تراثناslider

خصوصية اليهود المغاربة: تميز ثقافي وديني متجذر في التاريخ

لطالما شكل اليهود المغاربة حالة فريدة في النسيج الاجتماعي والثقافي للمغرب، وهو ما أكده المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، في خطابه أمام اليهود المغاربة في أمريكا. فقد أوضح بجلاء أن يهود المغرب ليسوا مجرد طائفة دينية عاشت في كنف المملكة، بل هم جزء أصيل من تاريخها، يحملون خصوصيات ثقافية ودينية جعلتهم متميزين عن غيرهم من يهود العالم.

يتميز اليهود المغاربة بتمسكهم العميق بتعاليم الدين اليهودي وفق مدرسة تلمودية رصينة، تعتبر من بين الأفضل عالميًا. فالمدرسة التلمودية المغربية ظلت عبر العصور مرجعًا أساسيًا للعلوم الدينية اليهودية، بفضل عمقها الفقهي والتزامها بتقاليد التفسير والتشريع العبري الأصيل. ومن المعروف أن الحاخامات المغاربة يتميزون بالصرامة والدقة في تفسيرهم للنصوص الدينية، وهو ما جعلهم موضع استشارة من قبل يهود العالم.

ففي كل مرة كان هناك خلاف ديني أو إشكالية فقهية تحتاج إلى تأصيل شرعي، كان اليهود من مختلف بقاع الأرض يتوجهون إلى المغرب، للاستفادة من حكمة حاخاماته الذين حافظوا على نقاء التعاليم اليهودية. هذه المكانة لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة تراكم قرون من المعرفة، والاجتهاد في حفظ التراث الديني اليهودي وتطويره.

إلى جانب صرامتهم في العقيدة، كان اليهود المغاربة مندمجين في النسيج الثقافي والاجتماعي للبلاد، يتحدثون العربية والأمازيغية، ويشاركون المغاربة المسلمين في العادات والتقاليد، دون أن يفقدوا هويتهم الدينية. فقد كانوا جزءًا من الحياة اليومية للمغرب، يشاركون في تجارته وصناعته وحرفه، ويحتفلون بمواسمه وأفراحه، مع الحفاظ على خصوصيتهم الدينية.

هذا الاندماج جعل اليهود المغاربة مختلفين عن باقي يهود العالم، فهم ليسوا مجرد طائفة منعزلة أو جالية مهاجرة، بل هم أبناء الوطن، انتماؤهم للمغرب لم يكن مجرد إقامة جغرافية، بل كان انتماءً وجدانيًا وثقافيًا عميقًا. حتى الذين هاجروا إلى إسرائيل أو أمريكا، ظلوا يحتفظون بعاداتهم المغربية، ولهجتهم، وحنينهم إلى أرض الأجداد.

في خطابه، أبرز المغفور له الملك الحسن الثاني أن اليهود المغاربة، أينما كانوا، يمثلون جزءًا لا يتجزأ من الهوية المغربية، وأنهم يحملون إرثًا ثقافيًا ودينيًا يجعلهم سفراء للمغرب في الخارج. وقد عبّر جلالته عن اعتزازه بكون يهود المغرب لم يذوبوا في مجتمعاتهم الجديدة، بل ظلوا محافظين على روابطهم العاطفية والتاريخية بوطنهم الأصلي.

إن هذه الخصوصية التي تحدث عنها الحسن الثاني تعكس غنى المغرب وتعدديته الثقافية والدينية، وتؤكد أن التعايش الذي شهده المغرب ليس مجرد تسامح عابر، بل كان نمط حياة رسّخ روح الانفتاح وقبول الآخر عبر العصور.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى