قصة الجالية الأندلسية في المغرب – 2
اخترعوا (البارود) أثناء حروب غرناطة وطوروا استعماله، وانقض أعداؤهم على ثمرة الاختراع وزعموا أن الفضل لهم في الاكتشاف. انتزعوا الاكتشافات البحرية من العرب وزعموا أن كريستوف كولومب هو المكتشف وقد أثبت التاريخ الحديث أن كريستوف استعان بالكتب العربية، والبحارة المسلمين وبمشروع (الإخوة المغرورين) لاكتشاف العالم الجديد.
الأستاذ والمؤرخ الحسن السائح
لا يمكن أن نقدر عدد المسلمين الأندلسيين تحت حكم إسبانيا، فإذا كان عدد المسلمين في عهد بني أمية يقدّر بين عشرين وخمسة عشر مليوناً، حسب الإحصاءات العصرية المعتمدة على عدد المدن والاستهلاك المحلي للسكان، فإن تقديرات السلطة الإسبانية لعدد المسلمين في الأندلس بعد احتلال غرناطة لا تخلو من تقليل عددي لشأنهم تهويناً لأمرهم ومكانتهم.
ويذكر مؤلف خلاصة تاريخ العرب أن عدد المسلمين المطرودين من إسبانيا بعد فتح غرناطة ثلاثة ملايين نسمة.
بعد وفاة أحمد المنصور السعدي، وفد على المغرب أمواج عظيمة من اللاجئين الأندلسيين وحظيت تطوان والرباط وسلا بعناصر نشيطة منهم، وقد ساهموا في كثير من الأعمال البحرية، كما شارك الموريسكوس بحظ وافر في الميدان الاقتصادي والتجاري، وبالأخص في المغرب وتونس … وبلغ عدد ما استقبل المغرب منهم حوالي 60 إلى 80 ألفاً منهم سنة 1018 \ 1609 م، حيث انبثوا في أجزاء كثيرة من البلاد التونسية كسهل مجردة وكرمبالية والسلوكية وناحية تونس وغيرها، فعبأوا الطرق وزرعوا البساتين، وأحدثوا عدة زراعات وصناعات كما في j.Pignon, initiation à la Tunisie p.103 وكذلك عملوا سواء بالمغرب أو تونس على تنشيط التجارة مع الدول عن طريق البواخر التجارية، غير أن تنشيط حركة الجهاد البحري كان أكثر أهمية بالنسبة لأي قطر.
ولم ينطفئ (الإسلام) ولا خمدت ثقافته في قلوب المورسكوس، بل ظلوا يتسترون بإسلامهم يصلون في الكنيسة ويقرأون سرّاً سورة (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) ويستظهرون في بيوتهم ويقتلون بعد خروجهم من الكنيسة ….ويؤلفون كتباً مبسطة في القصة والتوحيد والتفسير والسيرة النبوية والقصص القرآنية. وجاءت تفاصيل ذلك في عدة مصادر (تاريخ المورسكوس) مع تثبيت المعجم والتآليف (انظر تاريخ الفكر الأندلسي، بلاسوس).
ويعد سقوط الملكية الإسبانية المتحالفة مع الكنيسة، وإعلان الجمهورية انتشرت الحرية إلى حد ما، وجهر كثير من الأندلسيين بأصلهم العربي وطالبوا بأرضهم وممتلكاتهم التي انتزعتها الكنيسة غصباً وظل العرب فيها مزارعين في نظام إقطاعي متعصب، استجابت الحكومة لطلبهم بل طالبوا بالاستقلال الذاتي. . بل ظهروا في ميدان السياسة والحكم ويقال إن رئيس جمهورية إسبانيا ALKALA ZAMORA من أصل عربي (القلعة زمورة) وبرزت في الأندلس حركة ثقافية لإحياء التراث العربي الإسلامي في الأندلس، فنصبت تماثيل لابن رشد وابن حزم وابن الخطيب، وقدم أحد نواب (مجريط في عهد الجمهورية مشروع إعادة مسجد قرطبة إلى الإسلام.. وأسست في إسبانيا (الجمعية الإسبانية الإسلامية).
من الخطأ أن نساير المؤرخين الذين يزعمون نهاية الثقافة الأندلسية بمأساة (الموريسكوس) وتشريدهم. والحق أن الثقافة الأندلسية الإسلامية ظلت تلتهب قوية جبارة تطور العالم كله وتسير به إلى استشرافية التقدم والنماء.
لقد كانت مأساة المثقفين والعلماء الأندلسيين ولم تكن مأساة الثقافة والعلم الأندلسيين، تلك أن النظريات الإصلاحية في السياسة والاجتماع وملفات الاختراعات، انتزعت من يد أصحابها واستغلها أعداؤهم معفين على أسمائهم وعبقريتهم والمهم أن العالم مدين لهؤلاء الأندلسيين فيما عرفت أوروبا من نهضة علمية، وما عرف في إفريقيا وآسيا والمحيطات من اكتشافات وفتوحات، فقد كان المسلمون الأندلسيون، أعظم المفكرين في العصر الوسيط حيث كانت أوروبا ذات ثقافة بدائية، ويشهد مؤرخو الفكر العربي، أن قيام التأليف العامي في أوروبا يرجع للمسلمين الأندلسيين سواء في الطب أو الرياضيات أو العلوم بل إن (إسبانيا) خضعت خضوعاً علمياً للغة العربية التي كانت لغة المصطلحات العلمية، وخلال حكم (ألفونسو السابع) 1126- 1156م، انكبت إسبانيا على نقل التفكير الأندلسي الفلسفي والعلمي والأدبي والقصصي إلى أوروبا بصفة عامة بترجمته إلى اللغة اللاتينية… وكان (رامن لل) ودانتي القرايلي …..
ويثبت التاريخ العلمي لإسبانيا وأوروبا أن الفلسفة والآداب والأخلاق والشعر والقصة نقلت عن الأندلسيين نقلاً حرفياً أو بصفة ملتوية. وأن كل هذه الآثار كان وراءها (الغرباء) الأندلسيون الذين عُذِّبوا وامتهنوا واختلست آثارهم، وأُرغموا على العمل في الحقول للزراعة وفي المدن للتجارة، والكنائس والمعاهد لإعطاء عصارة التجربة العلمية والأدبية لجماعة عن المتبجحين بالمعرفة والألقاب العلمية.
فقد اخترعوا (البارود) أثناء حروب غرناطة وطوروا استعماله، وانقض أعداؤهم على ثمرة الاختراع وزعموا أن الفضل لهم في الاكتشاف. انتزعوا الاكتشافات البحرية من العرب وزعموا أن كريستوف كولمب هو المكتشف وقد أثبت التاريخ الحديث أن كريستوف استعان بالكتب العربية، والبحارة المسلمين، وبمشروع (الإخوة المغرورين لاكتشاف العالم الجديد).
وكان للجالية الأندلسية عمل عظيم في تطوير الفكر الغربي وتقدمه بل إن (الكليات) العلمية في أوروبا المسماة (بكوليج) محرفة عن اسم كتاب (كليات ابن رشد) الذي كان معلم أوروبا، وكان أبو زيت (ابن زيد) المنتصر على الطريقة (البروتستانتية) من الوجهين لفولتير، وروسو، ونيوتن، وليننتز.
كما كان ( موروجاميري ) ( المغربي الجعفري) نائب كورسيكا أعظم فقيه في فرنسا… وكانت صناعة المدافع الأولى بمراكش على يد موريسكي من مدريد ، كما كان بها مصنع للبارود من أوائل دولة السعديين ( زيانى ، ترجان ) ص 352 واغلب جهاز المدفعية من الأتراك والعلوج والموريسكوس ، أما فرق التخريب وإنشاء الفنادق ونقل المدفعية فهي من مكان الجبال الذين يدعون ابنو درارن.
بعد انهزام الأسطول المغربي وفقد كثير من وحداته سنة 741- 1340 بعد أن فقد 600 قطعة من سواحل الجزائر على اثر عاصفة هوجاء، ومنذ ذلك توقف عمليا كل تدخل رسمي للمغرب بالأندلس عن طريق البحر وقد اهتم السعديون ببناء أسطول جديد بكيفية تدريجية حتى بلغ منتهى قوته في عهد المنصور. وكانت القيادة العامة للأسطول تسند غالبا إلى عنصر الوريسكوس.
وكنلك كانت الجالية الأندلسية عظيمه بثقافتها وتفوقها الحضاري في العمران والبناء وفى التنظيمات الاجتماعية وإقامة الحفلات والملائم ، والتمتع بالموسيقى والطرب ، ومعرفة التصوير والنحت على الخشب والجبص . . ومما لاشك فيه أن الفن العمراني المزيني والسعدي والعلوي مدين للصناع الأندلسيين بل أن صناعة (الزردخان) من الذهب والحرير الرائجة بفاس ، كانت عن عمل الجلية الأندلسية المقيمة بفاس كما ذكر نلك ابن خلدون .
