وخلاصــــــــة القول: إنّ التصوف السني يتبوأ مكانة عالية في بلدان المنطقة الغربية من إفريقيا: في السنغـــــــــــــال وموريتانيا ومالي والنيجر ونيجيريا وغينيا كناكري وغينيا بساوْ وبوركينافاسو.
وهذه الطرق على اختلاف المنهج العملي، إلاّ أنّها تلتقي في الأصــول الأساسية للثوابت الدينية المشتركة والعُرفية الإفريقية المشتركـة.
فهـذه كلها من العوامل الأساسية المتينة، التي ربطت بينهم الانسجـــــام التام والوحدة والتفاهم والتعايش السلمي.
3/ معالم وأعلام في التصوف السني في إفريقيا:
أشرنا في مستهل البحث إلى نشوء محاضر علمية للفقــه المالكي ومراكـــــز تربوية، وأشرنا كذلك إلى أنّ الصوفيين كانوا من القائمين بتفقيــــه الناس، يلقنونهم مبادئ التصوف ضمن نصوص من الكتاب والسنة. ومع مرور الزمن تكونت في المناطق معالـــم ومعاقـــل صوفيــة، كالزوايا الخاصـــــة للطرق الصوفية، يسهر عليها أعلام ومشايخ معتمدون في هذا الجانب الروحي لنشــرها. وسنذكر بعد قليل، نبذة يسيــرة من المعالــــم الأثريـــة للتصــوف السني، وأعلاما من العلماء البارزين ومشايخ طـــرقية، على سبيل المثال لا الحصر.
ففي السنغال- مثلا- توجد الزاويــة الكنتيــة القادرية بمدينة نجاسان، وعلى رأسها اليوم الخليفة العام لهذه الطائفــة، سماحة الشيخ البكاي حفظــــه الله ورعاه. ولهذه الزاوية العظيمة فروع تابعة لها في طول البلاد وعرضها، لأنّ هـذه الطريقة كانت من أقدم الطرق تاريخيا في الوصول إلى غـــــــرب إفريقيا. ولها عدة أتباع في سائر بلدان المنطقة الغربية كما سبقت الإشارة إليها.
ومن أعلامها الكبـــار الشيـخ البكّاي الكبير الذي زامن الشيخ عمر الفوتي أيام مُقامــه في حمد الله. وسنذكر لاحقا تاريــــخ تأسيس الزاوية الكنتية في السنغال عند ذكر الزوايا وأعلامها. ومما يبرهن على حضور الطريقــــــة القادريــــة في السنغـــال منذ مدة من الزمن، أنّ رجــــال الثورة الإمامــيــة في فوتا تورو (شمال السنغال) في القـرن 17 الميـــــلادي بقيادة الشيخ سليمـــان بال 1118 – 1182هـ / 1707 – 1762م والشيخ عبد القـادر كـن 1138 – 1236هـ/ 1726 – 1815مـ، الـــذي كـــان أوّل أميـر للمؤمنين في هذه الدولة الإسلامية، التي أطلـــق عليها المؤرخون اسم: الدولــة الإماميـــة في فوتـا تــورو شمـــــال السنغال، كـــانوا قادريي الطريقة. ولا تزال هناك زوايا قادريـــة في فوتا حتى الآن، كمدينة بَكّل وبوكجوي.
4/ أبرز الطرق الصوفية في السنغال:
أ/ الزاوية القادرية الكنتية في نجاسان
قد أشرنا إلى أنّ القادرية هي أقدم الطرق الصوفية في غرب إفريقيا. فأمّا زاويتها الأولى في نجاسان، فقد تم تأسيسها منذ عـــــــــــــام 1800م على يـــــد الشيــــــــخ أبــــو نعامــــــــــــــة رضي الله عنـــــه في بلـــــدة نْدَانْكَ نَارْ – نجاسان حاليا – في السنغال.
وقــام المؤسس بنشر هذه الطريقة وتوسعتها في المناطق المجاورة، فتلقاها المواطنــون لأنّها كانت معروفة لديهم قبل وصوله. كما أشرنا إلى رجال الثورة الإمامية بقيادة الشيخ سليمان بال والشيخ عبــد القادر كن أوّل أميـــــر للمؤمنين في هـــــذه الدولـــــة الإسلامية في القــــــــرن السابع عشر الميلادي، الذين عاشوا نفحات هذه الطريقة في ذلك العهد.
ومن أعلام الزاوية الكنتية، الشيخ أبو محمد الكنتي (1840 – 1914م)، الذي شمّر هو الآخر عن ساق الجدّ وقام بنشر هذه الطريقة بشكل أوسع حتى كثر المنتسبوـن إليها، وعمل على تحسين المعاملة بين الناس على أحسن وجه.
ب/ الزاوية العمرية التجانية
نسبـــــة إلى الشيخ عمر بن سعيد الفوتي رضي الله عنه، ذلك الخليفـــة الأكبر الذي تلقّى الخلافة العظمى في الطريقة التجانية على يد العلامـــــــة الشيخ محمد الغالي بو طالب، أحد مريدي مؤسس الطريقـــــة، أيّام كان هـذا الأخير مجاورا للروضة الشريفة، مقر خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم بالمدينـــة المنورة، بعد صُحبة الرجلين 3 سنوات للخدمة.
من هو الشيخ عمر الفوتي تال (1211 – 1281هـ/ 1797 – 1865م)؟
إليه يرجع الفضل في انتشار الطريقة التجانية في ربوع المناطق الغربية من إفريقيا، وقد كان عَلَما بارزا وطودا شامخا. ذلك المجاهــــد الأكبــر، الذي كان جهاده يسير على ثلاث جبهات:
- جبهة لمحاربة الوثنية وتوطيد الدين الإسلامي؛
- وجبهة للتربية الروحية ونشر التصوف السني (الطريقة التجانية)؛
- وجبهة للتعليم والتثقيف عن طريق التأليــــف شعرا ونثرا.
وقد كان لجهاده في هذه الجبهات آثار ونتائج إيجابية، وثمار يانعة انتشـــــــرت في جميع البلاد المذكورة ومعالمها، فنشأت بموجبها عدة زوايا صوفية يسهر عليها أعلام كبار.
فمن هـــــؤلاء الرجــــــــال، حفيده شيخ المشايخ (كما يكنيه علماء عصره)، الشيخ سعيد النور تال رحمه الله (1864 – 1980م). فقد كان هـــذا الصــــــــوفي اللامــــع عــارفا بالله، لعـــب أدورا هامة في حياة المجتمعات الإفريقية التي كانت تحت الوصاية الاستعمارية، سواء من الجانـب الديني بشكل خـــاص، أو في الجانب السياسي والتعايش السلمي بين جميع الطبقات بشكـــل عــــــــام.
ففي الجانب السياسي كان الشيخ من أكبر مساندي جلالة المغفـور له محمد الخامس، قبل وخلال وبعد منفاه. ومما قاله لجلالتــــــه في هذا الصدد، قولته الشهـيرة: «إنّك سترجع بإذن الله إلى وطنك، وتقود شعبك رغـــــــم أنف الاستعـمـــــار»، ولله الحمد، فقد تحققت تلك الأمنية.
وقد استطاع هذا الصوفي الجليل أن يواصل مسيرة جهاد جدّه الشيــــــخ عمر الفوتي، ولكن بشكل سلمي بين المواطنين أنفسهم، وبينهم وبين المستعمرين. فمثاله في جميع مواقفه السلمية والإصلاحية، يتمثل في جواب سيد الطائفة الشيخ جنيد رحمه الله، الذي عندما سئل عن صفــــة العارف بالله، قــــــــــــــال: «لون الماء، لون إنائه».
ومعنى هذا، أنّ الشيخ سعيد النور صوفي ساير زمانه، كما قال الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه: «بسير زمانك سِرْ». فكان بــــــذلك لون عصره وزمانه. وفي هذا قال أحد شعراء عصره:
وهذا يدل على مواقف هذا الصوفي في تطبيق مهمة الدين ومقاصده في حياة الأفراد والجماعات، وفي مخالطتهم، من دون أن ينعزل عنهم لحظة واحدة.
وخلاصة القول: إنّ الشيخ سعيد النور، كان رمزا بارزا، يمثـــــــــــل الزاوية العمرية في السنغال، كما قام أمثاله من ذرية الشيخ عمر الفوتي- رضي الله عنهم جميعا- بنفس الدور، في كل من مالي والنيجــــر ونيجيريا.