قوة الموريسكوس البحرية
هدف ( الموريسكوس ) وراء اختيارهم للإقامة بالرباط إلى تكوين قوة هجومية للعودة إلى بلادهم والانتقام لأنفسهم . . والغالب أن المنصور الذهبي واعدهم سرا بإعانتهم على العودة. ذلك يبدو من خلال تصرفاته الدبلوماسية، وتصرفاته التنظيمية، فقد كان المنصور الذهبي بتسول إلى الله أن يحقق العودة إلى الأندلس على يده كما يظهر ذلك من رسالة بعث بها في موكب ( الحج ) لتلقي على قبر الرسول يبث فيها آماله وطموحه ، كما انه حاول السيطرة على مالي والسنغال لقطع الطريق على البرتغال حتى لا يحتلوا هذه البلاد ويحاصروا المغرب من جنوبه و ( ثالثا ) لأنه ابرم اتفاقية مع انجلترا للتضييق على المملكة الاسبانية.
أما من جانب ( الموريسكوس ) فقد انضموا إلى جيشه في غزو الجنوب سعيا وراء اكتساب أموال تساعدهم على تنظيم شؤونهم المادية وتقوية مركزهم العسكري كما أنهم نظموا أمور جهاد البحر حتى يستطيعوا مهاجمة ( اسبانيا) فبنوا في الرباط دارا لصناعه السفن وأنشأوا مدرسة ملاحية للدراسة البحرية وصناعة السفن وإصلاحها ومعرفة طرق البحر ليلا بواسطة حركة النجوم . وقد كان منهم أساتذة نبهاء مارسوا المهنة وابدوا كفاءة ومقدرة . . وفعلا سيطر ( الموريسكوس ) على البحر الاطلسى والمتوسط ونسقوا عملهم مع مراكز الجزائر ، وليبيا، وهم جميعا من (الموريسكوس ) المتوافدين على هذه المنطقة.
ذكر المؤرخ الرباطي ( الضعيف ) ان السلطان محمد بن عبد الله كان يريد اخراح أهل الرباط للصويرة لحصارهم أخاه بالقصبة : ولكنه عدل عن ذلك لأنه رؤى في خروجهم فراغا ، ولن يجد من يقوم مقامهم بشؤون البحر … سيما وقد كانت الدولة المغربية تعتمد على خبرتهم في شؤون البحر، والتقنية المدفعية … كما كانت تعتمد عليهم في السفارات الدبلوماسية لمعرفتهم باللغات الأجنبية كالانجليزية والاسبانية والايطالية، والفرنسية حيث كان اغلب السفراء منهم كالسفير ابن عبد الله ابن عائشة، سفير المولى إسماعيل إلى لويس الرابع عشر، وكالسفير التهامي المدور في بلاد اسويد والمستيري في انجلترا وغيرهم كثير. كما كان منهم (أمراء البحر ) كالبعودي وبربيس والمستيري والعربي حكم والعنفي ولبريس ر وغير وغيرهم.
وكانت للأندلسيين سفن كبيرة كسفينة (الكوار) سفينة المشاري، وفى كتاب ( الضعيف ) تفصيل لحركة الجهاد في البحر…. إلى أن جاء السلطان عبد الرحمن الذي أراد إحياء الجهاد البحري، وأذن لرؤساء البحر بالعدوتين بالخروج منها ، وغنموا بعض سفن ( النابريال) لعدم ادلائهم برخصة العبور فهجم (النابريال ) على العرائش ، فقررت الدولة المغربية العدول عن تشجيع الجهاد في البحر لتأييد الممالك الأوربية ضد الأندلسيين والأفارقة والعرب والمسلمين بصفة عامة.
ولم تكن لدى مورسكيي أبى رقراق أول الأمر أكثر من أربع بواخر سنة 1617 م (1026هـ ) ثم أصبحت في سنة1036 هـ (1626م ) تبلغ الستين . واقترح قائد أسطول فرنسي على رشيليو وزير فرنسا الشهور أن يسمح بإغراق باخرة فرنسية في ميناء أبى رقراق حتى يضطر السلطان إلى عقد اتفاق مع فرنسا من شأنه إن يوقف الجهاد الموريسكى وهكذا يضطر القراصنة إلى تحرير الأسرى الفرنسيين وعلى الرغم من أن الأسطول الفرنسي طبق هذه الخطة فعلا فإنها لم تؤد إلي نتيجة.
ثم قل البواخر الأندلسية، فأصبح 22 سنة 1044 هـ ( 1635م ) والى عشرين سنة 1058 هـ( 1647 م) ، وكانت بواخرهم تجلب في الغالب من أوربا كما كانوا يصنعون عددا منها بمساعد الهولنديين في الرباط ، وكانوا يصلون في مغامرتهم إلى الشواطئ الانجليزية ويهاجمون السفن الأجنبية.