وتُعتبـــر الزوايا الآتية ذكرها امتدادا للزاوية العمرية في السنغال، والدليل على ذلك تلك الصلة المتينة والعلاقات الروحية فيما بينها من جهــــة، وبين أعلامها ومشايخها من جهــــة ثانية. هذا وقد واصل مسيرة الشيــخ سعيـــد النور من بعده، ابن عمه وخليفته الشيخ منتقى أحمد.
الشيخ منتقى أحمد 1331 – 1428هـ/1914 – 2007م
لقد طبق الشيخ منتقى أحمد الصوفي التقي هو الآخـــر بنود الشريعة والحقيقة، فمشى على خطوات الشيخ سعيد النور، وشمّر عن سـاق الجدّ، وقام بحماية التراث الإسلامي، وحراسة حظيرة التصوف السني.
كما قام بعدة مشاريع إسلامية، أعظهما بناء الجامع العمري الفخــــــم بدكار، وتأليف موسوعة تاريخية ضخمة حول حياة جده الشيــــــــــخ عمر الفوتي وجهاده. واسترد جميع ممتلكات الشيـــــخ عمــــــر الفوتي، التي أخذها الاستعمار الفرنسي في سيغو، منها الكتب والسيف وغيــرها، وهي الآن في متحف الأسرة بدكار.
والشيخ منتقى رحمه الله، هو أحد رجال التصوف السني، وحامي حمى الشريعة والحقيقــة. وقد كان عَلما بارزا من أعلام التصوف السني في السنغال، ولعـب دورا هاما في الدين عموما، وفي التصوف بشكل خاص، فجزاه الله خير الجزاء.
وقد قام بنفس الخطوات- ولله الحمد- خليفته البار، خادم الحضـــــرة العمريـــة، وحامي التراث الإسلامي، وهو الشيخ محمد المدني تال حفظـه الله ورعاه، وهو في الوقت نفسه رئيس رابطة علماء الإسلام في السنغال.
ج/ الزاوية التواوونية:
ومؤســــــس هذه الزاوية التي هي من ثمار الزاوية العمرية، هو الشيخ الحاج مالك سي- رضي الله عنه- في القرن التاسع عشر الميلادي (1855 – 1922م). وقد كان عارفا بالله، صــــــــوفيا قيّما مربيا، ومرقيا في الطريقة التجانية. وله منهج خاص في هذا المجال، لذلك قــــــال الشيخ أبو بكر سي الشاعر في منهجه هذا:
ومن أعلام هذه الزاوية بعد مؤسسها:
- الشيخ أبو بكر سي رضي الله عنه (1885 – 1957م).
- والشيخ الحاج عبد العزيز سي الدبـــــــاغ رضي الله عنه (1904 – 1997م).
د/ الزاوية الإبراهيمية بكولخ، ومن أعلامها:
- العارف بالله الشيخ عبد الله نياس رضي الله عنه (1845م).
- والعارف بالله شيخ الإسلام الحاج إبراهيم نياس، علامة زمانه وبرهان الطريقـــة التجانية، المولود في السنغال عام 1318هـ/ 1900م. ويعتبر رضي الله عنه من المجددين لدعائم التصــــــــوف السني في غرب إفريقيا، حيث سخر كل طاقاته علميا وفكريا لنشــــــــــر هذه الطريقة وتوسعـــــــة رقعتها في إفريقيــــــــا الغربيـــة، خصوصـــــا في نيجيريا وما والاَها من البلدان.
ومن أشهر أعلام هذه الزاوية بعد الشيخ إبراهيم، شيخان صوفيان، هـما:
- الشيـــخ العلامــــة الإمام حسن سيسي، المولود في ديسمبــــــــر 1945م بكولـخ في السنغـــــال.
- والشيخ العلامة أحمد التجاني نياس، المولود عام 1932م بالسنغــــــــال، (الذي توفي أثناء كتابة هذا البحث، تغمده الله بواسع رحمته).
رحمة الله على الجميع، فكلهم قاموا بدور بارز في تعزيــــــــز كيان التصوف السني، وسدّوا الفراغات من كل جانب تلقينا وتعليما وتربيــــــــة، وصبغوا مريديهم وتلاميذهم بالصبغة السنية، شريعة وحقيقة، (صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة) {سورة البقرة الآية (138)}. فجزى الله عنا هؤلاء الأعلام خير الجزاء، آمين.
ه/ الزاوية الغُناسية:
هذه الزاوية هي الأخرى من ثمار الزاوية العمرية أيضا، أنشأها أحــــــــد رجال الله، من رجال التصوف السني، وهو الشيخ العلامة التقي الزاهـد الصوفي الكبير، الشيخ محمد سراج الدين با (1316 – 1400هـ/1900 – 1980م).
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الصوفي الكبير، قد أنشأ في التصـــــــوف مَعْلَمًا تعبّديا فريدا من نوعه، يسمَى «داكا»، وهو عبارة عن عزلة تامــــة عن كل الملـــــــذات الاجتماعية والنعم المنزلية، مدة عشرة أيام كاملــــــة. أي بمثابــــــــة الاعتكاف في ساحة صحراويـــــة، تبعـــــد عن المدينة عدّة كيلومتـــرات، للعبادة وممارسة الأذكار وتلاوة القـرآن الكريــــم والاستماع إلى المواعظ البليغة…
وهذا الاعتزال الاعتكافي موسمٌ سنوي، تحضره جموع غفيـــرة من أتباع الطريقة التجانية من شتى الأماكن، ليذوقوا شيئا من خشونة الحياة، والبعــد عن حياة الترف والتنعّم، مثل أيّام منى في موسم الحج.
و/ الزاوية الطوباوية:
وهي الزاوية والطريقة الصوفية الثالثة في السنغال، أنشأها أحــــــــد رجال الله السنيين، العارف بالله الشيخ أحمد بَمْبَ مْبكي (1270 – 1345هـ/ 1854 – 1927م) رضي الله عنه. وتسمى هذه الطريقة أيضا، التي نشأت في القرن التاسع عشـــر الميلادي، بـ «الطريقـــة المريدية»، وهي كذلك مستمدة من نصوص الكتاب والسنة. ولها نفحات محسوسة من محبــــــــة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومواقف ربانية عند شيخها، وهي تدعـو إلى الانسجام والتعاضد، وتحث على العمل والامتثال للأوامر.
عاش مؤسسها عدة مشاكل من طـــــــرف الاستعمار الفرنسي، أدت به إلى المنفى خارج وطنه، حيث نُفي إلى منطقة منعزلة غير مأهولــــــــــة في الغابون، تسمى «مايمبي»، ومكث هناك سبعا من الأعوام الطوال، ثم جعلوه تحـت الإقامة الجبرية بعد عودته من المنفى. ومع ذلك، ظلّ عدد الأتباع يــــــزداد يوما بعد يوم إلى يومنا هذا، داخل السنغال وخارجه، فاكتسبت الطريقة بذلك شهرة وطنيـــــــة، وازداد المريدون إيمانا واقتناعا بفعاليتها، فأخذت هي الأخرى تشق طريقها في قلـوب الناس، مما أكســـــب مؤسسها محبة الجميع من مواطنيه، فانتشرت الطريقة بشكل هائل داخــــل السنغال وخارجه.
وبعد العودة كذلك، أسس الشيخ أحمد بمب مدينة طوبى، واتخـــــــذها مـقرا للطريقة، ومنارة تشع منها الأنوار، ثم بنى بها هذه الزاوية العظيمة العاليــة المنارات، التي تعد رمزا من رموز الإسلام، ومهدا للتصوف السني، ومعلما بارزا يدل عليه.
وبعد وفاة الشيخ، قام خلفاؤه الأعلام من بعده بتطوير جميع المساعي الدينية لنشر الطريقة، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
- الشيخ محمد المصطفى مبكي، المولود عام 1306هـ/1888م.
- والشيخ عبد الأحد مبكي، المولود عام 1332هـ/1914م.
وآخرون من الأعلام، ممن قاموا بنشر تعاليم المؤسس ومبادئ الطريقــــــة المريدية. وتساند هذه الطريقة عدة مؤلفات، تركها المؤسس بعد رحيله.