وكانت للموريسكيين علاقات دبلوماسية مع كل من هولندا وفرنسا وانجلترا حيث كان لليهود دور بارز في السمسرة التجارية بين الموربسكيين وهولندا وكان هؤلاء يضايقون اشد مضايقة سائر المراكب التي تخرج للصيد في عرض المحيط الاطلسى، مما جعل فرنسا تفكر في عهد لويس الثالث عشر سنة 1038 هـ و (1629م) و1039 هـ (1630 م) في أمر يقضى بإرجاع كل باخرة احتجزها احد الطرفين من الآخر، وان تفتح موانئ كل من الفريقين لتجارة الطرف الآخر، ويسمح باستقرار قنصل فرنسي بالرباط، ولا يباع الأسرى الفرنسيون بسلا
ومنذ سنة 1626 م قدم مبعوث عن البلاط الانجليزي بجون هاريس قصد الاتصال بالمجاهدين حول القيام بهجوم مشترك ضد اسبانيا ، وكان ملك انجلترا في ذلك الوقت هو (جاك الأول ) ، ومن ضمن شروط الاتفاقية تحرير أسرى الانجليز وتسليم أربعة عشر مدفعا مع ذخيرة إلى المجاهدين ، وقد عاد المبعوث في السنة الموالية يقدم ستة مدافع وكمية من الذخيرة ، ولكن قضية الحلف ضد اسبانيا لم تقبلها الحكومة البريطانية التي لم ترتح إذ ذاك لمساعدة المجاهدين الذين كانوا قد قطعوا علاقتهم مع السلطان زيدان ، وحينئذ تم تحرير أسرى الانجليز بعد أن توصلت إمارة أبى رقراق في مقابل نلك بالأسلحة المتفق عليها .
وفى عاشر ماي 1036 هـ (1627م) تم الاتفاق بين الإمارة وجون هاريس على أن تفتح كل موانئ الطرفين لترويج بضائع الطرف الآخر مع عدم التعرض لسفن أي منهما، والتزام انجلترا بتحرير جميع الموريسكيين الاسارى بمملكتها ، وتعهد إمارة أبى رقراق بمساعدة انجلترا حربيا على أعدائها . وامضي الاتفاقية عن الإمارة إبراهيم بركاش ومحمد باركو، غير أن شارل الأول رفض توقيع الاتفاق . ولم يمض قليل حتى استولت السفن الانجليزية على ذخيرة للمجاهدين ، ورد الموريسكيون بالاستيلاء على عدد من البواخر الانجليزية.
وعلى الرغم من أن جون هاريسن عاد إلى المغرب يؤكد باسم ملكه انه يتبرأ من مسؤولية تصرفات السفن الانجليزية التي استولت على الباخرة الموريسكية ، فان المجاهدين رفضوا أن يسمحوا( للمبعوث ) بالنزول من باخرته ، وقد قضى جون هاريسون ست سنوات في التردد بين أبي رقراق وبلاده (من سنة 1626-1631) عسى أن تحسن العلاقات بين الجانبين ولكنه لم يوفق إلى نلك.
هذا وما تزال مدينة الرباط وتطوان وغيرهما ، تحتفظ بعائلات كثيرة من هذه الجالية تحمل اسماءها الاسبانية والبرتغالية، ولا شك أن محاكم التفتيش حملت العرب و المسلمين على تغيير أسمائهم ، ولذلك فأسماؤهم إما عربية محرفة أو اسبانية . أما الاسبانيون والمسيحيون بصفة عامة الذين كانوا يدخلون للإسلام فإنهم كانوا يغيرون أسماءهم العائلية بأسماء عربية وإسلامية .
وما تزال اسبانيا الحديثة تحتفظ بعائلات أندلسية تحمل اسم ( موريسك ).
و ( الاسبان ) كانوا يعرفون المغرب العربي باسم لاتيني – ( مرتيانا تنوانيا ) أي ( موريتانيا وطنجة ) ثم أصبحوا يطلقون على الوافدين من المغرب ويسمونها ( مورس ) مختصرا عن ( موريطانيا ) وأخيرا يطلقونه على كل ( مسلم ) وعلى كل عربي، لان المغرب باب إفريقيا والإسلام والعروبة .
ويعد ، هذه قصة الجالية الأندلسية التي قضى عليها أن تشيد حضارة عظمى في تاريخ البشرية وان تلاقى عقوق المتعصبين المسيحيين فشردوها شر تشريد وقطعوها في الأرض أمما.
أنها قصة ( العنف الجماعي ) الذي يبدو بين الفينة والأخرى و البيئات المتعصبة عقائديا ، والتي تدين بالعنصرية اللوتية والجنسية.
لقد عانى ( الموريسكس ) الطرد الجماعي والتغريب ، كما يعاني ( الفيتناميون ) اليوم الهجرة الجماعية والتردي في البحار حيث يلاقى الالاف اشد ما يعانيه البشر من شقاء ، وكما يعاني ( الفلسطينيون ) من تعذيب وتنكيل وحياة أليمة في المخيمات .
المصدر: دعوة الحق، العدد 206، يوليوز 1980