ونختتم بالإشارة إلى أنّ الطريقة المريدية، تساهم هي الأخرى في نشـــــــر الثوابت الدينية المشتركة، وقد حصرت أتباعها في حظيرة العقيدة الأشعريـــــة، وربط الصلة بين المؤمنين، والحث على العمل والتضامن الاجتماعي. شأنها في جميع الميادين، شأن نظيراتها من الطرق الصوفية المستمـــدة من الكتاب والسنة، التي تتمسك بها شعوب الغرب الإفريقي لحد الآن، وتعمـل جدّيا على التربية السلوكية والتمسك بالقيم الإسلامية السمحة، ويحافــــــظ مشايخها على القيم الإنسانية، والأعراف الإفريقية المستحسنـــــة، والمثل العليا لدى الشعوب الإفريقية منذ العصور الغابــــــرة من تاريخــها الطويل؛ كالتسامح، وقبول الآخر، والتعايش السلمي، وحسن الجـــوار، واحترام الناس بعضهم بعضا في ممارساتهم العقدية في الحضرة الإلهيــة.
ونقتطف فيما يلي، بعض الأبيات من قصائد شيخ هذه الطريقــــــــة، تبرهـن على معايير الطرق الصوفية وأتباعها في حسن الخلق:
وهكـــــــذا عاش المجتمع السنغالي على التسامح وحسن الجوار والاحترام المتبادل، بدون أي تعصب قبلي أو صوفي أو مذهبي…
ملخص لبعض المعالم والأعلام في السنغال:
ونقدم- فيما يلي- موجزا عن بعض الأعلام في التصوف السني في السنغــال، بحسب معالم الطرق الثلاث فيها: القادرية والتجانية والمريدية.
1/ الزاوية القادرية بفوتا تورو:
أ / رجال الثورة الإمامية في فوتا تورو في القرن السابع عشر الميــــلادي كلهم قادريون، أمثال: الشيخ سليمان بال، والشيخ عبد القادر كن (1726 – 1815م).
ب / الزاوية الكنتية في نجاسان، وأعلامها:
- الشيخ أبو نعامة رحمه الله المؤسس في عامِ 1800م
- الشيخ أبو محمد الكنتي رحمه الله 1840 – 1914م
- الشيخ بكاي الكنتي الخليفة الحالي.
2/ الزاوية العمرية التجانية في السنغال، وأعلامها:
- الشيخ عمر الفوتي المؤسس.
- الشيخ سعيد النور تال (1864 – 1980م)،
- الشيخ منتقى أحمد منتقى (1914 – 2007م).
3/ الزاوية الغناسية، من أعلامها:
- الشيخ محمد سراج الدين با (1316 – 1400 هـ/1900 – 1980م).
4/ الزاوية الإبراهيمية بكولخ، وأعلامها:
- الشيخ عبد الله نياس المولود في عام 1845م،
- شيخ الإسلام إبراهيم نياس 1318هـ/ 1900م،
- الشيخ حسن علي سيسي المولود، عام 1945،
- الشيخ أحمد التجاني إبراهيم نياس، عام 1932م.
5/ الزاوية التواوونية التجانية، وأعلامها:
- الشيخ الحاج مالك سي المؤسس (1855 – 1922م)،
- الشيخ أبو بكر سي خليفته (1885 – 1957م)،
- الشيخ عبد العزيز سي الدباغ (1904 – 1997م).
6/ الزاوية الطوباوية للطريقة المريدية، وأعلامها:
- الشيخ أحمد بمب مبكي المؤسس (1270 – 1345هـ/1854 – 1927م)،
- محمد المصطفى مبكي (1306هـ/1888م)،
- الشيخ عبد الأحد مبكي (1332هـ/1914).
فهؤلاء هم الأعلام من المتصوفين في السنغـال، ويوجد أمثال هؤلاء الأعلام في بلدان المنطقة الغربية من القـــــارة الإفريقيـــــة، الذين لعبــــــــوا دورا هاما في التصوف السني.
خاتمـــــــة:
ذكرنا في هذا البحث المتواضع بعض الطـــرق الصوفيـــــــة التي تُعد من التصوف السني، وأنها تستمد موردها من السنة. وذكرنا منها القادريــــــــة والتجانيـــــة والمريديـــة، مع العلم أن هناك طرقا أخرى لم نذكرها في هذا العــرض، لأنّ وجود البعض يقتضي وجود البعض الآخر. فالبعرة تــدل على البعير، وآثارها وآثار الأقدام تدل على المشي. ومعنى هــــــــــذا، أنّ القارة الإفريقية لم تتخلف عن الركب في جميع مجالات الدين الإسلامي شريعـــة وحقيقة، لأنّ الشعــــــور الديني عموما والشعور التصوفيّ خصوصا قوي لدى شعـــــــــوب القـارة الإفريقية جمعاء.
ولا يفوتنـا في هذا المجـــــــال أن نشكر مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمـــد السادس حفظه الله ورعاه على مجهــــوداته العملاقة تجاه الديــــن الإسلامي، وغيرته الإفريقية المقدســــــــة التي دفعتـــه إلى القيــــــام بِجمْع كلمــــــــة المسلمين عموما في هـــــــــذه القارة، وهمته العالية في لمّ شمـل العلماء الأفارقة، فأنشأ مؤسسة تـــربط بين علماء القارة السوداء، تعمل لرفع راية الإسلام عموما، وخدمة الثوابـت الدينية المشتركة تحت مظلة الأخوة الدينية والإفريقية خصوصا.
ولتحقيق هذا الغرض، أنشأت المؤسسة تحت رعايته السامية مجلــة للعلماء الأفارقة، للتعريف بقيم الإسلام السمحة، وخدمة الثوابت المشتركـــــة، الأمـر الذي يتيـــــح للعلماء فرصة سانحة للتعارف من جهــــة، والعمل لبناء مجد إفريقيا من جديد دينيا وعلميا واقتصاديا وسياسيا من جهة ثانية، حتى تحذو القارة الإفريقية حذو قارات العالم في جميع المستويات.
ولهذا نسأل الله العلي القدير أن يثبت خُطى مولانا أمــير المؤمنيـــــن على الصراط المستقيم، حتى يحقق جميع أمنياته، ويتمم مشاريعه في بلاده خاصـــة، وفي كل البلاد الإفريقية المسلمة عامة؛ وأن يحفظه الله سبحانه وتعالى بما حفــــظ به الذكر الحكيم، ويقر عينه في ولي عهده مولاي الحسن وصنوه مولاي الرشيـــــــد، وما ذلك على الله بعزيز.
- عاشت إفريقيا المسلمة، وعاش أمير المؤمنين المحبوب؛
- عاشت الفروع التابعة للمؤسسة؛
- عاشت إدارة المجلة ورجالها، وشكرا لها على اختيار هذا الموضــــوع الهام: «التصـوف السني في إفريقيا، معــالــم وأعــــــلام»؛ لأنّها أتاحـــــــــــــت لأعضاء الفروع فرصة سانحة للبحث العلمي وتبادل المعلومات الجهوية.
فشكرا للجميع، ولكل من قام بتحقيق الغرض في نشــر المعلومات النافعة للقارة الإفريقية وأبنائها. ولله الحمد في الأولى والآخرة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمـــــــد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. مراجــــع البحـــــــــث:
- القرآن الكريم، والسنة الشريفة.
- كتاب: أثر التصوف السني في تعديل وتقويم السلوك.
-ـ كتاب: دور الطريقة التجانية في مساندة العقيدة الأشعرية.
- مقالة خاصة حول التسامح وقبول الآخر في المجتمع الصوفي، (محاضرة قام بها فرع السنغال، في عام 2019م)
- كتاب: الإرشادات الربانية للطريق إلى الجنة.
- كتاب: السلف أسوة للخلف الطالع.
- كتاب: الطريق الروحي للسائرين إلى الحضرة القدسية.
- محاضرة بعنوان: الإسلام والمجتمع، (نظمتها رابطة علماء الإسلام في السنغال، بتاريخ 24 نوفمبر 2007م).
- كتاب: المرشد المعتمد في سيرة الشيخ منتقى الصوفي.
- كتاب: الدر المنثور في حياة الشيخ سعيد النور، لمؤلفه الشيخ منتقى تال رحمه الله.